نشرت بجريدتي "القدس العربي"و "البناء"
تاريخ 26/8/2019
حرب اميركا و"اسرائيل" تستهدف المنطقة كلها
...كيف تردّ المقاومة ؟
د. عصام نعمان
بات الامر قاطعاً في وضوحه : اميركا و"اسرائيل" تواجهان المقاومة بأطرافها جميعاً على مستوى منطقة غرب آسيا برمتها، من شواطيء فلسطين ولبنان وسوريا الى اعالي جبال افغانستان . المواجهة متواصلة ومتصاعدة وتتخذ أشكالاً شتّى وتُستخدم فيها اسلحة متعددة . في المقابل ، يقوم محور المقاومة بأطرافه جميعاً ، متحدين ومنفردين، بمواجهة الهجوم الصهيواميركي المتعدد الأشكال والساحات ، ويعتمد طرائق ووسائل متعددة ومتزايدة الفعالية في كل المواقع والجبهات.
واقعات شتّى تؤكد المواجهة القائمة والمتصاعدة بين اميركا و"اسرائيل" من جهة ومحور المقاومة من جهة اخرى ، ابرزها ثلاث:
أُولاها ، مسارعة "اسرائيل" الى الإعلان عن مشاركتها في القوة العسكرية البحرية التي تقوم اميركا بتنظيمها بدعوى حماية الملاحة التجارية عبر مضيق هرمز. "مشاركة اسرائيل" ستتركّز ، بحسب زعمها ، على الامور الإستخباراتية . على ان ذلك لا يعني عدم مشاركتها بقطع حربية من اسطولها العامل في البحر الاحمر وعلى مقربة من مضيق باب المندب.
ثانيتها ، قيام "اسرائيل"، بالتنسيق مع قيادة القوات الاميركية المتموضعة في العراق ، بضرب مقر قيادة "الحشد الشعبي" العراقي ومخازن اسلحته الى الشمال من بغداد. الهجوم نُفذّ ، على الارجح، بواسطة طائرات مسيّرة. تقول صحيفة "نيويورك تايمز" ان عملية القصف جرت ضمن الاراضي العراقية ما يوحي بوجود ثلاثة احتمالات :
-
ان تكون الطائرات المسيّرة انطلقت من داخل مواقع للقوات الاميركية المتمركزة في العراق .
-
ان يكون القصف نُفذ بواسطة صواريخ انطلقت من داخل مواقع للقوات الاميركية في العراق .
-
ان تكون عملية القصف تمّت بواسطة طائرات مسيّرة انطلقت من داخل "اسرائيل" ، كما ترجّح مصادر عسكرية عراقية.
ايّاً ما كان منطلق عملية القصف والوسيلة المستخدمة فيها ، فإنها ما كانت لتحصل من دون علم اميركا وموافقتها ، ذلك لأن قوات اميركية تتموضع في العراق وفي مواقع غير بعيدة عن مقر قيادة "الحشد الشعبي" ومخازن اسلحته ، ولأن القوات الاميركية تقوم بمراقبة وحماية محيطها البري كما نطاقها الجوي، ولا يعقل تالياً ان تكون "اسرائيل" قد نفذت هجمتها من دون علم القيادة العسكرية الاميركية في العراق او من دون مشاركتها.
ثالثتها ، ان نتنياهو ادلى بتصريح لصحيفة روسية كشف فيه بلا مواربة ان "اسرائيل" تعتبر ايران ممعنة في مدّ تنيظمات المقاومة بالسلاح لإستخدامه ضدها ، وانها لن تتوانى تالياً عن التصدي لها في كل المواقع المستخدمة في هذا السبيل.
الى ذلك ، تبدو اميركا جادة في تطبيق العقوبات الإقتصادية على ايران وحلفائها ولا سيما سوريا . فهي لم تكتفِ بحمل بريطانيا على احتجاز ناقلة نفط لها في مضيق جبل طارق بل لمحّت ، بتعابير مختلفة، بلسان كلٍّ من ترامب وبومبيو وبولتن بأنها عازمة على تصعيد العقوبات وموحيةً بإحتمال منع ايران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز . ولا يستبعد بعض المراقبين ان تُقدم اميركا على عرقلة مرور ناقلات النفط الايرانية عبر المضيق وذلك في إطار الحرب التجارية التي تشنّها على الصين.
ايران تدرك بالتأكيد أبعاد الحصار الاميركي المضروب عليها. لذا أكدت ، فور اعلان واشنطن عن بناء قوة بحرية لحراسة الملاحة التجارية عبر مضيق هرمز ، ان منع نفطها من المرور عبر المضيق المذكور او سواه لا يعني ان نفط غيرها من الدول المنتجة سيكون بمنأى عن اجراءات مضادة .
