نشرت بجريدة "البناء" "والليج"
تاريخ 23/3/2019
"طعنة القرن" من القدس الى الجولان...فلبنان؟
د. عصام نعمان
لا ، ليست "صفقة القرن" ما يريدها دونالد ترامب، بل هي طعنة القرن المدوّية . بها استهدف الطاعن المهووس روحَ الامة وجسدها في القدس الشريف بنقل سفارتها اليها وتكريسها "عاصمة ابدية" للكيان الصهيوني . ثم استهدف بطعنته سوريا، قلبَ العروبة النابض بلغة جمال عبد الناصر، بإعلانه الإعتراف بسيادة "اسرائيل" على الجولان المحتل بدعوى دعمها لمواجهة ايران . وها هو وزير خارجيته مايك بومبيو يزور لبنان ليهدد المسؤولين والمواطنين بالكفّ عن مراعاة حزب الله وإلاّ فإن العقوبات وكوابح الحصار المفروض على ايران ستنعكس عليه، موحياً بأن ذلك يعجّل في إنهياره المالي والإقتصادي ، ويسهّل على الكيان الصهيوني قضم المزيد من أرضه في جنوبه ومنطقته البحرية الاقتصادية الخالصة حيث مكامن النفط والغاز.
طعناتُ ترامب باسم الولايات المتحدة ( والاصحّ "الويلات " المتحدة ) لن تقتصر آثارها الكارثية المحتملة على القدس والجولان ولبنان بل قد تشمل ما هو اخطر: ماذا لو لاحظ ساكن البيت الابيض المسكون بأوهام وأساطير توراتية ، عشيةَ محاولة تجديد رئاسته لولاية ثانية في مدى سنتين او اقل، ان نجاحه يتطلّب نيله جميع اصوات اليهود الاميركيين في الإنتخابات ، فهل تراه يتوّرع عن اعلان الاعتراف بسيادة "اسرائيل" على ما تبقّى من الضفة الغربية المحتلة.
لا حدود لمطامع "اسرائيل" في الاراضي العربية من الفرات الى النيل ، ولا حدود لدعم الولايات المتحدة للمطامع الصهيونية الفاجرة . فما العمل ؟
آن اوان استيقاظ العرب من سبات طال زمانه . آن اوان وعي واقع علاقات القوى الإقليمية وارتباطاتها ، وعلاقات القوى الكبرى وموازينها، وانعكاس ذلك كله على بلاد العرب ، مشرقاً ومغرباً . واذا كان يصعب على معظم الحاكمين في بلادنا ادراك خطورة التحديات الماثلة ومفاعيلها المدمرة ، فلا اقل من ان تدرك ذلك القوى الحية ، النهضوية والمقاوِمة ، فتبادر الى تحمّل مسؤولياتها القومية والقطرية بلا إبطاء .في هذا المنظور ، تتبدّى الحقائق والوقائع الآتية :
أولاً ، ستتواصل الصراعات وتتأجج في فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان والعراق واليمن بفعل تمادي ادارة ترامب ومن ورائها "اسرائيل" ، في حربيها الناعمة والخشنة على كل القوى والاطراف التي تعتبرها حليفة لإيران او مساندة لها في مواجهة الهجوم الصهيواميركي عليها .
ثانياً ، يهدف الهجوم الصهيواميركي المتواصل والمتعدد الجبهات والاغراض على ايران وحلفائها العرب الى ان يحقق في السياق : (أ) توطيد إستيلاء الصهاينة على كامل فلسطين التاريخية ، و(ب) إستيلاء الكيان الصهيوني على موارد لبنان المائية والكثير من مكامن النفط والغاز في منطقته البحرية الإقتصادية الخاصة ، وكذلك محاولة القضاء على المقاومة التي يقودها حزب الله ، و(جـ) تقسيم سوريا الى كيانات ذات اسس طائفية واثنية وقَبَلية ، بدءاً من محافظتي الحسكة والرقة في الشمال الشرقي وصولاً الى محافظة ادلب في الشمال الغربي ومحافظة السويداء في الجنوب الشرقي بعدما جرى قضم الجولان عقب حرب 1967، و(د) وضع اليد وبالتالي استثمار مكامن النفط والغاز في شمال سوريا وشرقها وباديتها ، كما في اقليمها البحري.
