نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 17/6/2019
لن يفعلها ترامب... واذا فعلها
فأهل المقاومة مطالَبون بالتعقّل والردّ كالمجانين !
د. عصام نعمان
كل ما نصبه دونالد ترامب من افخاخ وما نفذّه من عمليات استفزازية وتخريبية حتى الان لن يتطور الى حرب ساخنة ضد ايران وحلفائها في محور المقاومة . صحيح ان الرئيس الاميركي احمق ، لكنه ليس غبياً الى درجة لا يعي معها مصالحه السياسية الشخصية والمصالح الاقتصادية لاميركا وحلفائها . هو يفعل ما يفعله في الوقت الحاضر لغرضٍ واضح : إكراه ايران على الجلوس الى طاولة المفاوضات بموجب شروطٍ مذلّة لها ولحلفائها.
ايران لن ترضخ لضغوط ترامب. قاومت ضغوط اسلافه طيلةَ الاربعين سنة الماضية ولم تستسلم ، وهي قادرة على ممارسة المزيد من الصمود في وجه اقسى وأشرس حملة عقوبات اقتصادية وحصار في التاريخ المعاصر.
ترامب ومساعدوه الاميركيون وحلفاؤه الصهاينة والخليجيون لا يريدون التسليم بهذه الحقيقة. راهنوا وما زالوا يراهنون على ان الضغوط السياسية والإقتصادية والتهويل بالحرب على ايران ستفضي ، عاجلاً او آجلاً ، الى احد امرين : إن لم تؤدِ الى استسلامها فستؤدي الى إضعافها وشلّ حركتها وتبديد نفوذها في عالميّ العرب والعجم.
الحرب على ايران وحلفائها مستبعَدَة، اذاً، رغم كل المظاهر والتدابير العدوانية المتصاعدة . لماذا ؟ لثلاثة اسباب رئيسة :
اولها ، لإن ترامب يعتزم خوض الإنتخابات للفوز بولايةً رئاسية ثانية. مَن يكون له هذا الطموح الغالي ، لا يعقل ان يدشن معركة تجديد ولايته بخوض حربٍ ضروس يعرف هو ، كما مستشاروه واركان ادارته ، انها ستجرّ على اميركا تدميراً هائلاً لقواعدها ومصالحها في منطقة غرب آسيا ، من شواطىء بحر عُمان وبحر العرب شرقاً الى شواطيء البحر الابيض المتوسط غرباً . ربما لهذا السبب اعلن ناطق باسم القيادة الاقليمية للجيوش الاميركية في المنطقة ان لا مصلحة للولايات المتحدة بشنِّ حربٍ على ايران .
ثانيها ، لأن "اسرائيل" ، بقيادتها السياسية والعسكرية ، تعلم ان ايران وحلفاءها ــ سوريا وحزب الله في لبنان و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة ــ قادرون على تكبيدها خسائر بشرية ومادية هائلة . اجل ، هي تعلم ان اعداءها المقتدرين يعلمون ان مقتلها يكمن في خاصرتها الضعيفة، ايّ جبهتها الداخلية ، ولاسيما منطقة "غوش دان" الساحلية الممتدة بطولٍ لا يقلّ عن 90 كيلومتراً بين مدينتي يافا وحيفا المحتلتين ، وبعرضٍ يتراوح بين 10 الى 15 كيلومتراً بين البحر وتلال الضفة الغربية ، وان في "غوش دان" يتركّز ما يزيد عن ثلث عمرانها من مدن ومصانع حربية ومعامل لتوليد الكهرباء ومطارات وموانيء ومحطات لسكك الحديد ، وجامعات ومؤسسات علمية ، كما يعيش فيها نحو نصف عدد السكان من اليهود، اي ثلاثة ملايين . وعليه ، فإن اعداء "اسرائيل" قادرون بصواريخهم الدقيقة على تدمير اكثر من ثلثها ، عمراناً وسكاناً وبنى تحتية .
ثالثها ، لأن ايران تمتلك قدرات صناعية وتكنولوجية متقدمة ، وطاقة وازنة على انتاج صواريخ بالستية دقيقة بعيدة المدى (2000 كيلومتر) ما يمكّنها من تدمير قواعد اميركا العسكرية في منطقة الخليج ، كما مرافق انتاج النفط وتصديره في السعودية والامارات والبحرين . مع العلم انه من المشكوك فيه جداً ان يكون في مقدور الولايات المتحدة تعطيل ثروة ايران ومخزونها من علماء وخبراء ومنشآت نووية في باطن الارض الامر الذي يمكّنها من النهوض بسرعة بعد الحرب وإعادة بناء نفسها في جميع المجالات ، وربما العودة الى انتهاج طريق الصناعة النووية العسكرية.
كل هذه الحقائق والإعتبارات من شأنها ان تثني ترامب وفريقه ، ولاسيما الجناح العسكري فيه ، عن اللجؤ الى الحرب الساخنة نظراً لأن قائمة الخسائر الباهظة الناجمة عنها تفوق بأضعاف مضاعفة الارباح المحدودة التي يمكن جنيها في هذا السبيل.
غير أن إحجام ترامب وحلفائه عن اللجؤ الى الحرب الساخنة لا يعني إحجامهم عن متابعة ما هم ضالعون فيه حاليّاً من فعاليات وعمليات تندرج في ما يسمى الحرب الناعمة soft power كالحصار والعقوبات الإقتصادية ، والفتن الطائفية والمذهبية ، والعمليات الإرهابية عبر وكلاء وعملاء محليين ، وكذلك الحرب التجارية التي تُوجع وتُلحق بالخصوم اضراراً اقتصادية واجتماعية بالغة.
بإختصار ، لعبة العضّ على الأصابع بقوة ستستمر وتشتد بين معسكر الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ومعسكر ايران وحلفائها واصدقائها من جهةٍ اخرى ، وهؤلاء بينهم دول كبرى كالصين وروسيا ، ودول عدّة متوسطة القدرة والتأثير في آسيا واوروبا واميركا الجنوبية.
الأرجح ان ترامب وحلفاءه يتهيّبون اللجؤ الى خيار الحرب . لكنهم اذا فعلوا فإن ثمة نصيحة يسديها ، بلا تردد ، مفكرو المقاومة وخبراؤها الإستراتيجيون المتمرسون الى ايران وحلفائها : اذا فعلها ترامب ونتنياهو ووكلاؤهما فعليكم وعلى اهل المقاومة جميعاً ، متعقّلين ومتطرفين، ان تردّوا عليهم بلا هوادة كالمجانين ، بكل عزيمة وإقتدار ، وبكل الأسلحة المتاحة ، ذلك انكم ستنقذون بجهودكم وتضحياتكم مستقبل شعوبكم واوطانكم ، وتأسسون لنظامٍ عالمي جديد خالٍ من الإستبداد والإستغلال وانتهاك حقوق الإنسان .