نشرت بجريدتي "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 22/4/2019
الحصار يشتدّ على اطراف محور المقاومة...
ما الردّ ؟
د. عصام نعمان
لكل رئيس اميركي حربه الخاصة . جورج بوش الابن شنّ حرباً ضارية على افغانستان واخرى اشد هولاً على العراق. باراك اوباما شنّ حرباً ديبلوماسية طويلة أنجز خلالها الإتفاق النووي مع ايران ، وإتفاق باريس حول المناخ ، والتطبيع مع كوبا . دونالد ترامب يشنّ ، بلا هوادة، حرباً اقتصادية على العالم ، تستهدف دولاً كبرى منافِسة كالصين وروسيا والاتحاد الاوروبي ، واخرى متوسطة وصغرى كايران وسوريا والمكسيك وفنزويلا وكوبا ونيكارغوا ، وقبلها كوريا الشمالية التي كان اسلافه قد فرضوا عليها عقوبات اقتصادية لإكراهها على وقف تصنيع الأسلحة النووية.
الحصار والعقوبات الإقتصادية ابرزُ اسلحة ترامب في حربه المتصاعدة ، وهي اسلحة مؤذية ومرهقة لأن استعمالها يتمّ عبر النظام المصرفي العالمي حيث للدولار الاميركي دور كبير ومهيمن ، كما عبر شركات التأمين الكبرى ، وامتثال معظم الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الى املاءاتها .
ايران استطاعت تجاوز مفاعيل العقوبات المفروضة عليها منذ العام 1979 . لولا نجاحها في ذلك لما اضطر اوباما الى التراجع عنها وتوقيع الإتفاق النووي معها . ترامب ادرك هذه الحصيلة ، فقام بإخراج الولايات المتحدة من الإتفاق المذكور وعاود فرض عقوبات جائرة ومتصاعدة في قسوتها عليها .
سوريا نالت هي الأخرى "نصيبها" من العقوبات الإقتصاديــة كُرمى لـِ "اسرائيل" من جهة وكُرهاً بإيران من جهة اخرى. هذه العقوبات فعلت فعلها ، على ما يبدو ، في الاقتصاد السوري ، ولاسيما في سوق الوقود ، بدليل طوابير الافراد والسيارات التي تحتشد لساعات قرب محطات البنزين والمازوت والغاز .
ما العمل ؟
قيل إن دمشق طالبت موسكو اواخرَ العام الماضي بتسيير قوافل من ناقلات نفطها الى الموانيء السورية لمواجهة الضائقة . موسكو استمهلت لدرس الموضوع ... وما زالت تدرس.
طهران سارعت الى محاولة سدّ النقص بتوجيه ناقلات نفطها، عبر قناة السويس ، شطرَ الموانيء السورية . لكن السلطات المصرية رفضت الترخيص لها بالعبور.
ثمة من يعتقد في دمشق وطهران ان تشديد الحصار الإقتصادي على سوريا مؤشر الى تفاهم ضمني بين واشنطن وموسكو على ليّ ذراع دمشق لحملها على تليين مواقفها الصلّبة بشأن تطوير نظامها السياسي خلال محادثات استانه المرتقبة اواخرَ الشهر الجاري.
بعض اصدقاء دمشق في بيروت كشفوا ما وصل الى مسامعهم من معلومات وتسريبات . قالوا إن موسكو طلبت من دمشق الموافقة على إخلاء "الوجود الايراني" من البلاد ، وكذلك وجود حزب الله . دمشق رفضت ، طبعاً ، بدليل مسارعة الرئيس بشار الاسد الى زيارة طهران وعقد محادثات ذات طابع استراتيجي مع قادتها السياسيين والعسكريين، وان زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الاخيرة الى دمشق كانت لإستكمال تلك المحادثات.
