جريدة "الخليج"
تاريخ 5-4-2013
أبو مازن يعزز مفاوضاته بتوقيع معاهدات ومقاومة شعبية
د عصام نعمان
ابو مازن محمود عباس فاجأ الجميع ، اسرائيليين وامريكيين وفلسطينيين ، بقراره القاضي بالإنضمام الى مؤسسات تابعة للامم المحتحدة بعض المسؤولين الإسرائيليين قال إن عباس "قلب الطاولة" على "اسرائيل" وامريكا بعضهم الآخر تفاجأ وارتبك لكنه لم يعتبر موقفه اعلاناً بوصول المفاوضات مع "اسرائيل" الى طريق مسدود جون كيري تجالد ودعا الطرفين من بروكسل الى ضبط النفس اما المعارضة الفلسطينية ، حركة "حماس" والجبهة الشعبيـة لتحرير فلسطين تحديداً ، فقد رحبت بموقف عباس ، ناهيك بالاوساط الشعبية عموماً التي قابلت موقفه بإرتياح وامل
ابو مازن قال إنه لا يريد قطع المفاوضات اعلن غضبه الشديد فقط على مماطلة "اسرائيل" في تثبيت موافقتها على امور جرى التفاهم بشأنها مع كيري لكنه ابقى باب المفاوضات مفتوحاً مع الامريكيين وغيرهم حتى 29 ابريل/نيسان الجاري الامريكيون تفهموا موقفه ولم يعترضوا حتى كبار الاسرائيليين لم يعترضوا بل اكتفوا بإبداء الإستغراب والخيبة
ماذا يريد ابو مازن ؟
يريد ما قاله في خطبته الاخيرة امام القيادة الفلسطينية : دولة مستقلة على خطوط وقف النار العام 1967 ، عاصمتها القدس الشرقية ، وعودة اللاجئين وفق اتفاق يجري التفاهم عليه هو لم يشترط ان تتم كل هذه الاهداف دفعة واحدة بل بالتفاوض وعلى مراحل لكن "اسرائيل" استغلت المفاوضات الجارية منذ اتفاقات اوسلو للعام 1993 لتنفيذ مشاريع استيطان واسعة وتشديد قبضتها الامنية على الضفة الغربية ، واعتقال آلاف الفلسطينيين
تدخلت الولايات المتحدة ، خلال عهود الرؤساء كلينتون وبوش الاب واوباما، لحمل "اسرائيل" على تجميد الإستيطان لكنها لم تنجح وجاءت عاصفة ما يسمى "الربيع العربي" وما خلّفته من انقسامات واضطرابات وحتى حروب اهلية طاولت اقطاراً عربية عدة ، لتعزز مركز "اسرائيل" السياسي فقد شعر القادة الإسرائيليون بأنهم تحرروا من الضغوط العربية والاقليمية بعد إنشغال العرب بأنفسهم ذلك ادى الى تزايد تصلبهم وبالتالي إمعانهم في توسيع رقعة استيطانهم للضفة الغربية
مع انفتاح ايران على مفاوضة مجموعة 5+1 بشأن برنامجها النووي ، شعرت إدارة اوباما بأنه يمكن استغلال فترة التهدئة الاقليمية المتوافرة من اجل إحداث اختراق في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية الغاية من الإختراق إعطاءُ "اسرائيل" نصراً على صعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يُخرج المقاومة من حمأة الصراع ، بعدما انشغلت سوريا بنفسها في حرب داخلية ولجت عامها الرابع، ويُطمئن الكيان الصهيوني فيخفف ضغوطه على واشنطن لمنعها من التوصل الى"تسوية نووية" مقبولة مع ايران
في هذا السياق ، وبعد جهود مكثفة ، امكن التوصل الى "اطار اتفاق" ، برعاية كيري، على الاسس الآتية":
1 – يوافق الفلسطينيون على تمديد المفاوضات حتى العام 2015 ، ويمتنعون في هذه الفترة عن اي خطوات من طرف واحد في الامم المتحدة
