نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 23-2-2019
اليهود الصهاينة ضحايا العنصرية واشد ممارسيها !
د. عصام نعمان
يزعم اليهود الصهاينة انهم كانوا دائماً ضحايا التمييز العنصري، ولاسيما في"الهولوكوست" على ايدي الالمان النازيين. حتى لو صدّقناهم ، فإن الواقع وما تنشره الصحف العبرية يكشف حقيقة مغايرة .
في الواقع ، بات معروفاً منذ قيام "اسرائيل" سنة 1948 ان الفلسطينيين العرب اصبحوا "مواطنين" من الدرجة الثانية رغم انهم يشكّلون اكثر من خُمس عدد السكان.
لم تكتفِ السلطة الصهيونية الحاكمة بهذه المعاملة الجائرة بل شفعتها بإقرار قانون اساسي بتكريس "اسرائيل" دولةً يهودية ، لليهود وحدهم فيها حق تقرير المصير ، فأصبح لهم من الحقوق ما يجعلهم مميزين ومتفوقين على ابناء السكان الآخرين من مسلمين ومسيحيين.
الى ذلك ، ينطق الواقع بحقيقة مغايرة اسوأ هي ان اليهود الاثيوبيين كما اليهود "الحريديم" يخضعون الى ممارسات فاقعة من التمييز العنصري.
من المعروف ان المؤسسة الصهيونية تسعى جاهدةً الى استدراج اليهود من شتى انحاء العالم الى "اسرائيل" بدافع الرغبة في زيادة عدد سكانها ، بلغت حدَّ نقل مواطنين من الروس الارثوذكس زعموا انهم يهود لتسهيل خروجهم من معاناة حياة قاسية في عهد الاتحاد السوفياتي السابق. الامر نفسه حدث للفلاشة الايثيوبيين، المشكوك في يهوديتهم، الذين طلبوا نقلهم الى "اسرائيل" لظنهم انه سيعيشون فيها حياة رغيدة.
الواقع الصهيوني كذّب آمال هؤلاء جميعاً . صحيفة "يديعوت احرونوت" (2019/2/1) كشفت ان النيابة العامة العسكرية قدّمت لوائح اتهام ضد 5 جنود من كتيبة "نيساح يهودا" لليهود الحريديم (المتشددين دينياً) تتضمن تهمة الإعتداء بالضرب المبرح على شابين فلسطينيين في اثناء احتجازهما ، وان احد الجنود ازال العصابة من حول عينيّ احد الفلسطينيين ليتسنّى لأحد رفاقه الجنود تصوير الإعتداء عليه بهاتفه المحمول.
قد يظنّ البعض ان ما فعلته النيابة العامة العسكرية هو من قبيل الدفاع عن حقوق الناس . الحقيقة بالعكس تماماً. ذلك ان ثمة تدبيراً حكومياً جرى إقراره منذ سنوات يجيز للجنود الإسرائيليين إطلاق النار على ايّ فلسطيني بمجرد الظن بأنه قد يكون في صدد الإعتداء عليهم. هذا التدبير هو بحد ذاته تشريع للتمييز العنصري اذ يبيح للجندي الإسرائيلي استباحة دم ايّ فلسطيني حتى لو لم يأتِ عملاً معادياً يُستفاد منه نية استخدام العنف ضد الآخر اليهودي.
لا يمكن تبرير أن ما فعله الجنود الأسرائيليون الحريديم كان مجرد تنفيذ لأمر رؤسائهم وانهم بالتالي غير مسؤولين. الحقيقة ان كلا الفريقين مسؤول: الحكام بسبب اجازة استخدام التدبير الجائر ، والجنود الذين بالغوا في ممارسته ما يؤكد تربيتهم الدينية والعسكرية المحرضّة على كراهية الآخر العربي والحثّ على ممارسة التمييز العنصري ضده.
التمييز ضد اليهود الايثيوبيين اشد وادهى . فقد كشفت صحيفة "معاريف"(2019/2/1) ان تظاهرة ضمت الآلاف نُظمت للإحتجاج على العنف الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية ضد المواطنين اليهود من اصل اثيوبي بسبب لون بشرتهم ، ما حمل المتظاهرين على سدّ شارع ايالون ، وهو شريان المرور الأهم في تل ابيب.
الى ذلك ، أمَر وزير الامن الداخلي غلعاد اردان بتمديد اغلاق عدّة مؤسسات فلسطينية في القدس الشرقية بغية "كبح اي محاولة من طرف السلطة الفلسطينية للحصول على موطىء قدم في اراضي دولة اسرائيل".
تصعيد حملة التمييز العنصري ضد العرب وحتى ضد اليهود الملوّنين ايضاً يأتي نتيجةَ صعود احزاب اليمين الصهيوني وانحسار شعبية احزاب "اليسار". وقد ترافق ذلك مع اقتراب إجراء الإنتخابات في 9 ابريل/نيسان المقبل وابتداء الصراعات على تشكيل قوائم ائتلافية جديدة لخوضها لعل ابرزها تلك التي يرأسها اللواء احتياط بني غانتس ، رئيس هيئة الاركان السابق للجيش الإسرائيلي، الذي جرت اثناء ولايته عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة سنة 2014.
غانتس يفاخر بأنه ابن سيدة نجت من الهولوكوست الامر الذي حمل الكاتبة اليهودية المختصة بالشؤون الفلسطينية عمير هاس على دعوته في مقال بصحيفة "هآرتس" (2019/2/4) الى المثول امام المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة دعوى مقامة ضده تتعلّق بجرائم حرب مرتكبة في قطاع غزة خلال عملية "الجرف الصامد".
تقول الكاتبة هاس: "إن لدى اسرائيل هدفاً سياسياً من وراء تحويل غزة الى معسكر إبادة كبير هو فصل سكانها عن سائر شعب فلسطين من اجل ان تتشكل ككيان سياسي منفصل (...) وان غانتس بصفته رئيساً لهيئة الاركان العامة كان شريكاً كاملاً في هذه السياسة الإجرامية".
بإختصار ، اذا كان اليهود الصهاينة ضحايا العنصرية الالمانية النازية، فهم اليوم اشد ممارسي العنصرية ضد الفلسطينيين العرب وضد اليهود الملّونين انفسهم .