نشرت بجريدتي"البناء" بيروت و"القدس العربي" لندن
تاريخ 3/12/2018
المخرج من ازمة لبنان :
مؤتمر تأسيسي او... العصيان المدني ؟
د. عصام نعمان
يعاني لبنان أزمةً مزمنة وخانقة انتقل معها اخيراً او كاد من حال اللادولة الى حال انهيار النظام الطائفي الفاسد ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. يبدو اللبنانيون ، بفعل الشبكة السياسية المتحكمة، عاجزين عن حكم انفسهم. ليس ادل على ذلك من عجز رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري عن تأليف حكومة جديدة بعد الإنتخابات. ذلك مردّه الى ثلاثة اسباب: انقسام الشبكة الحاكمة على نفسها وخروج بعض اركانها على احكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) ومثابرة بعضهم الآخر على الإذعان لتعليمات قوى خارجية ، وتشتت القوى الوطنية والتقدمية المفترض ان تشكّل معارضةً فاعلة للنظام الفاسد ، وإحتدام الصراع في المنطقة بعد انهيار النظام العربي الاقليمي.
ما العمل ؟
ليس في وسع اهل النظام ترقيع فجوات جسده الممزق كما في الماضي. فالشبكة المتحكمة ترهّلت وفقدت مسوّغات شرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على نفسها وعلى البلاد. ومن أسف ان القوى الوطنية والتقدمية فقدت ايضاً جدّيتها وحيويتها وتبدو عاجزة عن إعادة توحيد نفسها. كل ذلك في وقتٍ عاد الصراع الى الإحتدام بين المحور الصهيواميركي من جهة ومحور المقاومة العربية المدعوم من ايران وروسيا من جهةٍ اخرى.
ثمة حاجة استراتيجية الى توليد مناخ قومي نهضوي جديد يستولد بدوره موازين قوى مغايرة في المنطقة . هذا المطلب عزيز وملّح لكنه صعب المنال. مع ذلك لا مناص من الشروع بالعمل بلا ابطاء.
في هذا التوجّه والسياق ، يقتضي الإحاطة بالواقعات والتناقضات والتحديات الماثلة في كلٍ من الاقطار العربية الناهدة الى التغيّر والتغيير. ففهم الواقع شرطٌ لتجاوزه والبدء في توليد البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الافضل.
في ما يخصّ لبنان ، وبعد وعي الواقع بكل أبعاده وتناقضاته ، ارى ان اسس التغيير النهضوية يمكن ان تكون الآتية :
اولاً ، ترك الشبكة السياسية المتحكمة لمصيرها وعدم التورط معها في ايّ صيغةٍ تسووية لتوافق وطني مصطنع يُراد منه انتاج حكومةً تقليدية ونقاط تلاقٍ محدودة حول برنامجها الوزاري ومهماتها المرحلية ، بل المطلوب دعوة القوى الوطنية الحيّة الى إعمال الفكر واعتماد الحوار بغية انتاج برنامج وطني سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل لمعالجة حال لبنان المستعصية والإنتقال به ، من خلال جبهة وطنية عريضة ، الى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.
ثانياً ، الضغط على اهل القرار في جميع المؤسسات والمستويات للإقرار بأن البلاد تمرّ في ظروفٍ صعبة واستثنائية ، وان الظروف الإستثنائية تستوجبُ بالضرورة تدابير استثنائية للخروج من الازمة المستعصية ، وان ذلك يستوجب في حالتنا الحاضرة اتخاذ القرارات الآتية :
(أ)إعادة تفعيل حكومة تصريف الاعمال اذا تعذّر ، خلال مدة وجيزة، تأليف حكومة وطنية جامعة لمعالجة القضايا والمشكلات الاكثر إلحاحاً وأهمية بتوافقٍ وتعاونٍ وجدّية .
(ب)في موازاة القرار الآنف الذكر ، يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، المنتخب قبل سنتين في شبه اجماع وطني ، مستلهماً مُرتجى المادة 95 من الدستور، ايّ إلغاء نظام الطائفية السياسية ، الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي مؤلّف من مئة شخصية وطنية تكون عضويته على النحو الآتي:
.1اربعون عضواً من الكتل البرلمانية التي يضمّ كلٌ منها اربعة اعضاء على الاقل ، يمثلون واقعياً وافتراضياً نسبة الـ 49 في المئة من اللبنانيين الذين شاركوا في الإنتخابات الأخيرة بحسب بيان وزارة الداخلية.
.2 خمسون عضواً من الاحزاب والنقابات وتشكيلات المجتمع المدني يمثلون نسبة الـ 51 في المئة من اللبنانيين الذين قاطعوا الإنتخابات النيابية. تسمّي الهيئات المنوّه بها آنفاً ممثليها بالتوافق فيما بينها ، واذا تعذّر عليها التوافق ترفعُ مقترحاتها بالاسماء الى رئيس الجمهورية الذي يتولى انتقاء الاعضاء من بينهم .
.3 عشرة أعضاء يُسمّيهم رئيس الجمهورية ويراعي في اختيارهم تمثيل المناطق والقطاعات التي تعذّر تمثيلها في الفئتين المار ذكرهما.
4. تتمّ عملية تكوين الهيئة العامة للمؤتمر الوطني التأسيسي في مهلة شهر واحد من تاريخ انطلاقها ، على ان يدعو رئيس الجمهورية فور انتهائها الى عقد المؤتمر بالأعضاء الذين تمّت تسميتهم شرط ألاّ يقل عددهم عن خمسين من مجموع اعضائه المئة.
5. يعقد المؤتمر الوطني التأسيسي جلسات متواصلة لإنجاز مهامه في مهلة لا تتجاوز الشهر الواحد.
ثالثاً ، يهدف المجلس الوطني التأسيسي في عمله الى تحقيق المبادىء والاصلاحات التغييرية الآتية:
(أ)الخروج من النظام الطائفي الفاسد ببناء الدولة المدنية الديمقراطية.
(ب)اعتبار قوانين الإنتخاب منذ الإستقلال غير دستورية واداةً لإعادة انتاج النظام الطائفي الفاسد ، وان اعتماد قانون انتخابي يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والإجتماعية المطلوبة.
(جـ)اقرار قانون للإنتخاب وفق احكام الدستور، ولاسيما المادتين 22و27 منه ، على الاسس الآتية:
.1 اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
.2يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً ، مئة (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون (30) الباقون وفق التوزيع المذهبي على ان يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
.3يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين :
-
الاول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة بلا توزيع مذهبي للمقاعد نواةَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور ، وإعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي نواة مجلس الشيوخ وفق المادة عينها.
-
الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 – دستور.
رابعاً ، يُعرض قانون الإنتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام. واذا نال موافقة لا اقل من خمسين (50) في المئة من اصوات المشاركين يُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ ويكون مجلس النواب القائم منحلاً بموجبه.
خامساً ، يؤلف رئيس الجمهورية ، بالاتفاق مع رئيس الحكومة القائمة وبعد استشارة اعضاء المجلس الوطني التأسيسي، حكومة وطنية جامعة لإجراء الإنتخابات وفق احكام قانون الإنتخاب الجديد وانتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر ، لسبب او لآخر ، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟
ارى ان القوى الحية عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة مدعوة الى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارته ، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي بمبادئه واسسه واجراءاته المنوّه بها آنفاً.
البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الإنطلاق الى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء الى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الآوان .