نشرت بجريدتي "الخليج و"البناء"
تاريخ 10/8/2019
لماذا تريدون تفسير الدستور
طالما لا تنفذون احكامه ؟
د. عصام نعمان
أزمة لبنان المزمنة تزداد احتداماً . فصولها المتعددة والمتراكمة ازدادت فصلاً. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجّه رسالة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري طالباً دعوة المجلس الى تفسير احدى فقرات المادة 95 من الدستور المتعلقة بمراعاة مقتضيات الوفاق الوطني في وظائف الفئة الاولى. الرئيس بري استجاب دعوة الرئيس عون بتعيين جلسة للمجلس للنظر في الموضوع بتاريخ 2019/10/17.
رسالة الرئيس عون اثارت جدلاً حامياً حول حق مجلس النواب بتفسير الدستور والاجراءات الواجب اتباعها في هذا المجال . البعض قال إن تفسير الدستور ، وفقاً لفتوى العلامة الدستوري الراحل ادمون رباط ، تنطوي دائماً على تعديل له الامر الذي يستوجب مراعاة الآلية التي وضعها الدستور نفسه لتعديله في المادة 76 (بإقتراحٍ من رئيس الجمهورية) او في المادة 77 (بناءً على طلب مجلس النواب) وحدّد له نصابَين موصوفين متتاليين : الثلثان في مجلس النواب ومجلس الوزراء ، ثم الثلاثة ارباع (4/3) في مجلس النواب . البعض الآخر شدّد على مرجعية مجلس النواب المطلقة في مسألة تفسير الدستور، وان التفسير المطلوب للمادة 95 لا يستوجب تعديل الدستور بل مجرد بيان رأي المجلس في معنى بعض فقرات المادة المشار اليها ، وهو رأي سياسي توجيهي بإمكان الحكومة اعتماده اوتجاهله .
غير ان فريقاً ثالثاً ادلى برأي لافت : إن تفسير الدستور ، وهو رأس الهرم القانوني في الدولة ، له من الأهمية والخطورة بحيث لا يجوز الإكتفاء باكثرية بسيطة لإقراره من النواب الحاضرين جلسة المجلس الأمر الذي يستوجب ، في رأي هذا الفريق ، ان تكون جميع المسائل المتعلقة بتعديل الدستور وتفسيره من صلاحية محكمة عليا يكون منصوصاً عليها في الدستور نفسه.
لئن كنتُ من قدامى انصار هذا الرأي ومن القائلين بأن يكون من حق المواطنين جميعاً كما النائب العام لدى المحكمة العليا الطعن في دستورية القوانين ، إلاّ انني لا ارى موجباً ولا جدوى في الوقت الحاضر من المطالبة بتفسير المادة 95 من الدستور او غيرها . لماذا ؟
لأن جميع العهود والحكومات منذ إقرار الدستور سنة 1926 وإعلان الإستقلال سنة 1943 ، وتعديل الدستور سنة 1990 لتضمينه الإصلاحات الأساسية في إتفاق الوفاق الوطني (الطائف) امتنعوا او تهاونوا في تطبيق احكام الدستور ، ولاسيما المواد الاساسية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات والتمثيل الشعبي الصحيح .
ثمة امثلة صارخة في هذا المجال :
-
المادة 7 من الدستور تنصّ على ان "كل اللبنانيين سواء لدى القانون". كيف يتساوى اللبنانيون لدى القانون عندما تنصّ قوانين الإنتخاب المتعاقبة ( المخالفة للدستور) على أن من حق الناخبين في احدى الدوائر الإنتخابية (صيدا) انتخاب نائبين ، وفي جبيل ثلاثة ، وفي الشوف ثمانية ، وفي البقاع الشمالي (بعلبك – الهرمل) عشرة ؟!
-
المادة 27 من الدستور تنصّ على ان "عضو مجلس النواب يمثّل الامة جمعاء". كيف يمثّل النائب الامة جمعاء عندما تنصّ قوانين الانتخاب على ان يجري انتخابه في دائرة صغيرة تتضمن قسماً محدوداً من الشعب ؟!
-
المادة 22 من الدستور تنصّ على انه "مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطني لاطائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية (الطوائف) وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية". هذه المادة جرى تعديلها بغية النصّ على مجلسين ، واحد للنواب لاطائفي وآخر للشيوخ طائفي ، منذ سنة 1990 ومع ذلك امتنعت العهود والحكومات المتعاقبة عن تنفيذ نصّ هذا المادة الاساسية التي أُقرت منذ نحو عشرين سنة !
اذا كانت العهود والحكومات المتعاقبة لا تنفذ احكام الدستور ، فلماذا ينبري اليوم بعض المسؤولين والسياسيين للمطالبة بتفسير بعض احكامه ؟
الجواب : يفعلون ذلك لإعتبارات سياسية مصلحية يظنون انها تساعدهم في حمأة الصراع والمناكفة مع خصومهم ، وقد تحمل هؤلاء على الرضوخ لمتطلبات اتفاق جديد للمحصاصة السياسية توّفر لأطرافه مصالح ومغانم جديدة وتتيح لهم تجميد الازمة وتأجيل إنفجارها الى اجل غير محدّد.
المطلوب ، منطقياً وشعبياً ، ليس تفسير الدستور بل تنفيذ احكامه . وهذا لن يتحقق إلاّ بإقرار قانون للإنتخاب ديمقراطي يؤمّن صحة التمثيل وعدالته ، على ان يجري إقراره في استفتاء عام بفعلِ ضغطٍ شعبي عارم يُلزم الشبكة السياسية المتحكمة بالرضوخ الى مطلب الشعب الاساسي المتمثل ليس بإسقاط النظام بقدر ما هو متمثل بتنفيذ أحكام الدستور...