نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 27/8/2019
لماذا يقوم يهود اميركيون بتقويض "صفقة القرن" ؟
د. عصام نعمان
في الاسبوع القادم ، سيقوم المستشار الخاص للبيت الابيض وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير بجولة في دول المنطقة على رأس وفد اميركي رفيع المستوى . مهمة كوشنير درس كيفية تطبيق خطة التنمية الإقتصادية للفلسطينيين التي قدّرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" (22/7/2019) القريبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنحو 50 مليار دولار.
يضمّ الوفد مبعوث الرئيس الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جيسون غرينبلات ، والمسؤول في وزارة الخارجية الاميركية عن السياسة حيال ايران برايان هوك ، ويساند الوفد سفير الولايات المتحدة في "اسرائيل" دايفيد ليبرمان.
مفارقتان طبعتا الوفد الأميركي قبل مباشرة مهمته. الاولى، ان كل اعضائه هم من اليهود ، بمن فيهم السفير ليبرمان الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية الى جانب الجنسية الاميركية . الثانية، ان غرينبلات حرص في الاسبوع الماضي على القول في مقابلة مع صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية التي تصدر في لندن إن خطة السلام الاميركية المعروفة بإسم "صفقة القرن" لا تستخدم في نصّها مصطلح "حل الدولتين" او "مستوطنات" ، وانه يفضّل شخصياً لفظ "أحياء او مدن" " لأن كلمة مستوطنات هي مصطلح تحقير يتمّ استخدامه بشكل متحيّز لوضع اصبع على جانب واحد من الصراع"!
مقاربةُ غرينبلات لمهمة الوفد أثارت استغراباً وحتى إمتعاضاً في بعض أوساط "اسرائيل" السياسية ، لعل ابرزها ما كتبه عنها المحلل السياسي روغل ألفر في صحيفة "هآرتس" (21/7/2019). ألفر حرص على نعت غرينبلات بأنه "المبعوث اليهودي الخاص للرئيس دونالد ترامب ، وهو شخص استفزازي" . لماذا ؟ لأنه قال جازماً في المقابلة التي أجرتها معه القناة العامة في التلفزيون الاميركي إن "اسرائيل" ، في الصراع مع الفلسطينيين ، "ليست مسؤولة عن الوضع الذي نشأ بل هي الضحية"!
"اسرائيل" ضحية ؟
ألفر ، الذي أذهله تصريح غرينبلات بأن الضفة الغربية ليست "محتلة" إنما موضع "خلاف" ، قال "إن عينيه لا تريان السيطرة العنيفة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في الضفة من نهب الاراضي الفلسطينية بالإستيلاء عليها ، ودوس حقوق الإنسان ، والإقصاء والسلب ، والعنصرية المؤسساتية ، ومنظومة الابارتهايد (...) إنه يرى ، لكنه يشعر بحاجة الى ان يستفز الفلسطينيين ويصف أراضيهم بأنها "موضع خلاف".
هذه المغالطات والإستفزازات حملت ألفر على وصف غرينبلات بأنه "Froll" ترامب الى الشرق الاوسط . Froll تعني قزم خرافي يسكن الكهوف او يقيم تحت الارض في الميثولوجيا الإسكندنافية !
ليس غرينبلات اول من اعتبر الضفة الغربية ارضٍاً "غير محتلة". سبقه الى ذلك السفير الاميركي دايفيد ليبرمان الذي كان، قبل تعيينه سفيراً ، مستوطناً كغيره من المستوطنين الى ان اختاره ترامب ، لحيازته الجنسية الاميركية ، سفيراً لواشنطن في "اسرائيل". ولأن الضفة الغربية ليست في رأيه منطقة محتلة، فقد "أجاز" ضمّها الى الكيان الصهيوني .
ثمة اسئلة تُطرح في هذا السياق : لماذا يتفوّه غرينبلات وليبرمان وغيرهما من المسؤولين الاميركيين بهذه الكلمات المستفزّة للفلسطينيين ؟ أليس من شأنها ، في نهاية المطاف ، الإسهام في تقويض "صفقة القرن" ؟ ألا يدل ذلك على ان بعض المسؤولين في ادارة ترامب غير جادين في مسألة تحقيقها ؟
ألفر يبدو موافقاً على عدم جديتهم. يقول في مقالته : "لو كان غرينبلات يرغب حقاً في إعادة الفلسطينيين الى مائدة المفاوضات لكان اكثر حرصاً على الحديث بصورة مختلفة عن القضايا الاكثر مركزية بالنسبة الى هويتهم الوطنية . لكنه ، كشخص استفزازي ، لا يريد سوى إغضابهم".
هكذا تتقوّض "صفقة القرن" على ألسنة أصحابها !