نشرت بجريدتي "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 20/5/2019
المخرج من ازمة لبنان :
مؤتمر تأسيسي ومجلس للنواب وطني وللشيوخ طائفي
د. عصام نعمان
يعاني لبنان أزمةً مزمنة وخانقة انتقل معها اخيراً ، او كاد، من حال اللادولة الى حال تداعي النظام الطوائفي الفاسد و...الفوضى . يبدو اللبنانيون، بفعل الشبكة السياسية المتحكمة، عاجزين عن حكم انفسهم. ليس ادل على ذلك من انفجار الازمات الإجتماعية والمعيشية واشتباك اهل السلطة في مساجلات ومناحرات حول مشروع قانون الموازنة للعام 2019 . كل ذلك مردّه الى ثلاثة اسباب: اولها، انقسام الشبكة المتحكمة على نفسها وخروج بعض اركانها على احكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) واذعان بعضهم الآخر لتدخلات قوى خارجية . ثانيها ، تشتت القوى الوطنية والتقدمية المفترض ان تشكّل معارضةً فاعلة للنظام الفاسد . ثالثها ، إحتدام الصراع في المنطقة بعد انهيار النظام العربي الاقليمي ، واعتزام الولايات المتحدة و"اسرائيل" تصفية قضية فلسطين من خلال ما يسمى "صفقة القرن".
ليس في وسع اهل النظام سدّ فجوات هيكله المتداعي كما في الماضي. فالشبكة المتحكمة ترهّلت وفقدت مسوّغات شرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على البلاد. ومن أسف ان القوى الوطنية والتقدمية فقدت ايضاً جدّيتها وحيويتها وبدت عاجزة عن إعادة توحيد نفسها في وقتٍ عاد الصراع الى الإحتدام بين المحور الصهيواميركي من جهة ومحور المقاومة العربية المدعوم من ايران وروسيا من جهةٍ اخرى.
في غمرة هذه التحديات ، يحاول بعض اهل السلطة استدراك مفاعيل تداعي النظام الطوائفي الفاسد بطرحٍ مبكر لمسألة قانون الإنتخاب بما هو الوسيلة الافعل لإعادة إنتاج النظام المترهل ومراعاة مصالح وحساسيات وطموحات اركانه النافذين . في السياق ، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلته النيابية مشروع قانونٍ جديد للإنتخاب يتميّز بأمور ثلاثة : اعتماد النسبية ، والدائرة الوطنية الواحدة ، وآلية مغايرة لتوزيع المقاعد النيابية مع مراعاة التنوع الطائفي والمذهبي.
لئن كان مشروع الرئيس بري باكورة المبادرات في هذا السبيل ، فقد سبقه ثم واكبه مشروع آخر معدّل كان طرحه الخبير الإنتخابي البارز عبدو سعد في العام 1977، كما اعقبه تعليق من الكاتب السياسي اميل خوري. سعد ثابر على مراعاة التوزيع الطائفي والمذهبي للمقاعد النيابية . خوري دعا الى تطبيق المادة 22 من الدستور التي تقضي بإستحداث مجلس شيوخ لتمثيل الطوائف بالتزامن مع انتخاب مجلس نواب على اساس وطني لاطائفي.
ليست قوانين الإنتخابات المتعاقبة نتاج الشبكة السياسية المتحكمة وحدها بل هي ايضاً نتاج موازين القوى السياسية السائدة في زمان إقرارها . من هنا تستبين الحاجة الماسة الى الإستجابة لتحديين جوهريين : تغيير البيئة السياسية والإجتماعية الراهنة التي تتيح إعادة انتاج النظام الطوائفي ، واقامة هيئة وطنية بديلة من الشبكة السياسية المتحكمة بغية إنتاج قانون انتخابي ديمقراطي يضمن صحة التمثيل الشعبي وعدالته.
في هذا السبيل ، ارى ان اسس التغيير النهضوية يمكن ان تكون الآتية :
اولاً :عدم التورط مع الشبكة السياسية المتحكمة في ايّ صيغةٍ تسووية يُراد منها إعادة انتاج النظام او تجديد مؤسساته وآلياته ، بل يقتضي دعوة القوى الوطنية الحيّة الى إعمال الفكر وتفعيل الحوار بغية انتاج برنامج وطني سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل لمعالجة حال لبنان المستعصية والإنتقال به ، من خلال جبهة وطنية عريضة ، الى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.
