نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 29/4/2019
هل يستهدف ترامب بعدوانه
منشآت ايران النفطية ام صناعتها الصاروخية ؟
د. عصام نعمان
في 2 ايار/مايو المقبل تنتهي مهلة "سمح" خلالها دونالد ترامب لثماني دول بإستيراد النفط من ايران . بعدها سيعرف الرئيس الاميركي ما اذا إلتزمت هذه الدول "انذاره" بوقف استيراد النفط الإيراني ام انها ما زالت ممعنة في ذلك. من المفترض ان يكون ترامب تحسّب لإحتمال راجح بأن يتجاهل بعض هذه الدول انذاره ، فكيف تراه يتصرف ؟
الامر يتوقف على حجم الدولة "المتمردة" ووزنها السياسي والاقتصادي . ذلك ان بعضها حليف او شريك ويمكن حمله على الإمتثال ، كاليابان والهند وكوريا الجنوبية ، وقد امتثلت فعلاً. بعضها الآخر ندّ قوي ، كالصين، او حليف متأرجح ، كتركيا، قد يجد ترامب صعوبة كبيرة ، وربما استحالة ، في تأديبه او يواجه حرجاً في الضغط عليه. كل هذه الإعتبارات سيضعها ترامب في الحسبان عند الردّ على " المتمردين".
غير ان اعتبارات اخرى يقتضي ان يضعها المتضررون كما الحلفاء في حسبانهم عند مواجهة ردود فعل ترامب المحتملة. في مقدَّم المتضررين ايران وسوريا والفلسطينيون وفصائل المقاومة ، وفي طليعتها حزب الله . في المقابل ، "اسرائيل" التي يعتبرها ترامب اقوى وأخلص حلفائه في حملته المتصاعدة على ايران ، لن تتهاون في تعزيز ضغطها عليه وعلى مساعديه من محترفي العداء للدول العربية والإسلامية لدواعٍ ودوافع ايديولوجية لحمله على تنفيذ تهديداته ضد ايران وسوريا وفصائل المقاومة العربية . ماذا يمكن ان يفعل ترامب ؟
جملة تدابير متدرّجة في الأهمية والعنف :
-
إعتماد القوة الناعمة Soft Power والدعم الإستخباري والمالي والعسكري (السلاح والعتاد) لفصائل اسلاموية سلفية ، واخرى اثنية (بالوتش وكرد) مناهضة لحكومة ايران المركزية ، واستغلال تردي الوضع الإقتصادي نتيجةَ الحصار والعقوبات الإقتصادية لتحريض فقراء البلاد ومحدودي الدخل فيها على السلطة بغية ضعضعة نظام الجمهورية الإسلامية وإضعافه.
-
إستئخار ايّ تدبير سلبي ضد الصين الى ما بعد زيارة رئيسها المقبلة لواشنطن.
-
مضاعفة الضغوط على حلفاء ايران وروسيا في المنطقة ، ولاسيما سوريا ، من خلال القوات الاميركية في شرقها الجنوبي (التنف) وشرقها الشمالي (شرق الفرات) وكذلك على حزب الله من خلال التضييق على موارده ووسائل تمويله . كل ذلك بقصد حمل سوريا على تقديم تنازلات سياسية لمصلحة المعارضة الموالية لاميركا والسعودية ، ولمصلحة الكرد المعادين للحكم المركزي في دمشق ولتركيا في آن واحد.
-
تشديد الحصار والمقاطعة على الدول المثابرة في استيراد النفط الإيراني من خلال تحكّم اميركا بالقطاع المصرفي بما هو العمود الفقري للتعامل بالدولار الاميركي في تسديد اثمان النفط.
-
إعتراض ناقلات النفط الإيرانية والاخرى التي تخصّ دول ضعيفة او متوسطة القوة لمنعها من الوصول بحمولتها الى مرافيء الدول المستوردة .
-
تشديد الحصار على ايران بإعتراض بواخر تنقل اليها مواد ذات طابع استراتيجي في اعالي البحار لمنعها من الوصول الى المرافيء الإيرانية.
