نشرت بجريدتي "القدس العربي" و"البناء
تاريخ 30/9/2019
اهل النظام غير راغبين وغير جادّين
في حلّ ازمةٍ مزمنةٍ تسبّبوا بتفاقمها
د. عصام نعمان
تعصف بلبنان دورةُ تأجيج متزايد لأزمته المزمنة. عنوانُ الدورة الراهنة مالي واقتصادي ، لكنه حافل بالضرورة بتحديات سياسية واجتماعية.
أبرز التحديات السياسية هجوم استخباري تشنّه الولايات المتحدة، غايته تجفيف موارد حزب الله المالية بتدابير مصرفية قاسية لإضعافه وتقويض قدراته ما يسهّل - في ظنّ الاميركيين وحلفائهم المحليين- عملية تطويق نفوذه السياسي وتعطيل نشاطه الميداني.
ابرز التحديات الإجتماعية إستشراء البطالة ، وإستفحال الضائقة المعيشية ، وشيوع الفساد ، وشرعنة المحاصصة ، والعجز عن حل مشكلة النفايات ، ولجؤ بعض القيادات السياسية الى سلاح الطائفية لإكتساب المزيد من المصالح وحمايتها.
في غمرة هذه التحديات وتداعياتها ، قدّمت كتلة التنمية والتحرير البرلمانية التي يرئسها رئيس مجلس النواب نبيه بري اقتراح قانون للإنتخابات ، وعرضته على مجمل الكتل والقوى الممثلة في المجلس في مسعى واضح لإقراره قبل ثلاث سنوات تقريباً من استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة.
ابرز ركائز اقتراح القانون الجديد اعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة ، وإلغاء الصوت التفضيلي المعتمد في القانون الحالي ، واحترام مبدأ المناصفة في التمثيل بين المسلمين والمسيحيين ، وإقرار "كوتا" إلزامية بمقاعد عشرين مخصصة للنساء ، وخفض سن الإقتراع الى 18 سنة .
معارضو اقتراح القانون الجديد ، ولاسيما نواب حزب القوات اللبنانية، ركّزوا حججهم على ضرورة إعطاء الاولوية لإنقاذ الإقتصاد ومواجهة الهموم المعيشية ، وان لا حاجة ملحّة للإسراع في تغيير قانون الإنتخاب في ظل الاوضاع الإقتصادية السيئة .
مؤيدو اقتراح القانون ركّزوا حججهم على ان التبكير في طرحه للمناقشة افضل من تركه الى قبل اشهر او اسابيع قليلة من موعد الإنتخابات، فيأتي القانون مسلوقاً ومليئاً بالنواقص والثغرات ، وان مناقشة اقتراح القانون الجديد لا يعني إغفال الملفات الإقتصادية العالقة اذ يمكن معالجة الأمرين معاً.
غير ان لمعارضي النظام واهله في صفوف القوى الوطنية والتقدمية رأياً آخر مغايراً . هم يعتقدون انه ليس في وسع اهل النظام الفاسد المتهرىء والمسؤولين عن التسبب بتفاقم ازمته المزمنة ان يتصدّوا لترقيع فجوات جسده الممزق كما في الماضي . فالشبكة السياسية المتحكّمة ترهّلت وفقدت مسوّغات شرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على نفسها وعلى البلاد . ومن اسف ان القوى الوطنية والتقدمية فقدت ايضاً حيويتها وجدّيتها وتبدو متباطئة في اعادة توحيد صفوفها. كل ذلك في وقتٍ عاد الصراع الى الإحتدام بين المحور الصهيواميركي من جهة ومحور المقاومة العربية المدعوم من ايران وروسيا من جهة اخرى.
ثمة حاجة استراتيجية ، اذاً ، الى توليد مناخ وطني وقومي نهضوي يستولد بدوره موازين قوى مغايرة في المنطقة . في هذا التوجه والسياق ، تتوجّب الإحاطة بالتحديات المحلية والإقليمية الماثلة لفهم الواقع بكل أبعاده وتناقضاته كشرط لتجاوزه والبدء في توليد البديل السياسي والإقتصادي والإجتماعي الأفضل.
في ما يخصّ لبنان، ارى ان تكون اسس التغيّر والتغيير النهضوية على الوجه الآتي :
اولاً ، عدم التورط مع الشبكة السياسية المتحكّمة في ايّ صيغة تسووية لتوافق وطني مصطنع يراد منه إعلان نقاط تلاقٍ محدودة بغية تمكين اهل النظام من إعادة انتاج أنفسهم وإدامة سيطرتهم.
ثانياً ، وجوب مسارعة القوى الوطنية والتقدمية الى توحيد صفوفها وإعمال الفكر والحوار بغية انتاج برنامج وطني سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل لمعالجة حال لبنان المستعصية بإتجاه الإنتقال به ، من خلال جبهة وطنية عريضة ، الى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.
ثالثاً ، الدعوة الى عقد مؤتمر وطني بعضوية تمثيلية موسّعة وصلاحيات استثنائية تشريعية تستوجبها الظروف الإستثنائية وذلك لإعادة تأسيس لبنان دولةً ووطناً وذلك بتحقيق المبادىء والإصلاحات النهضوية الآتية :
(أ) اعتبار قوانين الإنتخاب منذ الإستقلال غير دستورية واداة لإعادة انتاج النظام الطائفي الفاسد ، وان قانون الإنتخابات الضامن لصحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والإجتماعية المطلوبة.
(ب)اقرار قانون للإنتخاب وفق مقدّمة الدستور واحكامه ، ولاسيما المادتين 22و27 منه ، على الاسس الآتية:
.1 اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
.2 يكون مجلس النواب التأسيسي المنتخب وفق قانون الإنتخاب الجديد مؤلفاً من 130 نائباً ، مئة (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون توزيعٍ مذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون (30) الباقون وفق توزيعٍ مذهبي للمقاعد على ان يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
3.يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين :
الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة بلا توزيع مذهبي للمقاعد نواةَ مجلس النواب الوطني اللاطائفي المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور ، وإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي نواة مجلس الشيوخ وفق المادة عينها.
الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 – دستور.
رابعاً : يُعرض مشروع قانون الإنتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام ، واذا نال موافقة لا اقل من خمسين (50) في المئة من اصوات المشاركين يُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ ومجلس النواب القائم منحلاً بموجبه .
خامساً : يؤلف رئيس الجمهورية ، بالاتفاق مع رئيس الحكومة وبعد استشارة اعضاء المجلس الوطني التأسيسي، حكومةً وطنية جامعة لإجراء الإنتخابات وفق احكام قانون الإنتخاب الجديد ولإنتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر ، لسبب او لآخر ، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟
ارى ان القوى الحيّة عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة مدعوة الى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارتها ، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي بمبادئه واسسه واجراءاته المنوّه بها آنفاً.
إن البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الإنطلاق الى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء الى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الآوان .