نشرت بجريدة "القدس العربي"
تاريخ 7/1/2019
خمس دول تتصارع في سوريا وعليها
أليس المخرج بتعاون ثلاث منها لمواجهة اثنتين ؟
د. عصام نعمان
تتصارع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران و"اسرائيل" في سوريا وعليها . الصراع بين الدول الخمس أغلبه سياسي وأقلّه عسكري . غير انه تطوّر مؤخراً على نحوٍ بات معه الإشتباك العسكري مرجّحاً وملجوماً في آن . هل ثمة مخرج من هذا الصراع المحتدم ؟
للإجابة عن السؤال يقتضي الإحاطة ، بإختصار، بمرامي كلٍّ من الدول المتصارعة .
للولايات المتحدة ، ومعها "اسرائيل" ، مخطط قديم يرمي الى تفكيك محيط فلسطين الجغرافي : سوريا والعراق ولبنان . كلاهما استعان بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية ، ولاسيما "داعش" و"النصرة" ، لتنفيذ هذا المخطط .
تركيا شاركت باكراً في التنفيذ بفتح حدودها لتزويد التنظيمات الإرهابية بالرجال والسلاح والعتاد . دافعها الى ذلك مشاركةُ اميركا و"اسرائيل" في إعادة ترسيم جغرافية المنطقة على نحوٍ يمكّنها من تحقيق غرضين : اولهما ، اقتطاع مساحات من شمال سوريا بدعوى الحؤول دون قيام اكراد سوريين بإقامة كيان بحكم ذاتي سيكون ، في نظر مسؤولين اتراك ، نواةً لدولة كردية انفصالية ؛ ثانيهما ، مشاركة الولايات المتحدة و"اسرائيل" في استغلال موارد سوريا الدفينة من نفط وغاز في شرقها وشمالها الشرقي .
تركيا تخوّفت ، بعد ذلك ، من دعم الولايات المتحدة بالمال والسلاح والتدريب لبعض الاكراد السوريين السائرين في ركابها ومن تداعيات تعاونهم مع حزب العمال الكردستاني التركي الداعي الى اقامة كيان بحكم ذاتي للأكراد الاتراك .
سوريا واجهت المخطط الصهيو-اميركي بدعمٍ عسكري من روسيا وبدعمٍ مالي وتسليح وتموين من ايران ، وبمشاركة قتالية من حزب الله اللبناني .وهي تقوم الآن بإجتذاب مواطنيها الأكراد وإعادتهم الى حضن حكومتها المركزية من جهة وتحاول ، من جهة اخرى ، التوصل الى اتفاق مع تركيا يُراعي مصالح البلدين وأمنهما القومي .
رونالد ترامب ادرك ، بعد ثلاث سنوات من دعم واشنطن للأكراد السوريين السائرين في ركابها ، انه لن يجني من ذلك سوى النزف المالي والبشري وتعكيرالعلاقات مع تركيا ، ولاسيما بعدما تمكّنت سوريا وحلفاؤها من تحرير معظم الاراضي التي كانت تحت سيطرة "داعش" و"النصرة" ، فقرر سحب قواته من سوريا .
"اسرائيل" تخوّفت من سحب القوات الاميركية من شرق سوريا وشمالها الشرقي . اعتبرته هدية لحكم الرئيس بشار الاسد وحليفته ايران . مثلُها فسّرته فرنسا وبريطانيا . بنيامين نتنياهو سارع الى استنفار اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتعبئة اصدقاء "اسرائيل" في الكونغرس لحمل ترامب على وقف الإنسحاب او ، في الاقل ، التريث في تنفيذه . ترامب وافق على إبطاء عملية الإنسحاب بدعوى الحرص على حماية حلفاء اميركا من الاكراد السوريين ، لكنه تمسك بمبدأ الإنسحاب ومطمئناً "اسرائيل" بأن قواته ستبقى في العراق ومنه تقوم بحمايتها كما بالحؤول دون اقامة جسر بري بين ايران ولبنان عبر العراق وسوريا ما يؤدي الى قطع الدعم اللوجستي عن حزب الله .
روسيا تخوّفت هي الاخرى من إنعكاسات الوجود العسكري الاميركي على سوريا والعراق كما على نفوذها فيهما . ردّت على الولايات المتحدة بطريقتين : الاولى ، بتزويد سوريا مزيداً من منظومات الدفاع الجوي. الثانية ، بالضغط مع ايران على تركيا للحوؤل دون انزلاقها الى حربٍ غير مجدية مع الاكراد السوريين ومع سوريا في حين يمكن التوصل معهما ، بالحوار والتفاوض ، الى اتفاق يؤمّن في آن حماية الأمن القومي والمصالح الحيوية للبلدين كما وحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني ، وكذلك استجابة مطالب الاكراد ومنها تدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية وتجنيس الذين ما زالوا محرومين من الجنسية السورية .
ما السبيل الأقصر الى تحقيق ذلك كله ؟
بإتفاق روسيا وايران وتركيا على إخراج الولايات المتحدة و"اسرائيل" ، بالسرعة الممكنة ، من كامل اراضيها المحتل بعضها او المعتدى على المصالح الحيوية في بعضها الآخر ، وبالتفاهم على صيغة سياسية متوازنة لتمكين الاكراد من التمتع بحقوقهم الديمقراطية في سوريا والعراق وايران.
كلٌ من الدول الثلاث متضررة من الولايات المتحدة بشكلٍ او بآخر ولها مصلحة ، تالياً ، في إخراجها من المنطقة ، وخصوصاً من سوريا والعراق .
روسيا متضررة من مخاطر الوجود الاميركي في سوريا على نفوذها وعلى وحدة وسيادة الدولة الوحيدة التي منحتها قاعدةً عسكرية في حوض البحر الابيض المتوسط ، والمؤهلة والقادرة على منحها في المستقبل حق التثمير والاستثمار في صناعة النفط والغاز السورية .
ايران متضررة من عداء الولايات المتحدة لها وعقوباتها الصارمة بحقها ، ومن خروجها التخريبي من الإتفاق النووي معها ، ومن دعمها الاعمى لـ"اسرائيل" الطامعة بقضم المزيد من اراضي وموارد حليفتها سوريا .
تركيا متضررة من مخطط الولايات المتحدة الرامي الى تفكيك سوريا خدمةً لـِ "اسرائيل" من جهة ولتمكين فريق من الاكراد السوريين السائرين في ركابها ، من جهة اخرى ، من اقامة كيان بحكم ذاتي ليكون ، بحسب رأي مسؤولين اتراك ، نواةً لدولة كردية انفصالية في قابل الأيام على حساب سوريا وتركيا والعراق وايران .
الدول الثلاث متضررة من الولايات المتحدة و"اسرائيل" ولها مصلحة مشتركة في وقف اعتداءاتهما المباشرة وغير المباشرة عليها . فهل كثير عليها ، والحالة هذه ، التعاون وحتى التحالف فيما بينها لرد تغوّل الولايات المتحدة على وحدتها وسيادتها ومصالحها الوطنية ؟
ايهما المتضررون ، شعوباً وحكومات ، من اميركا و"اسرائيل" ... إتحدوا !