نشرت بجريدة"الخليج"
تاريح 28-9-2019
من يحكم الكون...الإنسان ام الروبوت ؟
د. عصام نعمان
يحكم الإنسان الكون منذ بدء الخليقة. له ، بصورة عامة ، السلطة والقرار. تتمرد عليه الطبيعة احياناً برياحها واعاصيرها وفيضاناتها وزلازلها . لكن السيطرة تبقى له في نهاية الامر.
يبدو ان منافساً للإنسان بدأ يتكوّن ويتبلور، بعلمه وعمله ورعايته، وقد يخرج يوماً عن ارادته. انه الروبوت او الإنسان الآلي. فهل يأتي زمن يتنافس الإنسان والروبوت على حكم العالم بل على حكم الكون الذي يغصّ بالكواكب والنجوم ؟
عالم الروبوت الياباني هيروشي ايشيغورو يقوم ، بعيداً عن الأضواء، بتطوير تكنولوجيا قد تمحو اكثر الحدود القائمة بين البشر والآلات . فهو يتوقع ان يكون روبوت المستقبل ذكياً جداً ، يساعد في الاعمال المنزلية ، ويبدو بهيئة انسان ، ويتصرف مثله ، وقد يصبح صديقاً للبشر كذلك !
ايشيغورو يعمل حالياً استاذاً في جامعة اوساكا اليابانية . قال لوكالة "فرانس برس" : "نطوّر سنة بعد سنة ، تكنولوجيا جديدة مثل التعليم العميق الذي حسّن قدرة الآلة على التعرّف الى الأشياء ، والآن نركّز على النية والرغبة وتطبيقهما على الروبوت ليصبح اكثر شبهاً بالإنسان".
تباشير الروبوت الذكي والعامل بدأت بالظهور. ففي اليابان اليوم يُستخدم الروبوت بشكل واسع في مهمات كثيرة مثل طبع النودلز ، ومساعدة المرضى في علاجهم الفيزيائي. وتقوم جامعة تسوكوبا وشركة "سايبردان" اليابانيتان بتطوير الروبوت "هال" لمساعدة المقعدين على السير مجدداً بإستخدام حساسات موصولة الى وحدة تحكّم. ويرى علماء ان الروبوتات الخدماتية ستساعد البشر في الأعمال المنزلية من اخراج النفايات الى تحضير الخبز.
في الولايات المتحدة قطعت تكنولوجيا الروبوت شوطاً ربما اوسع في محو الحدود بين البشر والآلات. فقد امكن تصنيع سيارة آلية يسّيرها روبوت ذكي خاص بها ، وتستطيع التجوال وحدها في الشوارع والساحات دونما تدخلٍ من دماغ بشري. هذا ناهيك عن الروبوتات التي يوليها العلماء مهام تسيير المركبات الفضائية في برامج الوصول الى الكواكب والنجوم.
ماذا لو فقد الإنسان الطبيعي سيطرته على الإنسان الآلي ؟
ثمة تحسّب في اميركا الى امكانية تمكّن الروبوت الذكي وبالتالي الإنسان الآلي الذكي من الخروج عن ارادة "ربه" ، اي عن سيطرة الإنسان الطبيعي الذي "خلقه". ففي هوليوود ، يؤدّي هاريسون فورد في "بلايد رانر" دور شرطي يطارد روبوتات متمردة ويقتلها بعد فرارها وإقامتها بين السكان في مدينة لوس انجلس.
لنتخيّل حالة اكبر واوسع وأخطر . ماذا لو أمكن تطوير تكنولوجيا الروبوت لدرجة يصبح معها بالإمكان "خلق" مجاميع ، بل شعوب، من الإنسان الآلي ، بل الشديد الذكاء ؟ ألن يكون في وسع هذه الكائنات الاصطناعية الذكية ان تتصادق وتتحاسب وتتزوج وتنجب اولاداً ؟ ألن يكون في وسع "شعوب" الإنسان الآلي الشديدة الذكاء ان تتحاور وتتفاهم على إقامة مجتمع وسلطة ودولة خاصة بها ؟ ألن يكون من الممكن ان تتنافس الشعوب الآلية الذكية مع شعوب العالم الطبيعية بل ان تتحارب معها للسيطرة على ساحات ومناطق وبلدان وقارات ؟ أليس من الممكن ان تتنافس "حكومات" الشعوب الآلية الذكية مع حكومات الشعوب الطبيعية على ريادة الفضاء و"احتلال" كواكب ونجوم اخرى؟ ومن ترى سيقوم بتهجير الآخر الى بعض الكواكب "المحتلة" ، الشعوب الطبيعية ام الشعوب الآلية ؟
صحيح ان هذه التوقعات تبدو حالياً اقرب الى ما يسمى "افلام الخيال العلمي" ، لكن ألم يكن بعض آلات وتجهيزات ومشروعات عالمنا الحاضر اوهاماً واحلاماً وتخيلات غير علمية في ماضينا الغابر ؟
لعلني لست خيالياً اذا ما توقعت اليوم ان ينبري علماء متعددو الإختصاصات في الجامعات والمعاهد المتقدّمة في اميركا واوروبا واليابان والصين واوروبا (وربما في عالم العرب ايضا !) الى الاجتماع للتحاور والتوافق على وضع قواعد نظام كوني جديد بديلاً من النظام الدولي الحالي المتهافت غايته ، القريبة او البعيدة ، تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب الطبيعية والتشكيلات المماثلة (الاكثر تطوراً ؟) للشعوب الآلية التي سيضج بها الكون في قابل الاجيال والقرون ...
سبحان الله العلي القدير ، وتبارك الإنسان الآلي الذي سيكون مقتدراً !