نشرت بجريدتي "القدس العربي" و "البناء"
تاريخ 19/8/2019
نصرالله يؤكّد ولا يهدّد :
الحرب على لبنان مؤداها تدمير "اسرائيل"
... وعلى ايران مؤداها اشتعال المنطقة برمتها
د. عصام نعمان
في الذكرى الـ 13 لإنتصار المقاومة في حرب "اسرائيل" على لبنان سنة 2006 ، إستخلص السيد حسن نصرالله ولخّص فصول الصراع في منطقة غرب آسيا الممتدة من شرقيّ البحر الابيض المتوسط الى شماليّ افغانستان في حقائق خمس :
اولاها ، ان المقاومة روح وايمان وارادة حياة وجهاد ومواجهة قبل ان تكون فصائل قتال ونزال ، وانها بهذا المعنى أضحت محوراً يضمّ اطرافاً عدّة ، متجانسة ومتماسكة ، وتتميّز بفعالية سياسية وعسكرية تنبع وتتمدّد من فلسطين المحتلة الى لبنان وسوريا والعراق واليمن ، وصولاً الى ايران .
ثانيتها ، ان العدو الرئيس الداهم للمقاومة ، بما هي محور متماسك او اطراف متمايزة ، هو اميركا الامبراطورية التوسعية والعدوانية ، وان "اسرائيل" مجرد اداة طيّعة في يدها وبأمرها.
ثالثتها ، ان حرب "اسرائيل" العدوانية على لبنان والمقاومة سنة 2006 كانت بأمر من اميركا ، غايتها اقامة شرق اوسط جديد على حساب شعوب المنطقة وحقوقها ومصالحها ومرتجياتها ، وان هذه الحرب توقفت ليس بسبب ضغوط غربية او عربية بل بسبب فشل الهجوم الصهيواميركي على نحوٍ كانت تداعياته – لو استمر – تتسبّب بكوارث هائلة لـِ "اسرائيل" ، بشراً وحجراً وعمراناً واقتصاداً.
رابعتها ، ان ايّ حرب تشنّها "اسرائيل" على لبنان سيكون مؤداها تدمير الكيان الصهيوني ، ذلك ان قدرات المقاومة تضاعفت 500 مرة عمّا كانت عليه سنة 2006 لدرجة انه بات في مقدورها تدمير كل ما يمكن ان تقذفه "اسرائيل" الى ميدان القتال من فِرق وكتائب وقوات نخبة، وان عملية التدمير الساحقة ستكون على الهواء ومتلفزة ليكون في مقدور الإسرائيليين والعالم اجمع مشاهدتها ومتابعتها.
خامستها ، ان ايّ حربٍ تشنّها اميركا (و"اسرائيل") على ايران سيكون مؤداها اشتعال منطقة غرب آسيا برمتها وبالتالي تدمير اميركا وحلفائها محليّاً في المنطقة ، وان الحاكمين في واشنطن وتل ابيب يعرفون هذه الحقيقة ويقدّرون أبعادها وتداعياتها واضرارها الكارثية ، وانهم نتيجةَ ذلك كله يترددون في شنِّ حربٍ عسكرية على ايران ويستعيضون عنها بـ "حربٍ ناعمة" قوامها الحصار والعقوبات الاقتصادية والفتن الطائفية .
يتفرّع من هذه الحقائق للصراع المحتدم في المنطقة مواقف ومقاربات متعددة تخدم اهداف محور المقاومة في تصدّيه الفاعل لاميركا الامبراطورية واداتها الصهيونية.
لعل اهم هذه المواقف إلتزام اطراف محور المقاومة عدم اللجؤ الى الحرب في تصدّيهم المتواصل والفاعل للعدو الصهيواميركي إلاّ في حال الدفاع عن النفس . في هذا السياق ، تركّز اطراف محور المقاومة على مقاربات ثلاث :
الاولى ، بناء القدرات على جميع المستويات ، ولاسيما العسكرية منها ، وتوخيّ الإبداع في هذا المضمار . ايران تمتلك ، مثلاً ، عدداً من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى لا تصل الى "اسرائيل" فحسب بل الى اوروبا ايضا الامر الذي يضع قواعد اميركا في غرب آسيا وما يتعدّاها شرقاً وغرباً في مرمى صواريخها المدمّرة . حزب الله بات يمتلك معامل تصنيع للصواريخ ، ولديه من الصواريخ الدقيقة ما يمكّنه من تدمير منطقة "غوش دان" الممتدة بين تل ابيب (يافا) وحيفا حيث يحتشد اكثر من نصف عدد السكان اليهود في الكيان الصهيوني ، وتتركّز فيها المعامل والصناعات الثقيلة والمطارات والموانيء وطرق المواصلات والمرافق الحيوية . فصائل المقاومة في قطاع غزة واليمن اصبح في مقدورها تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة المتعددة الاغراض.
الثانية ، القيام بعمليات ذات طابع عملاني واعلامي بالغ التأثير كإسقاط طائرة التجسس الاميركية المتطورة في مضيق هرمز ، واعطاب ناقلتي نفط في ميناء الفجيرة ، وإحتجاز ناقلة نفط بريطانية رداً على إحتجاز ناقلة نفط في جبل طارق تعمل لحساب ايران . واعلان حزب الله عزمه على تدمير منشآت "اسرائيل" النفطية في البحر المتوسط في حال إقدامها على منع لبنان من استثمار مكامن النفط والغاز البحرية في المنطقة عينها.
الثالثة ، الحرص على تمتين الجبهة الداخلية في الأقطار العربية وايران لمنع الخصوم من استغلال واقعها التعددي لإفتعال فتن طائفية وحروب اهلية وذلك بإعتماد سياسة الوحدة الوطنية والتوصل الى صيغ للشراكة والمشاركة في السلطة لكفالة الأمن والإستقرار .
في ضوء هذه الحقائق والمقاربات يبدو السيد حسن نصرالله جدّياً وجاداً في دعوته الى منع اميركا واداتها الصهيونية من شنّ الحرب على اطراف محور المقاومة . وعليه، ومع التحفظ حيال تصرفات حكومتي اميركا و"اسرائيل" العدوانيتين ، يمكن استشراف وضع المنطقة في المستقبل المنظور بأنه مزيد من الشيء نفسـه على محورين :
ثمة مواظبة عدوانية صهيواميركية شديدة في قطاع غزة وسوريا والعراق واليمن وايران ، وبشراسة محسوبة ضد لبنان ، مع ميل الى تقليص العدوان تدريجياً على اليمن ، والى ضبط التحرش بإيران ، والى تنظيم التعاون بين اميركا وتركيا لإضعاف سوريا في محاولة فاضحة ، لكن متعثرة ، لتقسيمها.
ثمة مواظبة محسوبة وجدّية ومتواصلة لبناء القدرات على مختلف المستويات في دول محور المقاومة واطرافها ، والحرص على التصدّي الفاعل بوسائل متعددة عالية المردود لاميركا الامبراطورية واداتها الصهونية في سياق استراتيجية يراد لها ان تتنامى وتتكامل لإجلاء اميركا ونفوذها من منطقة غرب آسيا.
... الصراع حامٍ وطويل.