نشرت بجريدة "القدس العربي"و"البناء"
تاريخ 18/3/2019
العنصريون المعاصرون وحوش بيض ودواعش اسلامويون ...
د. عصام نعمان
مجزرة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية إعلان مدوٍّ بعودة العنصريين والعنصرية الى صدارة الأحداث. لكن بطل المجزرة الاوسترالي ترينتون تارانت ليس ابو بكر البغدادي. الوحوش البيض شيء والدواعش الاسلامويون شيء آخر. كلاهما عنصري حتى السديم العظمي ، لكنهما مختلفان في توصيف عدوهما المركزي.
الدواعش عنصريون اسلامويون جدد يعتبرون الآخر غير المسلم ، متديّناً او غير متديّن ، بل كل متديّن مسلم من غير مذهبهم الاصولي المتشدد والمغلق ، عدواً كافراً مستوجباً القتل. التكفير عندهم قرار غير معلّل بالقتل.
الوحوش البيض عنصريون قدامى غير متدينين بالضرورة ، يعتبرون الآخر الملّون ، سواء كان وثنياً او مسيحياً او مسلماً ، عدواً محتملاً مرشحاً للموت . الآخر ذو اللون الاسود او الاسمر او البنيّ، أياًّ كان عرقه او دينه ، عدو مستحق الموت.
الدواعش الاسلامويون ينبتون ، غالباً ، بين عامة الناس الفقراء والاميين. قلّة هم الدواعش الناشطون بين اهل السلطة والمال والعلم .
الوحوش البيض ينبتون في كل البيئات والمستويات والاماكن.
العنصرية الداعشية ثقافة وممارسة. للدواعش لغة ومصطلحات وقيم وتقاليد وشعائر مميزة ، كما لهم مراس وممارسة مميزان ، يغلب عليهما نزوع حتى حدود الشبق الى الظهور والعرض والإستعراض والدعاوة المدوّية.
عنصرية البيض المتوحشين ثقافة وممارسة ، شأن العنصرية الداعشية ، لكنها أسبق وأعرق وأفعل. للوحوش البيض عقيدة ، الإسلاموفوبيا ، ولغة ومصطلحات وتقاليد وشعائر مميزة ، كما لهم مراس وممارسة مميزان، يغلب عليهما نزوع الى إظهار التميّز والتفوّق على العدو الملّون ومحاصرته وإقتلاعه وحتى قتله عند اشتداد التغوّل والتعصّب.
للوحوش البيض وجود في السلطة وبين اهل السلطان أعرق وأفعل من الدواعش الإسلامويين. الوحوش البيض لا يمانعون في مشاركة غيرهم من غير العنصريين السلطة والحكم ، بل لعلهم يفضّلون المشاركة. الدواعش الاسلامويون يكرهون التشارك مع الغير في السلطة بل يحرصون على مصادرتها وممارستها منفردين . النازيون العنصريون الالمان تعاونوا مع غيرهم من غير العنصريين للوصول الى السلطة ، لكن الدواعش الاسلامويين حرصوا على الاستيلاء عليها بقواهم الذاتية ولم يتأخروا في إعلانها – كما في الموصل العراقية بادىء الامر – دولةً اسلامية استعادت ، في ظنهم ، خلافةً اسلامية ذاوية.
في عالمنا المعاصر ، اخفق الدواعش الاسلامويون في بناء سلطة الدولة الاسلامية او الإحتفاظ بها ، بينما العنصريون البيض – وبعضهم شديد التوحش ــ نجحوا في الوصول الى السلطة وممارستها والاحتفاظ بها واستخدامها بفعالية داخل بلدانهم وخارجها . ثمة حكّام بيض عنصريون متعصبون في الولايات المتحدة وايطاليا وهنغاريا و"اسرائيل" والبرازيل. لكن لا وجود في السلطة لدواعش اسلامويين في اي دولة عربية او اسلامية وإن كان بعض الحاكمين في بعض هذه الدول يمارس سياسة تمييز عنصري فاقعة.
الى ذلك ، ثمة خطران يتصاعدان من ممارسات الحاكمين والمتحكّمين العنصريين البيض ولاسيما في الولايات المتحدة و"اسرائيل". الخطر الاول يتمثل في الرئيس دونالد ترامب الذي يمارس سياسية تمييز عنصري فاقعة في الداخل كما في الخارج . فهو يعادي جهاراً نهاراً المهاجرين الملوّنين والمسلمين واللاتينو داخل الولايات المتحدة ، ويمارس سياسة عنصرية عدوانية ضد المكسيك بإصراره على بناء جدار عازل على الحدود معها لمنع هجرة اللاتينو القادمين من بلدان اميركا الجنوبية اللاتينية ، كما يحاول بأساليب شتى قلب نظام الحكم التحرري في فنزويلا المعادي لليمين الفاشي. اما بنيامين نتنياهو، كبير العنصريين الصهاينة وداعية "الدولة اليهودية" العنصرية المعادية لكل ما هو عربي ومسلم ، فيمارس سياسة عنصرية استيطانية إقتلاعية تهدف الى تهجير الفلسطينيين العرب من ديارهم والاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية بشراً وشجراً وحجراً.
الخطر الثاني يتمثّل في احتمال عدم تورّع الحكّام البيض العنصريين ــ امثال نتنياهو ــ عن استخدام اسلحة الدمار الشامل ، بما فيها السلاح النووي ، في الصراعات المحتدمة مع اعدائهم . فالتعصب العنصري الاعمى يمكن ان يدفع صاحبه الى حماقة وجنون قد لا يتورّع معهما عن محاولة الفتك بعدوه بأفتك سلاح وبأي ثمن . الجنون فنون ومثله التعصب الاعمى الذي غالباً ما يقود الى جنون هادىء او جنون صاخب ومتفلّت من اي رابط او ضابط .
ايّ مصير سينتهي اليه كوكبنا الارضي اذا ما انتهى الحكم في الدول المقتدرة الى ايدي وحوش بيض عنصريين مجانين او الى دواعش اسلامويين عنصريين متعصبين عميان ؟