ما من أمر لافت تكشّفت عنه محادثات طهران ودمشق الإستراتيجية سوى ما صدر عن قائد القوات البرية الإيرانية من تصريحات هجومية ضد الولايات المتحدة و"اسرائيل". غير ان ظاهر الحال ، كما المواقف الإيرانية والسورية المتشددة من سياسة اميركا المتواطئة مع الكيان الصهيوني ، ماضياً وحاضراً ، توحي كلها بأن اطراف محور المقاومة لن تكتفي بموقف الرفض للضغوط الاميركية (والروسية ؟) الاقتصادية والسياسية بل ستبادر الى إجراء ما هو اشد واقسى . في هذا المنظور يستطيع المراقب المتابع ان يستشرف ويستنتج الآتي :
لاشك في ان للقيادة العليا المشتركة لأطراف محور المقاومة اولويات للمدى القصير واخرى للمدى الطويل في شتى ميادين المواجهة مع الولايات المتحدة و"اسرائيل". لعل اولى الاولويات تأمين استمرار ايران في انتاج نفطها وتصديره. ذلك لأن واشنطن أعلنت اعتزامها فرض وجبة جديدة قاسية من العقوبات في مطلع شهر ايار / مايو المقبل يكون من شأنها منع ايران من تصدير نفطها ، وهو مصدر دخلها الرئيس ، وذلك بقصد ضرب قدراتها وإحباط دعمها لحلفائها . طهران تحسّبت لهذا التحدي الخطير بمواقف خمسة :
* التفاهم مع روسيا على نقل نفطها عبر بحر قزوين الى شتى انحاء العالم .
* التفاهم مع الصين ، وهي اكبر مستوردي النفط الايراني ، على نقله بواسطة ناقلات صينية من موانيء التصدير الإيرانية على شاطىء الخليج الشرقي.
* التفاهم مع مستوردي النفط الايراني على تقاضي ثمنه بعملة غير الدولار الاميركي اومقايضته بسلع وبضائع شتى.
* تأمين حاجات سوريا من الوقود بتسيير اسطول من صهاريج النفط والغاز من ايران اليها عبر العراق ، والضغط على مصر لإعادة النظر بقرار منع مرور الناقلات الايرانية المتجهة الى سوريا عبر قناة السويس كونه منافياً للقانون الدولي ولأحكام المعاهدة التي تنظّم الملاحة عبر القناة المذكورة.
* الضغط على روسيا لإستجابة طلب سوريا تسيير ناقلات نفط من موانئها على البحر الاسود الى الموانيء السورية على البحر المتوسط بغية تأمين حاجاتها النفطية والغازية.
ثانية الاولويات مواجهةُ التهديد الصهيواميركي لأمن ايران وسوريا القومي وللحصانة الامنية لحزب الله كونه القوة الرادعة لـِ "اسرائيل" والمشارك في حماية كلٍّ من لبنان وسوريا على حدودهما الجنوبية مع فلسطين المحتلة. ذلك كله يستوجب توسيع دائرة الإشتباك مع العدو الصهيواميركي بمشاغلة القوات الاميركية في منطقة التنف على الحدود السورية-العراقية ، وفي محافظتيّ الرقة والحسكة ، وربما القوات الاسرائيلية في الجولان المحتل .
ثالثة الاولويات مواجهةُ ردود فعل اميركا و"اسرائيل" المحتملة على قيام اطراف محور المقاومة بتوسيع دائرة الإشتباك معهما وذلك بإعتماد تحركات امنية محسوبة ، بعضها منظور وبعضها مستور ، لإفهام العدو الصهيواميركي بأن اي استهداف مباشر لإيران او لسوريا سيؤدي الى ردٍّ صاعق وشامل من اطراف محور المقاومة ضد قواعد اميركا العسكرية في غرب آسيا وللكيان الصهيوني بشكل مباشر وبالغ الشدّة .
رابعة الاولويات تعاونُ روسيا وايران في مقاربة سياسية ضاغطة على تركيا لتجاوز حال الخصام الى حال الوئام مع سوريا كونهما يواجهان تحدياً ومخططاً صهيواميركياً يرمي الى إضعافهما وصولاً الى تفكيكهما عبر تمويل وتسليح جماعات اثنية متمردة على الحكم المركزي في دمشق وانقرة ، ناهيك عن وجود دول وشركات اميركية واوروبية طامعة بمشاركة وحصة وازنتين في ثروات العراق النفطية ، كما في فرص إستثمار مكامن النفط والغاز البرية والبحرية في سوريا.
خامسة الاولويات قيامُ الصين وروسيا وايران و"مجموعة شنغهاي" بتنفيذ مشروع اعتماد عملة ثقيلة بديلة من الدولار الاميركي لإغراض التجارة الدولية ، وإقامة مصرف عالمي للتمويل الإنمائي .
اخيراً وليس آخراً : لا داعي للخوف من ترامب وتهويلاته ، لكن حذار الإستهانة به...