نشرتي بجريدتي "القدس العربي" و "البناء"
تاريخ 22/7/2019
حزب الله وانصار الله
يضعان "اسرائيل" في ضائقة أمنية ؟
د. عصام نعمان
مَن يتابع وسائل الإعلام العبري يخرج بإنطباع يراوح بين السخرية والشماتة مفاده ان الله تعالى لا ينصر بني صهيون . لماذا ؟ لأن حزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن وضعا كيانها المأزوم في ضائقة أمنية واستراتيجية لا فكاك منها ، أقلّه في المستقبل المنظور . كيف ؟
صحيفة "هآرتس" (2019/7/17) قالت إن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكّد في سياق مقابلة متلفزة لمناسبة ذكرى مرور 13 عاماً على حرب 2006 ان "اسرائيل كلها باتت تحت مدى صواريخنا" ، وانه كرر تهديده بأن "حزب الله لا يحتاج الى سلاح نووي بل يكفي ان يطلق صاروخاً واحداً بإتجاه مخزن الامونيا في حيفا كي يتسبّب بسقوط عشرات الآف القتلى والجرحى".
صحيفة "يديعوت احرونوت" (2019/7/18) كشفت ان اعتزام الامارات العربية المتحدة سحب قواتها المشاركة في الحرب على انصار الله (الحوثيين وحلفائهم) في اليمن يشّكل هزيمة للسعودية وتالياً لـِ "اسرائيل" لأنه يُجهض مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تقوده الرياض ويعطل امكانية قيام حلف دفاعي بين "اسرائيل" وبعض دول الخليج.
ليس ادل على الضائقة الامنية بل التحدي الإستراتيجي البالغ الخطورة الذي تكشّفت عنه تهديدات نصرالله الاخيرة من ان قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الاسرائيلي قررت ، بحسب "هآرتس" وبإجازة لنشرها من الرقابة العسكرية ، "تحصين 20 موقعاً في "اسرائيل" من الهجمات الصاروخية تحسباً من إقدام حزب الله على استهدافها بصواريخ دقيقة في اي مواجهة عسكرية بينه وبين "اسرائيل" في المستقبل". وكشفت "هآرتس" ان قائد قيادة الجبهة الداخلية اكد خلال نقاش داخلي جرى في الكنيست ان مليونين ونصف المليون مواطن في "اسرائيل" لا يتمتعون بحماية مناسبة نظراً الى كون اكثر من 700,000 منزل غير محصنين من الهجمات الصاروخية.
هواجس "اسرائيل" ، الى اين من هنا ؟
ليست التحديات المشعّة من حزب الله ، والتداعيات الناجمة عن تقدّم انصار الله في اليمن هي وحدها ما يؤرق بنيامين نتنياهو في هذه الآونة . ثمة تحدٍّ اكبر تمثله ايران بما لها من ثقل عسكري قد يقترن بإمتلاكها سلاحاً نووياً ونفوذاً سياسياً متزايداً من شأنه ان يلف منطقة غرب آسيا برمتها. الى ذلك ، ثمة تحدٍّ آخر شديد الأهمية هو ما يمكن ان يقوم به ، او لا يقوم به ، حليفه دونالد ترامب حيال كل هذه التحديات.
ظاهرُ الحال يؤشّر الى ان نتنياهو قرر مواجهة هذه التحديات بما يؤمّن ، في ظنه ، حماية "اسرائيل" ودعم مصالحه السياسية الشخصية وذلك بالتعاون مع ترامب في ثلاثة ميادين : تصنيف حزب الله تنظيماً ارهابياً ، تطويق ايران بإبعادها ميدانياً عن سوريا ، واعلان "حلف دفاعي" بين الولايات المتحدة و"اسرائيل" كخطوة رمزية تساعده على الفوز في الإنتخابات البرلمانية في شهر ايلول/سبتمبر المقبل، وتساعد ترامب على الفوز بولاية رئاسية ثانية في العام القادم.