ثانياً : الضغط على اهل القرار في جميع المؤسسات والمستويات للتسليم بأن البلاد تمرّ في ظروفٍ صعبة واستثنائية ، وان الظروف الإستثنائية تستوجبُ بالضرورة تدابير استثنائية للخروج من الازمة المستعصية ، وان ذلك يستوجب في حالتنا الحاضرة اتخاذ القرارات الآتية :
(أ)تأليف حكومة وطنية جامعة لمعالجة القضايا والمشكلات الاكثر إلحاحاً وأهمية، واتخاذ القرارات والتدابير الاستثنائية اللازمة بشأنها .
(ب)في موازاة المبادرة الآنفة الذكر ، يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مجتمعين ومستلهمين مُرتجى المادة 95 من الدستور (إلغاء نظام الطائفية السياسية) الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي مؤلّف من مئة شخصية وطنية ، تكون عضويته على النحو الآتي:
(ج) اربعون عضواً من الكتل البرلمانية التي يضمّ كلٌ منها اربعة اعضاء على الاقل، يمثلون واقعياً وافتراضياً نسبة الـ 49 في المئة من اللبنانيين الذين شاركوا في الإنتخابات الأخيرة بحسب بيان وزارة الداخلية.
(د) خمسون عضواً من الاحزاب والنقابات وتشكيلات المجتمع المدني يمثلون نسبة الـ 51 في المئة من اللبنانيين الذين قاطعوا الإنتخابات النيابية.
الى مجلس النواب ، تسمّي قيادات الأحزاب والهيئات المنوّه بها آنفاً ممثليها بالتوافق فيما بينها ، واذا تعذّر عليها التوافق ترفعُ اقتراحات بأسماء اعضائها الجديرين بتمثيلها كي يقوم الرؤساء الثلاثة بإختيار العدد المطلوب من بينهم .
(هـ) عشرة أعضاء يتوافق الرؤساء الثلاثة على تسميتهم ويراعون في اختيارهم تمثيل المناطق والقطاعات التي تعذّر تمثيلها في الفئتين المار ذكرهما.
(و) تتمّ عملية تكوين الهيئة العامة للمؤتمر الوطني التأسيسي في مهلة شهر واحد من تاريخ انطلاقها ، على ان يدعو الرؤساء الثلاثة فور انتهائها الى عقد المؤتمرالتأسيسي بالأعضاء الذين تمّت تسميتهم شرط ألاّ يقل عددهم عن خمسين من مجموع اعضائه المئة.
(ز) يعقد المؤتمر الوطني التأسيسي جلسات متواصلة لإنجاز مهامه في مهلة لا تتجاوز الشهر الواحد.
ثالثاً : يهدف المجلس الوطني التأسيسي في عمله الى تحقيق المبادىء والاصلاحات التغييرية الآتية:
(أ)الخروج من النظام الطوائفي الفاسد ببناء الدولة المدنية الديمقراطية.
(ب)اعتبار قوانين الإنتخاب المتعاقبة منذ الإستقلال غير دستورية ، وان اعتماد قانون انتخابي يضمن صحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والإجتماعية المطلوبة.
(جـ)اقرار قانون للإنتخاب وفق مقدّمة الدستور واحكامه ، ولاسيما المادتين 22و27 منه ، على الاسس الآتية:
1. اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
.2 يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً ، مئة (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون (30) الباقون وفق التوزيع المذهبي على ان يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
3.يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين :
الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة بلا توزيع مذهبي للمقاعد قوامَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور ، وإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي قوامَ مجلس الشيوخ وفق المادة عينها. الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 – دستور.
رابعاً : يُعرض مشروع قانون الإنتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام ، ويُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ ومجلس النواب القائم منحلاً بموجبه ، وذلك اذا نال موافقة لا اقل من خمسين (50) في المئة من اصوات المشاركين .
خامساً : يتوافق الرؤساء الثلاثة ، بعد استشارة اعضاء المجلس الوطني التأسيسي، على تأليف حكومة وطنية جامعة لإجراء الإنتخابات وفق احكام قانون الإنتخاب الجديد وانتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر ، لسبب او لآخر ، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟
ارى ان القوى الحيّة عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة مدعوة الى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارته ، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي بمبادئه واسسه واجراءاته المنوّه بها آنفاً.
إن البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الإنطلاق الى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء الى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الآوان .