نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 13/5/2019
هل باشر محور المقاومة
هجوماً مضاداً متدرجاً ضد اميركا و"اسرائيل" ؟
د. عصام نعمان
مذّ وطأت قدماه عتبة البيت الابيض ، يشنّ دونالد ترامب هجوماً واسعاً متعدد الاشكال في مختلف مناطق العالم من اجل استعادة ما يسميه "عظمة اميركا". هجوم ترامب العالمي سياسي واقتصادي وتجاري وامني و... ارهابي. إن نظرة سريعة على المشهد العالمي كافية لملاحظة الكثير من هجمات ترامب المتصاعدة.
اولى هجمات ترامب وأقساها إخراج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع ايران وإعادة فرض عقوبات إقتصادية عليها. أخيرتها ، وليس آخرها ، وجبة عقوبات جديدة واسعة فرضها الرئيس الاميركي ضد صناعات التعدين والصلب الإيرانية بعد إعلانه العزم على تصفير تصدير النفط الإيراني وإلغاء "اعفاءات" لإستيراده كان منحها لثماني دول كبرى بينها الصين والهند واليابان . سبقت هذه التدابير العقابية واعقبتها عقوبات اقتصادية فرضها ترامب على روسيا ، ورسوماً جمركية فرضها على صادرات الصين ، وتهديدات اطلقها ضد المصارف والمستثمرين والشركات في دول الإتحاد الاوروبي المتعاملة مع ما يعرف بإسم "آلية الغرض الخاص" ، وهي نظام تدعمه اوروبا لتسهيل التجارة غير الدولارية مع ايران والإلتفاف على العقوبات .
في مقابل العقوبات المفروضة عليها ، اعلنت ايران بقرارٍ من مجلسها الاعلى للامن القومي اعتزامها وقف الحدّ من مخزونها من المياه الثقيلة والاورانيوم المخصّب الذي كانت تعهدت به بموجب الإتفاق النووي الذي فرض قيوداً على انشطتها النووية . وقد أمهل المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني دول الإتحاد الاوروبي التي كانت اعطت طهران ضمانات تسمح لها بالإلتفاف على العقوبات الاميركية ، أمهلها 60 يوماً كي تجعل "تعهداتها عملانية وخصوصاً في مجاليّ النفط والمصارف" وذلك تحت طائلة وقف المحدِّدات المتعلقة بمستوى تخصيب الاورانيوم والإجراءات المتعلقة بتحديث مفاعل الماء الثقيل في مركز آراك ، اذا لم تفِ هذه الدول بتعهداتها قبل انتهاء المهلة المذكورة.
قبل ردّ ايران الصارم على وجبة العقوبات الاميركية الاخيرة ، لوحظ قيام حلفاء طهران في محور المقاومة بسلسلة تحركات وعمليات عسكرية ضد حلفاء الولايات المتحدة في سوريا ولبنان وفلسطين . ما قام به هؤلاء الحلفاء لا يعقل ان يكون قد تمّ من دون تنسيق مسبق مع ايران ، وربما مع روسيا ايضاً. فقد شنّ الجيش العربي السوري ، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي ، هجوماً مركّزاً على مواقع "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وحلفائها من الفصائل الإرهابية ، استعاد خلاله السيطرة على كامل ريف محافظة حماة الذي كان خاضعاً لسيطرة المسلحين الإرهابيين المدعومين من تركيا وحتى من الولايات المتحدة.
في لبنان تحدّى امين عام حزب الله "اسرائيل" ان تدفع بفرقها وألويتها الى جنوب لبنان ، متعهداً "بتدميرها وسحقها امام شاشات التلفزيون العالمية".
في قطاع غزة ، ردّت فصائل المقاومة على تحرشات "اسرائيل" العدوانية وإمتناعها عن تنفيذ تعهداتها بموجب "التفاهمات" التي سبق التوصل اليها بوساطة مصرية وذلك بضربات صاروخية مدمّرة طاولت مدينة بئر السبع في قلب النقب المحتل ومدينتي عسقلان واسدود شمالي القطاع واوشكت ، بحسب الامين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة ، ان تضرب تل ابيب ذاتها. اكثر من ذلك ، نخالة اكدّ ، في سياق مقابلةٍ تلفزيونية مع قناة "الميادين" ، ثلاثة امور لافتة : الاول ، امتلاك فصائل المقاومة في قطاع غزة القدرة محلياً على تصنيع صواريخ بأمداء متعددة ، أحدها صاروخ "بدر 3" ، قادرة على ضرب تل ابيب وسائر مناطق "غوش دان" الساحلية حيث يعيش ويعمل 3 ملايين من اليهود الصهاينة. الامر الثاني ، وجود قناعة لدى القيادة المشتركة لفصائل المقاومة بأن "اسرائيل" تعتزم شن حرب على قطاع غزة ، بتحريض من الولايات المتحدة ، في محاولة يائسة للسيطرة عليه كتدبير تمهيدي لتنفيذ ما يسمى "صفقة القرن". الامر الثالث ، ان فصائل المقاومة متحدة ومصممة على مواجهة العدوان بقدرات عسكرية متقدمة ، وانها قادرة على صدّ الهجمة الصهيونية المرتقبة وإلحاق اضرار بالغة في عمق "اسرائيل".
إذ يرجّح بعض الخبراء العسكريين وجود تنسيق كامل بين اطراف محور المقاومة يتبدّى في المواقف والتدابير السياسية والفنية ناهيك عن العمليات العسكرية التي تجري في ساحات ومواقع متعددة ، يظنّ بعضهم الآخر بأن الامر يتجاوز التنسيق الى وجود خطة لمواجهة الهجوم الصهيواميركي المحتمل هذا الصيف بجبهة عريضة متكاملة تنتظمها تدابير ثلاثة : اولها توحيد الجبهات الثلاث من قطاع غزة في جنوب فلسطين الى الجبهة اللبنانية مقابل شمال فلسطين المحتلة ، وصولاً الى الجبهة السورية مقابل الجولان المحتل شمالي شرق فلسطين المحتلة . ثانيها الردّ بشكل متزامن على الإعتداءات الإسرائيلية من خلال غرفة عمليات مشتركة . ثالثها توسيع دائرة الإشتباك مع "اسرائيل" واميركا اذا ما حاولتا الاعتداء مباشرةً، جواً او بحراً ، على ايران اياً كانت الذريعة المعلنة لتبرير العدوان.
ظاهرُ الحال يشي بأن اميركا و"اسرئيل" تعتمدان اسلوب الهجوم المتدّرج على ايران وحلفائها في محور المقاومة ، وان ايران ولاسيما حلفاءها ، يعتمدون الاسلوب المتدرج نفسه في مواجهتهما.
هل تتضح الحقيقة في الصيف المقبل ؟