ففي مواجهة حزب الله الذي أضحى قوة اقليمية دعا نتنياهو ، خلال لقاء عقده في القدس المحتلة مع نواب كبار في البرلمان الفرنسي ، فرنسا والدول الاوروبية الاخرى الى ان تقوم بما قامت به الارجنتين وهو تصنيف حزب الله تنظيماً ارهابياً بدعوى "انه بات التنظيم الارهابي الرئيس الذي يعمل في منطقة الشرق الاوسط وفي العالم ، وهو يقوم بتوجيه الإرهابيين داخل الاراضي الاوروبية" (صحيفة "يسرائيل هيوم" 2019/7/18).
في مواجهة ايران ، يتبنى نتنياهو كل ما يقوم به حليفه ترامب ضد ايران من حصار وعقوبات اقتصادية ، وضغوط دولية واستخباراتية لتعطيل قدرتها على انتاج صواريخ بالستية بعيدة المدى بات مداها يصل الى "اسرائيل" وحتى الى اوروبا ، وعمليات تخريبية بالتعاون مع جماعات ارهابية تستهدف مواقع ومرافق ايرانية على الحدود مع باكستان وافغانستان . غير ان آخر وأخطر انشطة نتنياهو على هذا الصعيد ، ولا سيما خلال اللقاء الامني الثلاثي الذي عُقد في القدس المحتلة الشهر الماضي بين كلٍّ من مستشاري الامن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف ، والاميركي جون بولتون، والإسرائيلي مئير بن شبات ، قيامه بالتفاهم مع ترامب على مطالبة روسيا بضرورة ان يشمل اي اتفاق مستقبلي بشأن سوريا انسحاباً عسكرياً ايرانياً منها كما من لبنان والعراق (صحيفة "معاريف" 2019/7/18).
في جهوده المحمومة للفوز في الإنتخابات البرلمانية المقبلة ، يتحادث نتنياهو وترامب بشأن اعلان "حلف دفاعي" هو عبارة عن تعهد علني من جانب الولايات المتحدة بتقديم مساعدة محددة الى "اسرائيل" لمواجهة تهديدين اساسيين تتعرض لهما : سلاح نووي وسلاح صاروخي ، كما تنطوي على تبادل وثيق للمعلومات بصورة يومية ، ومناورات مشتركة يقوم بها الجيشان ، ومساعدة اميركية لإعتراض الصواريخ والقذائف ، ودعم لوجستي عاجل في زمن الحرب. ويقول المحلل العسكري رون بن يشاي في موقع "Ynet"(2019/7/13) "إن التأثير الحقيقي لمثل هذا الإعلان سيكون تعزيز فرص اعادة انتخاب نتنياهو وتأكيد مواهبه كسياسي عالمي ، كما تعزيز فرص ترامب في اعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بمساعدة من الإنجيليين مؤيدي "اسرائيل" الذين يشكّلون مكوّناً مهماً في قاعدة الدعم السياسي له ".
غير ان جميع ما يسعى نتنياهو الى الحصول عليه من الولايات المتحدة لا يشكّل قفزة نوعية استراتيجية بالمقارنة مع ما حصلت وتحصل عليه "اسرائيل" من امها الرؤوم . ذلك ان احدث وأفتك ما لدى اميركا من اسلحة برية وجوية وبحرية قد جرى تزويد "اسرائيل" به ، هذا فضلاً عن مخزون اسلحة وعتاد واجهزة تحتفظ به واشنطن في مستودعات خاصة في "اسرائيل" مع ترخيص دائم للقيادة الصهيونية العليا بإستعماله اذا ما اقتضت الضرورة.
لا غلّو في القول ، والحالة هذه ، إن "اسرائيل" عسكرياً هي اميركا الصغرى . ومع ذلك ، يبقى ثمة سؤال : هل حمتها وتحميها هذه الاسلحة والترتيبات والتحالفات من المخاطر والتحديات التي واجهتها والاخرى التي تواجهها في قابل الايام ؟