نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 10/12/2018
ماذا تريد اميركا و"اسرائيل" الآن
من فلسطين وسوريا ولبنان ؟
د. عصام نعمان
اميركا و"اسرائيل" منزعجتان جداً مما جرى ويجري في فلسطين وسوريا ولبنان. لا فارق بين ما يزعج الاولى والثانية . في الواقع ، ما يُزعج "اسرائيل" يصبح بسرعة إزعاجاً لأميركا. فالكيان الصهيوني، بمخاوفه ومصالحه ومطامعه ، هو الذي يحرك الولايات المتحدة ويحدد مسارها وليس العكس، لا سيما في ما يتعلّق بقوى المقاومة العربية وحلفائها.
في فلسطين المحتلة ، حكومة نتنياهو ليست منزعجة فحسب بل قلقة . فقد تلقّت في الآونة الاخيرة عدّة صدمات مدوّية. أُولاها تأكدُها من امتلاك المقاومة اللبنانية (حزب الله) صواريخ دقيقة التصويب كفيلة بتدمير وزارة الحرب في عمق تل ابيب ناهيك عن سائر المرافق الحيوية في ما تسميه "الجبهة الداخلية" . ثانيتها الفشل المريع والمهين لعملية خان يونس الأخيرة وتداعياتها السياسية والإستراتيجية المحبطة. ثالثتها الفشل المدوّي لمشروع القرار الاميركي بشيطنة حركة "حماس" في الجمعية العامة للامم المتحدة ونجاح القرار المضاد القاضي بإدانة الإستيطان الصهيوني في فلسطين .
حتى قبل وقوع الصدمات الثلاث المدوّية ، ادركت الولايات المتحدة و"اسرائيل" ان موازين القوى في غرب آسيا تتطور تدريجاً لغير مصلحتهما . السبب ؟ تعاظم قدرات قوى المقاومة العربية، ولاسيما حزب الله في لبنان وحركتيّ "حماس" والجهاد الإسلامي في قطاع غزة بفضل الدعم الإيراني السياسي والمالي والعسكري. الردُّ الصهيواميركي تمثّل ، بادىء الامر ، بتوظيف تنظيمات الإرهاب التكفيري في الحرب على سوريا وفيها ، ثم تطوَّر الى تصعيدٍ للحرب الناعمة على ايران بما هي، في حسبان واشنطن وتل ابيب، عدوهما الرئيس في الاقليم ، وذلك بإعلان الرئيس الاميركي ترامب انسحاب بلاده من الإتفاق النووي مع ايران وإستئناف العقوبات ضدها.
ازاء عدم تجاوب معظم دول العالم مع سياسة ترامب وعقوباته المسيئة لمصالحها الإقتصادية من جهة ، ومن جهة اخرى لصمود ايران ومعها قوى المقاومة العربية في فلسطين وسوريا ولبنان ، قررت واشنطن، بتحريض سافر من تل ابيب ، تصعيد الحرب الناعمة في جانبها السياسي بإتخاذ سلسلة تدابير عدوانية من شأنها افتعال فتن اثنية وفئوية في سوريا ولبنان وفلسطين تؤدي ، في ظنّهما ، الى تقويض الوحدة الوطنية الداخلية وحمل السلطات المحلية على التضييق على قوى المقاومة وصولاً الى شن حربٍ سافرة عليها اذا اقتضى الامر.
في سوريا ، وسعّت اميركا من انتشار قواتها في شرق البلاد وشمالها الشرقي، ودعمت بالمال والسلاح "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية في سياق مخططٍ يرمي الى اقامة كيانات حكم ذاتي في محافظتي الحسكة والرقة ، ووضع اليد على منابع النفط والغاز فيهما ، ومساومة تركيا للحصول على موافقتها العلنية او الضمنية لإقامة "نقاط مراقبة مسلحة" اميركية على الحدود السورية والعراقية في منطقة ما بين نهري الفرات ودجلة. وها هو الجنرال جوزف بدفورد، رئيس مجلس القيادة المشتركة للجيوش الاميركية ، يعلن "ان وجودنا في سوريا لا يرتبط فقط بهزيمة "داعش"، وان اميركا بحاجة الى تدريب 40 الف مقاتل محلي في سوريا قبل انسحابها منها". غني عن البيان ان الغاية من وراء هذه الترتيبات العدوانية دعم مطامع واشنطن في نفط سوريا ، وتأمين مشاركتها في ترسيم مستقبلها السياسي بتقويض اتفاق استانه واتفاق سوتشي بين روسيا وايران وتركيا والعودة الى مفاوضات جنيف .
