نشرت بجريدة"القدس العربي"و"البناء"
نشرت بتاريخ 6/5/2019
نحو الإنتقال في سوراقيا وغزة
من مرحلة الصمود الفاتر الى مرحلة الإشتباك الساخن؟
د. عصام نعمان
دونالد ترامب يتابع هجمته في سوراقيا (سوريا والعراق). هجمته ترجمةٌ ميدانية اقليمية لمفهوم القوة الناعمة Soft Power الذي تعتمده ادارته في مواجهة القوات النظامية وفصائل المقاومة المساندة لها ، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن.
للقوات الاميركية دور في الهجمة المتصاعدة ، لكن الدور الافعل بات لكلٍّ من مرتزقة الشركة الامنية الاميركية "بلاك ووتر" وفصائل "داعش" المهزومة في سوريا والعراق التي يُعاد تأهيلها في قاعدة عين الاسد الاميركية في غرب محافظة الانبار العراقية .
السلطات السورية والعراقية ادركت أبعاد الهجمة الاميركية وأدواتها القتالية . لذا تعاونت فيما بينها اخيراً في التصدّي لها ميدانياً بغية اقتلاعها وتصفية وجودها على جانبيّ الحدود السورية – العراقية ، من البوكمال في الوسط الى محيط معبر "الوليد" شمال شرقيّ الفرات . ماذا عن القوات الاميركية في موقع التنف جنوب شرقيّ سوريا غير البعيد عن الحدود الاردنية – السورية ، ومواقعها في محافظتي الحسكة والرقة السوريتين ؟
بات واضحاً ان ادارة ترامب لجأت الى ما يمكن تسميته "الوحدات العسكرية المخصخصة" ، وهي عبارة عن مرتزقة من اعراق وألوان وتنظيمات إرهابية متعددة يجري استيعابها وإعادة تأهيلها في قاعدة عين الاسد وغيرها لمصلحة شركات امنية خاصة متعاونة مع الإستخبارات الاميركية ، ثم يُصار الى قذفها الى ميادين القتال بغية استنزاف القوات النظامية السورية والعراقية كما فصائل المقاومة المساندة لها مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي ، ولاسيما أفعل فصائله المتمثلة بكتائب حزب الله وعصائب اهل الحق .
الى ذلك ، وبالتزامن مع هجمة ترامب المتصاعدة في سوراقيا ، شَرَع بنيامين نتنياهو في التمهيد ميدانياً لتنفيذ "صفقة القرن" بهجمةٍ محسوبة على قطاع غزة . في هذا السياق ، يرمي نتنياهو الى تحقيق غرضين : الاول ، الضغط على محادثات القاهرة بين وفد فصائل المقاومة والحكومة المصرية لمحاولة إقرار تهدئة جديدة دائمة في القطاع على اساس إنهاء مسيرات العودة الناشطة اسبوعياً ، ووقف إطلاق البلونات والطائرات الورقية الحارقة . الغرض الثاني إسترضاء الأحزاب اليمينية المراد اشراكها في حكومته الجديدة بضرباتٍ موجعة لسكان القطاع . غير ان فصائل المقاومة تحسبت سلفاً لمخططاته الشريرة بإقامة غرفة عمليات مشتركة ومباشرة رد صاروخي متدرج في مدى استهدافه وشدة مفعوله على نحوٍ لامس مدينة بئر السبع جنوبي النقب المحتل ومدينة عسقلان شمالي القطاع ، ما ادى الى إكراه حكومة العدو على تعطيل المدارس في مستوطنات محيط القطاع ، وإكتظاظ الملاجىء بالمستوطنين المذعورين ، مع إطلاق تهديات من حركة الجهاد الإسلامي بتوسيع دائرة القصف الصاروخي ليستهدف مدينة اسدود ومطار بن غورين قرب تل ابيب ومفاعل اسرائيل النووي في ديمونه .
مع ارتفاع تهديدات المقاومة ، اعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوةٍ وتصميم : "أجدد العهد بإسم اخوانكم في المقاومة الإسلامية ان الفرق والألوية الإسرائيلية التي ستفكّر في الدخول الى جنوب لبنان ستدمّر وتحطّم امام شاشات التلفزة العالمية". كما لفت الى ان تنظيم "داعش" عاود ، برعاية اميركية وسعودية ، نشاطه الإرهابي في سوريا ولبنان والعراق ، وان المقاومة تتصدى له بقوةٍ في كل المواقع والساحات.
قبل إعلان مواقف قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية او في موازاتها كان الرئيس بشار الأسد ونائب وزير خارجيته فيصل المقداد قد اكدا تصميم سوريا على استعادة كل شبر من اراضيها المحتلة ، وعلى قرارها في التصدي لمخططات تركيا واميركا العدوانية على هذا الصعيد.
اذ تتبدّى بوضوح مخططات كما عمليات التحالف الصهيواميركي على الارض ، تنهض اسئلة ضاغطة : ألا تستحق هجمة ترامب المتصاعدة تنسيقاً وتعاوناً ميدانيين ، بل جبهة متكاملة ، بين دول وتنظيمات محور المقاومة المستهدَف ؟ ألا يقتضي ان يتوافق جميع الاطراف العرب المستهدفين على سياسة وخطة متكاملتين لمواجهة الدول والتنظيمات المتربصة بكلٍّ من سوريا والعراق وتنظيمات المقاومة في فلسطين ولبنان؟ ألا يقتضي ان تنسّق قوى المقاومة جهودها مع ايران من اجل تفعيل المواجهة ضد التحالف الصهيواميركي على مستوى الاقليم برمته ؟ ألا يتوجب مقاربة روسيا بموقف سياسي متكامل من كل اطراف محور المقاومة لحملها على اتخاذ موقف اكثر فعالية من تركيا التي تمارس سياسة متواطئة مع اميركا حيال الكرد في سوريا بل حيال سوريا ذاتها بإصرارها على إقامة "منطقة آمنة" على طول حدودها معها ؟
هذه الأسئلة الضاغطة تستوجب عقد اجتماع على مستوى عالٍ بين قادة اطراف محور المقاومة للتوافق على خطة استراتيجية متكاملة ، سياسية وميدانية ، لمواجهة القوى الخارجية المعادية وادواتها المحلية الضالعة في أنشطة عدائية متعددة الأشكال على الارض وفي المحافل الدولية بقصد إضعاف وتفكيك الدول والتنظيمات المقاتلة ضد التحالف الصهيواميركي بكل الوسائل والطرق المتاحة.
اجل ، يجب الإنتقال من مرحلة الصمود الفاتر الى مرحلة الاشتباك الساخن الذي من شأنه إكراه أعداء الامة على التراجع في جميع الساحات والجبهات.