-
تصعيد متدرج لعمليات "اسرائيل" الحربية ضد مواقع مفترضة لإيران في سوريا واخرى لحزب الله في لبنان ولفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
-
إستفزاز ايران بإعتراض بعض سفنها الحربية في اعالي البحار او الإعتداء على بعض قواعدها العسكرية على سواحلها الخليجية . كل ذلك لإستدراجها الى استهداف بعض سفن الاسطول الاميركي في الخليج بغية اتخاذه ذريعة لقصف بعض منشآتها النفطية وبالتالي تقليص دخلها الرئيس من عائدات النفط ، او للتمادي في العدوان بتدمير منشآتها الصاروخية لتعطيل قدرتها على تصنيع صواريخ باليستية بعيدة المدى بدعوى تفادي تهديدها للامن القومي الاميركي والاسرائيلي .
-
من المفترض ان يزن ترامب تدابيره العدوانية آنفة الذكر في ضوء تقدير ادارته وقادته العسكريين لردود الفعل المحتملة من الدول الكبرى والمتوسطة ذات الندّية والقدرات التنافسية الوازنة كما انعكاسات هذه التدابير على حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية ومدى استفادة منافسيه الديمقراطيين من مردودها السلبي.
في ضوء ما تقدّم بيانه من احتمالات ، ماذا تراها تكون ردود فعل القوى المستهدَفَة بتدابير ترامب الإقتصادية وعملياته العسكرية المحتملة ؟
ايران ، ابرزالمستهدَفين واقواهم، يمكن ان تردّ على النحو الآتي :
-
الحرص على كيان وسلامة كلٍّ من حلفائها الاساسيين : سوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، ودعمها تالياً على جميع المستويات والمشاركة الوازنة في التصدي للأعداء المشتركين .
-
متابعة إقامة قواعد صاروخية في جنوب سوريا لمشاركة قواتها في المواجهة اذا ما قررت "اسرائيل" الضرب في العمق السوري.
-
تنسيق عمليات إنتاج النفط الإيراني وتصديره عبر ترتيبات مع روسيا (في بحر قزوين) ومع الصين (بواسطة ناقلات صينية او اخرى محروسة من قبلها) ومع دول اخرى رافضة للعقوبات والاملاءات الاميركية .
-
تطوير مختلف انواع اسلحة البر والبحر والجو ، ولاسيما الصواريخ الباليستية بعيدة المدى ، وتعظيم انتاجها لإنجاح عمليات التصدي للعدوان الصهيواميركي ودحره.
-
تنظيم مناورات بحرية متواصلة لإعتراض ناقلات النفط السعودي في الخليج ومنعها من الوصول الى الدول المستوردة في حال قام الاسطول الاميركي بإعتراض ناقلات النفط الإيراني في اعالي البحار.
-
التصدي بلا هوادة للعمليات الإستفزازية الصهيواميركية في البر والبحر والجو مع محاذرة الإنزلاق الى حرب واسعة.
-
الإستعداد لمباشرة ردٍّ واسع وصارم ، بالتعاون مع حلفائها ، اذا ما أقدمت اميركا او "اسرائيل" او كلاهما على محاولة تدمير منشآت ايران النفطية او صناعتها الصاروخية وذلك بإستهداف قواعد اميركا العسكرية في غرب آسيا ، كما إستهداف "اسرائيل" في عمقها ، بما يشمل مطاراتها وصناعاتها ومرافقها الحيوية .
بإختصار ، الإحتمال الراجح ان كِلا الطرفين الاميركي والإيراني وحلفاءهما سيحاذرون الانزلاق الى حرب خشنة ، وان اميركا ستمارس المزيد من الشيء نفسه في نطاق ما يُسمى القوة الناعمة ، وان ايران وحلفاءها اعتادوا ونجحوا في مواجهة هذا الطراز من الحرب ، وان اميركا و"اسرائيل" الى اندحار اكيد في نهاية المطاف.