الى ذلك ، تسعى واشنطن الى تهيئة الظروف السياسية والميدانية لتسويق ما يسمى "صفقة القرن" في مطالع العام القادم . لهذه الغاية ، تدعم واشنطن مساعي التطبيع بين "اسرائيل" ودول الخليج وصولاً الى قيام تحالف ("ناتو" عربي) مؤلف من هذه الاخيرة والاردن مباشرةً و"اسرائيل" مداورةً. وفي هذه الاثناء ، تمضي "اسرائيل" ، بدعمٍ من اميركا ، في حصارها الوحشي لقطاع غزة.
في لبنان ، يسعى نتنياهو الى تضخيم مسألة العثور على نفق (محتمل) لا يظهر منه إلاّ بضعة امتار في محيط مستوطنة المطلة القريبة من الحدود مع لبنان ، والزعم بأن أنفاقاً اخرى لحزب الله موجودة في أجزاء اخرى من هذه الحدود ، وان "اسرائيل" عازمة على تدميرها جميعاً. اوفير غيندلمان ، المتحدث بإسم رئيس الحكومة الاسرائيلية وبعده وزير الإستخبارات يسرائيل كاتس، هدّدا بنقل الحرب الى الاراضي اللبنانية بغية تدمير جميع الانفاق على طول الحدود ومعها البنى التحتية.
يرمي نتنياهو بذلك الى تحقيق ثلاثة اغراض :
أولها ، توحيد الجمهور الإسرائيلي وشدّه اليه وتطمينه بعد عملية خان يونس الفاشلة وازدياد قلقه عقب اعلان عدّة جنرالات عاملين ومتقاعدين ان "اسرائيل" خسرت "قوة الردع" ضد حزب الله بعدما بات يمتلك عشرات الآف الصواريخ دقيقة التصويب.
ثانيها ، تحريض اميركا على ايران بوصفها الداعم الرئيس لحزب الله و"حماس" بالمال والسلاح بقصد حملها على التشدد معها بكل الوسائل الممكنة ومنها ضرب حزب الله داخل لبنان ، و"حماس" داخل قطاع غزة، والضغط على القوى السياسية المتنافسة في لبنان والإيقاع فيما بينها للحؤول دون تأليف حكومة وفاق وطني من جهة ، ومن جهة اخرى إيقاظ الفتنة الطائفية وتعميق الخلافات السياسية وصولاً الى مشاغلة حزب الله وحلفائه وشلّ حركته.
هل تمتد عملية تدمير الانفاق داخل الجانب المحتل من الحدود الى الجانب اللبناني منها وتتحوّل حرباً واسعة على مواقع تزعم "اسرائيل" انها قائمة تحت مئات المنازل في القرى وتحتضن عشرات القواعد الصاروخية والمعامل والورشات الفنية العسكرية لحزب الله ؟
ثمة من يرجّح في "اسرائيل" ان "روسيا غير الراضية عن العمليات الاسرائيلية في سوريا هي على وشك "إغلاق الأجواء" فوق سوريا ولبنان، وان من هنا تنبع ضرورة العمل ضد تجذّر الوجود الإيراني بأسرع ما يمكن" (راجع مقالة اروي غودلبرغ ، المحاضر في مركز هرتسليا المتعدد المجالات ، في Y net ، 2018/12/5).
في لبنان ، يواجه حزب الله صخب "اسرائيل" العسكري والإعلامي بصمت مدوٍّ يستبطن في آن عدّمَ اكتراثٍ بالتهديدات وتصميماً على ردّ الكيل كيلين بإقتدار.