ثالثاً ، تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات : واحد للكرد في الشمال ، وآخر لأهل السنّة في الوسط ، وثالث للشيعة في الجنوب وذلك بالتواطؤ مع تركيا المتخوّفة من قيام كيان كردي انفصالي في جنوبها الشرقي ، متواصل مع كيانٍ مشابه في شمال كلٍّ من العراق وسوريا ، ما يستدعي اطفاء مخاوفها بإشراكها في استثمار الثروات النفطية والغازية لِكلا الدولتين.
رابعاً ، تدعم اميركا الأطراف اليمنية المتحالفة مع السعودية للسيطرة على اليمن ، ومن ثم المباشرة في فصل شماله عن جنوبه في إطار ترتيبات تكفل السيطرة على عدن ومضيق باب المندب لتأمين منفذ بحري ، عسكري وتجاري ، لـِ"اسرائيل" الى جنوب شرق آسيا ، ولدول اوروبا لتأمين خطوط تجارتها مع بلدان آسيا جميعاً.
خامساً ، تطبيع العلاقات بين الدول العربية عامة ودول الخليج خاصة مع "اسرائيل" من اجل إقامة حلف عربي-اسرائيلي لتطويق ايران عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ، وللمشاركة تالياً في مخطط اسقاط نظام الجهورية الإسلامية.
في ضوء الحقائق والوقائع والتطورات سالفة الذكر ، تستبين الحاجة الى اتحاد الاطراف الاقليمية المتضررة من الهجوم الصهيواميركي المتواصل وضرورة اتفاقها على خطة استراتيجية متكاملة لإحتوائه ومن ثم لدحره على الاسس والتدابير الآتية:
(أ) تأمين التعاون والتنسيق فيما بينها وصولاً الى التحالف لمواجهة الهجوم الصهيواميركي ومفاعيله السياسية والإقتصادية والميدانية.
(ب)مواجهة التحالف الصهيواميركي على جبهتين : عسكرية واقتصادية . المواجهة العسكرية تكون بالتعاون الوثيق مع ايران روسيا على اصعدة التسليح ، والتدريب، والإستخبارات ، والتكنولوجيا السبيرانية والإستطلاع . المواجهة الإقتصادية تكون بالتعاون مع روسيا والصين لإحباط الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة على مستوى العالم برمته ، والعمل على تأسيس مصارف ومؤسسات عالمية للتمويل الإنمائي بغية الاستعاضة عن المصارف الاميركية والمؤسسات الأممية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.
(جـ) وضع وتنفيذ مخطط للتكامل السياسي والاقتصادي والعسكري بين سوريا والعراق لمواجهة التحديات الاقليمية وفي مقدمها الكيان الصهيوني ومفاعيل التحالف الصهيواميركي.
(د) تأمين فتح واستخدام ممر بري او اكثر بين العراق وسوريا وصولاً الى لبنان، وممر آخر بين سوريا والاردن ، وتجهيز مقاومة شعبية لمواجهة "اسرائيل" والولايات المتحدة اذا ما حاولتا عرقلة ذلك.
(هـ) اعتبار القوات الاجنبية المتوضّعة دونما ترخيص في العراق وسوريا ولبنان والاردن قوات احتلال وان اجلاءها شرط وضمانة لإستعادة هذه الدول وحدتها وسيادتها على أقاليمها كما على مواردها الطبيعية من مياه ونفط وغاز.
(و) تنظيم حوار عربي- تركي بوساطة كل من ايران وروسيا بغية تسوية الخلافات العالقة والتمهيد لتعاون سياسي وإقتصادي من شأنه المساعدة على إخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي وترسيخ علاقاتها مع جاراتها العربية والإسلامية.
(ز) إحياء جامعة الدول العربية وتعزيزها كمنظومة تعاون سياسي واقتصادي وعسكري في مواجهة الكيان الصهيوني ، وتفعيل منظمة التعاون الإسلامي في وجه الدول والتنظيمات التي تمارس الإرهاب والعنصرية او ترعاهما وتغذي تيار الاسلاموفوبيا المتنامي في اوروبا واميركا.
الكرة باتت في ملعب القوى الوطنية الحية في الدول العربية والإسلامية ، وقد آن اوان قيامها بدق اجراس الإيقاظ من السبات الطويل والتحريض على النهوض والعمل بلا إبطاء وقبل فوات الاوان.