نشرت بجريدة "البناء"و"الخليج"
تاريخ 8/12/2018
متاعب نتنياهو تنتهي بإستقالته ام بحرب ؟
د. عصام نعمان
يعاني بنيامين نتنياهو متاعب شتى ، قانونية وسياسية وعسكرية . الشرطة الإسرائيلية أوصت بتقديم لائحة إتهام ضده وضد زوجته سارة لمحاكمته على وجود علاقة رشوة ومنح تسهيلات ضريبية لمالك شركة اتصالات وموقع "والا" الإخباري مقابل إعطائه "تغطية صحافية ودودة". كما يواجه نتنياهو اتهامات مماثلة في قضيتين اخريين تتعلقان بقبوله هدايا من رجال اعمال ومحاولته التوصل لإتفاق مع قطب اعلامي آخر للحصول على تغطية افضل مقابل فرض قيود على صحيفة منافسة.
نتنياهو باقٍ في منصبه رغم كل هذه الإتهامات لأن "قانون اساس" الحكومة يسمح له بذلك إلاّ اذا تمّت ادانته جنائياً بعد محاكمته. المعارضة بشخص رئيستها تسيبي ليفني دعته الى الرحيل " قبل ان يقوّض بمخالفاته سلطات إنفاذ القانون". وسائل إعلام عدّة أيدت دعوة المعارضة. عضو كنيست سابق ذكّره بموقفه قبل عشر سنوات كان حينها رئيساً للمعارضة وطالب رئيس الحكومة آنذاك ايهود اولمرت المحاصر بشبهات بأن يستقيل.
نتنياهو يتجاهل إنتقادات معارضيه. يبدو حائراً بين اتخاذ احد موقفين: إجراء انتخابات مبكرة للحصول على تفويض شعبي جديد ما يضطر المدعي العام الى التفكير مرتين قبل الإدعاء عليه ، او زجّ الكيان الصهيوني في حربٍ على لبنان والمقاومة المتجذرة في جنوبه مؤمّلاً بأن يخرج منها بطلاً وبالتالي مبدّداً للإتهامات الموجّهة اليه.
خيار الإنتخابات المبكرة مفهوم ومطلوب. لكن لماذا الحرب على لبنان؟
ثمة اشارات وتحليلات متعددة. ففي اواخر الاسبوع الماضي أمر نتنياهو ، بوصفه وزيراً للدفاع ، بشن عملية "درع الشمال" لتدمير أنفاق امتد احدها الى محيط مستوطنة المطلّة القريبة من حدود لبنان مع فلسطين المحتلة. اقتصارُ العملية التي بدأت وسط ضجة اعلامية ضخمة على قيام جرافتين بأعمال حفرٍ محدودة أثار ردود فعل سلبية وساخرة. المعلّق العسكري يوسي هايوشع قال ساخراً "إن حزب الله لا يحتاج الى نفق للوصول بصواريخه الى عمق البلاد"!
ازاء ردود الفعل السلبية المتزايدة ، استعاض نتنياهو عن عنوان "درع الشمال" بتعبير "نشاطات" يقوم بها الجيش على الحدود . ثم ما لبثت وسائل اعلامه ان عمّمت صورة لرجلين غير مسلحين في نفق يبدو آخره مفتوحاً على فتحة مضيئة ، يسارعان الى الخروج منه بدعوى انه "بعدما كشف جنود اسرائيليون (لا يظهرون في الصورة ) امرَهم " ! غيران صورة النفق غير الموثقة وغير المُقنِعة حملت اعلاميين معارضين الى التساؤل عن الغاية من الحديث عن كشف انفاق سبق للسلطات العسكرية ان اعلنت عن كشفها العام 2014 ؟
انكشافُ هذه المناورات الإعلامية الهزيلة حملت وسائل إعلام نتنياهو على التركيز على ما هو أهم : ذهابه ، بوصفه ايضاً وزيراً للخارجية (في حكومة مستمرة بعد استقالة افيغدور ليبرمان بغالبية صوت واحد) الى بروكسل لدعم وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الموجود هناك لمطالبة وزراء خارجية حلف شمال الاطلسي بفرض عقوبات على ايران لإجرائها تجربة على صاروخ باليستي متوسط المدى يمكن ان يطاول "اسرائيل" ودولاً اوروبية. صحف اسرائيلية عدّة كشفت ايضاً ان للقائه بومبيو غاية اضافية هي إقناع الولايات المتحدة بضرورة فرض عقوبات على لبنان لتهاون حكومته مع حزب الله الذي اقام مواقع ومعامل لصنع الصواريخ ولتطوير دقة تصويبها تحت طائلة ضربها وتدميرها اذا امتنعت الحكومة اللبنانية عن التعاون في عملية إزالتها.
الى ذلك ، كشف رئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين في مقابلة مع اذاعة FM 103 ان الهجمات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا انخفضت الى الصفر تقريباً لأن الإيرانيين غيّروا تكتيكهم واوقفوا توريد الصواريخ لحزب الله عبر سوريا " بعدما نقلوا كل شيء الى لبنان" ، بمعنى انهم ساعدوا الحزب في بناء مواقع ومعامل لصناعة الصواريخ وتطوير دقة تصويبها في داخل لبنان.
هذه الوقائع زادت من مخاوف الإسرائيليين ، مسؤولين ومواطنين ، من تداعيات تعاظم قدرات حزب الله وتهديداته . ها هو قائد الجبهة الداخلية اللواء تامير يقول إن الجبهة المذكورة ستواجه تحديات كبيرة خلال اي حرب مقبلة وان الإسرائيليين في تل ابيب لن يتمكنوا من تناول فنجان قهوة خلالها نتيجة خطورتها ("معاريف" 2018/11/29 ). رئيس هيئة الاركان السابق اللواء دان حالوتس اعترف بعد عملية خان يونس الفاشلة بأن "اسرائيل" "فقدت قوة الردع".
ازاء كل هذه الوقائع والمخاوف ، ينهض سؤال: هل يلجأ نتنياهو ، الغارق في متاعبه القانونية والسياسية والأمنية ، الى عملية يائسة املاً بالخروج من المتاعب بشنِّ حربٍ على لبنان ؟
كثيرون من اهل الرأي في "اسرائيل" يستبعدون ذلك. اما في لبنان فيجزم اهل الرأي والخبراء العسكريون بأنه اذا فعل فستكون هزيمته مدّوية.