الواقع ان اميركا لا تكتفي بمحاصرة ايران اقتصادياً بل تتشدد في هذا المجال ايضاً مع حلفاء ايران . فهي تسعى منذ اشهر الى تعزيز قدرات الدول والتنظيمات المتصارعة مع سوريا سياسياً وميدانياً ، وقد عاودت تزويد التنظيمات الإرهابية المتبقية في اقصى شمال شرقي البلاد وفي غربها (ادلب) بالسلاح والعتاد ، كما عززت قواتها الخاصة في منطقة التنف الواقعة على مقربة من معبر البوكمال بين سوريا والعراق . اما "اسرائيل" فقد سارعت الى إطلاق صواريخها وطائراتها المسيّرة لضرب محيط دمشق العاصمة كما مقر الإعلام المركزي لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية ، ما حمل قائد المقاومة السيد حسن نصرالله على تهديد "اسرائيل " بالرد على اعتداءاتها براً وبحراً وجواً من لبنان وفي المكان والزمان المناسبين داخل فلسطين المحتلة .
اكثر من ذلك ، يبدو ان واشنطن تبنّت وجهة نظر تل ابيب بأن قوى المقاومة في العراق المعادية لهما بدأت تتجه الى ربط البلاد بمحور المقاومة وبالتالي التعاون مع ايران لدعم قوى المقاومة اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية (حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي) بالسلاح في كفاحهما المتصاعد ضد "اسرائيل". في هذا الإطار نسب مدير مكتب مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الاوسط تشارلز ليستر الى مصدر في الإستخبارات الإسرائيلية ان ايران بدأت نشر أنظمة صاروخية وصواريخ باليستية متطورة في الأراضي العراقية ، بعضها يُركَّز هناك بصفة دائمة والبعض الآخر يُرسل براً الى سوريا ولبنان . ربما لهذا السبب دعا بومبيو رئيس حكومة لبنان سعد الحريري الى اضطلاع الجيش اللبناني بدور أفعل في إغلاق معابر "التهريب" بين سوريا ولبنان.
اذا صحّت هذه المعلومات فمعنى ذلك ان "اسرائيل" هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن الضربات التي استهدفت مراكز "الحشد الشعبي" ، وانها جادة في تصعيد الحرب على ايران مداورةً في العراق ومباشرةً على اطراف محور المقاومة في سوريا ولبنان وقطاع غزة. ربما تأسيساً على هذه القناعة إتهم نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" ابو مهدي المهندس واشنطن بأنها "ادخلت اربع طائرات مسيّرة اسرائيلية لإستهداف مقار عسكرية عراقية".
الواقع ان كلاًّ من واشنطن وتل ابيب ادرك المخاطر المستجدة على وجودهما العسكري ونفوذهما السياسي في المنطقة، خصوصاً بعدما اعلنت طهران نجاحها في تصنيع منظومة جديدة للدفاع الجوي بإسم "باور-373" قالت إن قدرتها الإستطلاعية تصل الى 300 كيلومتر، وقدرتها على إسقاط طائرات وصواريخ معادية تصل الى 200 كيلومتر. كما وضعت القيادتان العسكريتان في كِلا الدولتين في الإعتبار اعلان مصدر قيادي في الحرس الثوري الإيراني ان طهران قادرة ليس فقط على مراقبة وإحباط اي تحركات معادية في محيط مضيق هرمز بل قادرة ايضاً على الفعل في البحر الاحمر ومحيط مضيق باب المندب.
كل هذه الواقعات والتهديدات والإحتمالات تشي بحقائق ساطعة مفادها ان ثمة "حرباً ناعمة" ، تتخللها احياناً كثيرة فصول ساخنة، تجري في دول وساحات غرب آسيا، وان اميركا و"اسرائيل" تقومان بتصعيدها على مستوى المنطقة برمتها ، وان اطراف محور المقاومة تواجه هذه التحديات بفعالية على مستوى المنطقة ايضا بشتى الطرائق والوسائل .
سينجم بلا شك عن هذه الحرب الناعمة (والساخنة احياناً) تحوّلات متفاوتة الأبعاد . لكن ، وسط هذه المعمعة ، لن تستقر المنطقة على حال قبل انقضاء الإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية في ايلول/سبتمبر المقبل، والإنتخابات الاميركية الرئاسية للولاية الثانية في خريف العام القادم .
هل من ترجيحٍ مغاير ؟