2 – تُفرج "اسرائيل" عن الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل اتفاقات اوسلو وبينهم 14 اسيراً من معتقلي مناطق 1948 ، كما تفرج عن 400 معتقل فلسطيني آخر "غير ملطخة اياديهم بالدماء" ممن تبقّى لهم شهور معدودة في سجونها، على ان تقرر هي وحدها اسماء المنوي الإفراج عنهم ، ومعظمهم نساء واطفال
3 – تجمد :اسرائيل" معظم البناء الإستيطاني ، ما عدا في القدس الشرقية، وتكبح نشر العطاءات الحكومية وتسويق الاراضي للمقاولين
4 – تُفرج الولايات المتحدة عن الجاسوس الصهيوني جوناثان بولارد قبل ليلة عيد الفصح اليهودي منتصفَ الشهر الجاري
ظنَّ كيري انه انجز اتفاقاً جيداً عشية سفره الى بروكسل لحضور اجتماعات مسؤولي الحلف الاطلسي ليفاجأ بأمرين : الاول ، اعلان وزارة الإسكان الإسرائيلية عن طرح عطاءات لبناء 708 وحدات استيطانية في جيلو ، المستوطنة التي كانت "اسرائيل" قد ضمتها الى "القدس الكبرى" الثاني ، اعلان عباس عن قرار الإنضمام الى مؤسسات الامم المتحدة بالتوقيع على 15 من المعاهدات والمواثيق الدولية ما يعني اعتبار فلسطين دولة تحت الإحتلال وبالتالي امكانية ملاحقة قادة اسرائيليين امام المحكمة الجنائية الدولية
ما خطوة عباس المقبلة ؟
ابو مازن لن يقطع المفاوضات لأنه ، كما قال ، لا يريد الدخول في مواجهة مع واشنطن هو يريد تعزيز مركزه التفاوضي بغية تحسين اسس الصفقة المزمع عقدها ، برعاية كيري ، مع نتنياهو ذلك يتحقق بأن يرفع فوق رأس "اسرائيل" وقادتها سيف المعاهدات الدولية المنوي الإنضمام اليها وفي مقدمها اتفاقات جنيف الخمسة واتفاقية المحكمة الجنائية الدولية كما يتعزز مركزه التفاوضي بتسريع محادثات توحيد الإرادة الفلسطينية بغية الاتفاق مع حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اجل مباشرة مقاومة شعبية واسعة ضد الإحتلال الاسرائيلي
نجاح ابو مازن في مبادرته يتوقف على امرين:
الاول ، ما اذا كان سيكتفي بموافقة نتنياهو على تنفيذ "الصفقة" الاخيرة التي انجزها كيري وإزالة ما يكتنفها من افخاخ ولاسيما العطاء المعلن لبناء 708 وحدات استيطانية في جيلو ، ام انه سيطالب "اسرائيل" بمزيد من التنازلات تحت طائلة إنهاء المفاوضات في 29 الشهر الجاري ؟
الثاني ، مدى قدرة نتنياهو على التجاوب معه (ومع كيري) وسط الإنقسامات التي تعصف بحكومته ولاسيما بعد تهديد وزير الاسكان وزملائه من اعضاء حزب "البيت اليهودي" بالإنسحاب من الإئتلاف الحاكم والحكومة معاً اذا استجاب نتنياهو مطالب الفلسطينيين
الى ذلك ، ثمة رأي مفاده ان محمود عباس يريد ، وقد بلغ الثمانين ، ان يختتم عمره بطلاً كياسر عرفات الذي كان رفض في اللحظة الاخيرة تسويةً مجحفة في "كامب دايفيد" العام 1998 كان عرضها الرئيس كلينتون ، فبقي قائداً وطنياً صلباً في عيون ابناء شعبه
اجل ، اذا اختار ابو مازن موقفاً عرفاتياً من صفقة كيري ، فإن قراره سيشكّل نقطة تحوّل في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وسيترك آثاراً خطيرة على قضية فلسطين كما على قضايا المنطقة