نشرت بجريدة"الخليج"و"البناء"
تاريخ 9/3/2018
سفير "الام الحنون" يصارح الجميع:
"لبنان غير قابل للإصلاح "!
د. عصام نعمان
يَنسب النائب السابق لحاكم مصرف لبنان المركزي غسان العياش الى سفير فرنسا ("الام الحنون" سابقاً بلغة بعض اللبنانيين) بيار دوكان المكلّف متابعة مقررات مؤتمر "سيدر" لإنماء لبنان وإعماره قوله "إن لبنان غير قابل للإصلاح " .
لعل ما قاله دوكان جاء بعد اطلاعه على واقعات الفساد والإهدار المالي التي تتكشف يومياً . من هذه الواقعات المذهلة اثنتان:
-
رئيس لجنة المال والموازنة البرلمانية النائب ابراهيم كنعان أكد ان "هناك /15200/ شخص في ملاك وزارة التربية والتعليم العالي بين متعامل ومستعان به ، وظائفُهم غير واردة في القانون".
-
غسان العياش قال : "تبيّن ان الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي سنة 2018 (...) سجّلت عجزاً تاريخياً يقارب خمسة مليارات دولار، اعقبها عجز بمبلغ 1,3 مليار دولار في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري ، وهذا المؤشر يُظهر حجم النزف وخروج الاموال من لبنان".
في غمرة هذه المخاطر ، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعضاء الهيئة الوطنية لحماية الدستور والقانون للمداولة في اوضاع البلاد . تحدّث بإسم الهيئة امين السر الدكتور عادل يمين فنوّه بدور الرئيس عون في إعادة الهيبة لرئاسة الجمهورية وبقيادته "عملية مكافحة الفساد وإطلاق ايادي القضاء والأجهزة الرقابية وتوفير التغطية الكاملة لها من اجل القيام بعملها بلا خوف او ضغط ".
كانت لي ، كما لغيري ، مداخلة قلتُ فيها للرئيس عون : لرؤساء الدول عامةً طموحات وأهداف متعددة . لكن بعضهم يولي احد اهدافه الأساسية عنايةً وتركيزاً اكثر من غيره ليجعل منه انجازاً تاريخياً يقترن بإسمه. الجنرال شارل ديغول ، صاحب الدور البارز في تحرير فرنسا من الإحتلال الالماني ، رفض مشاركة حزبه في الحكومات المتعاقبة بعد التحرير لإقتناعه بترهل نظام الجمهورية الرابعة وضرورة تغييره. بعد وصول فرنسا الى حضيض الإنهيار العام 1958 ، اجتمع رئيس الجمهورية كوتي ورؤساء الكتل البرلمانية بديغول طالبين منه تسلّم قيادة البلاد بحكومة يؤلفها كما يشاء مع استعداد جميع التكتلات البرلمانية لمنحه الثقة. ديغول رفض العرض مشترطاً ان تُمنح حكومته سلطات اشتراعية لإصدار قوانين من دون الرجوع الى البرلمان وذلك بغية وضع دستور جديد للبلاد يُعرض على استفتاء شعبي حتى اذا نال الاكثرية اصبح دستوراً نافذاً ، وبذلك تنبثق الجمهورية الخامسة.
رضخ الرئيس كوتي وزعماء التكتلات البرلمانية لديغول ، فقام بوضع دستورٍ جديد وإقراره بإستفتاء شعبي ، وهكذا اصبح اسمه مقروناً بإنجاز تاريخي هو قيام الجمهورية الخامسة.
مستلهماً هذا المثال ، دعوتُ الرئيس عون الى التركيز على مطلب مكافحة الفساد وإنجازه مهما تطلّب من جهد وتضحيات لأن نجاحه يعني إدانة وبالتالي إقصاء جمهرة كبيرة فاسدة من اهل النظام الطوائفي ما يفسح في المجال لتنفيذ اصلاحات اخرى وازنة . فمن يقدر على الاكثر يقدر لاحقاً على الاقل.
اكتفيتُ ، لضيق الوقت ، بما قلت مفسحاً في المجال لغيري كي يدلي بدلوه . وها انني ادلي ببقية ما كنتُ انوي قوله للرئيس عون ، آملاً ان يطلّع عليه في هذه العجالة :
انني وإن كنتُ احثّ الرئيس عون على المضي في حملته على الفساد، إلاّ انني ارجّح عدم نجاحه الكامل في هذا السبيل . لماذا ؟
لأن اركان الشبكة السياسية المتحكّمة يدركون مخاطر الحملة على الفساد كونها تعرّض نظام المحاصصة الطوائفي ذاته ومصالح اهله للإنهيار. لذلك سيبادرون الى إبتداع مخرج من الأزمة يكون بمثابة تسوية لحماية النظام وإعادة إنتاجه ولو إقتضى الامر تقديم بعض التنازلات.
إن عدم وجود معارضة وطنية تقدمية موحّدة ، نقيضة للنظام وقادرة على ازاحته ، سيمكّن الشبكة المتحكّمة من اجتراح تسوية للصراعات والإختلالات محورُها معادلة منقّحة للمحاصصة تحمي مصالح اهل النظام كما تسترضي ، جزئياً ، الفقراء وذوي الدخل المحدود وما تبقّى من الطبقة الوسطى .
تسوية كهذه ممكنة وقابلة للاستخدام بعض الوقت ، لكنها لن تشكّل إبراءً لأهل النظام الفاسد من شرور ارتكاباتهم . الإبراء الكامل مستحيل .
ما العمل ؟
لا خيارَ مجدياً امام القوى الوطنية والتقدمية إلاّ تفعيل نهج المعارضة الشعبية بنَفَس طويل بغية تحقيق أهداف ثلاثة :
اولاً ، إنجاز مستوى عالٍ من التضامن والتنسيق كشرط للإرتقاء الى جبهة عريضة تحتضن كتلة شعبية وازنة.
ثانياً ، إسقاط الوهم بإمكانية القضاء على الفساد والفاسدين وبناء الدولة المدنية الديمقراطية بوجود نظام المحاصصة الطوائفي الراهن.
ثالثاً ، إلتزام برنامج مرحلي للنهوض وبناء الدولة بأولويات سياسية وإقتصادية واجتماعية واقعية ومتطورة.
هذه كلمة صريحة للمسؤولين ودعوة صارخة للمواطنين.