نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 24/11/2018
سرّ "المعركة الامنية"
التي ارجأت إسقاط حكومة نتنياهو؟
د. عصام نعمان
كان ثمة سيناريو ، على ما يبدو ، لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو عقب عملية خان يونس الفاشلة بإمتياز . اولى خطوات السيناريو غير المحبوك كفايةً كانت استقالة وزير الحرب (السابق) افيغدور ليبرمان ما يؤدي تلقائياً الى خروج حزبه، "اسرائيل بيتنا" ، بنوابه الخمسة من الإئتلاف الحاكم فتتقلّص اكثرية الحكومة في الكنيست الى 61 ، اي بفارق نائب واحد من أصل 120 نائباً .
ثانيةُ الخطوات كانت مطالبة وزير التعليم ورئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت بإسناد حقيبة وزارة الحرب اليه حتى اذا رفض نتنياهو ، إستقال بينيت مع نواب حزبه الثمانية من الإئتلاف الحاكم ما يُفقد الحكومة اكثريتها في الكنيست ، فتُضطر الى إجراء انتخابات عامة.
ثالثةُ الخطوات خروج وزير المال ، رئيس حزب "كلنا "، موشيه كحلون ونوابه من الإئتلاف الحاكم اذا ما وافق نتنياهو على اسناد وزارة الحرب الى بنيت او حتى لو لم يفعل انما ثابر على رفض إجراء انتخابات عامة.
كل هذه الخطوات تبيَّن لاحقاً انها كانت عديمة الجدوى : لا بينيت اصرّعلى تولي حقيبة الحرب ، ولا نتنياهو كان في وارد اسنادها اليه اصلاً، ولا هو ونواب حزبه خرجوا من الائتلاف الحاكم إحتجاجاً على حرمانهم هذه الحقيبة البالغة الأهمية ، ولا كحلون اصرّ على إجراء انتخابات تحت طائلة الخروج ونوابه من الإئتلاف الحاكم . بالعكس ، الكل وافق لاحقاً على ان يُسند نتنياهو الى نفسه وزارة الحرب ، وان يقرر منافسوه السابقون ، ولاسيما بينيت، "الوقوف الى جانبه في كل ما يتعلق بأداء مهماته كوزير للحرب".
ما سرّ هذا التراجع السريع عن مواقف معلنة سابقاً ؟
من العودة الى تصريحات نتنياهو بعد تفاديه سقوط الحكومة او اسقاطها ، نقع على بعض التلميحات والكلمات "المشفّرة" التي يمكن من خلالها الإجابة عن هذا السؤال . هذه عيّنة من اقواله :
- "نحن في فترة حساسة للغاية ومركّبة جداً امنياً ، وفي هذه الحالات ممنوع اسقاط الحكومة لأن إسقاطها في مثل هذه الفترة هو انعدام للمسؤولية".
- "إن بعض الغضب الشعبي قد ينبع من حقيقة انه من المستحيل تقديم بعض المعلومات الى الجمهور العريض".
- "هناك حاجة اثناء "المعركة الامنية الدائرة" الى التصرف بمسؤولية".
لماذا "من المستحيل تقديم بعض المعلومات الى الجمهور" ، وما هي واين ستكون "المعركة الامنية الدائرة " ؟
تصدى بعض الصحف والمحللون العسكريون الى محاولة فك لغز هذه الاسرار على النحو الآتي:
صحيفة "يديعوت احرونوت" (2018/11/19) زعمت بلسان المحلل السياسي ايتمار ايخنر ان الحاخام الاميركي مارك شناير الذي يقف على رأس صندوق التفاهم الديني اليهودي-الإسلامي قال إن "ثمة إلتزام من جانب بعض دول الخليج بإعطاء اولوية لموضوع إقامة علاقات ديبلوماسية مع "اسرائيل" وتطبيع العلاقات معها بشكل كامل" ، ما يتيح الإستنتاج بأنه، ازاء اهمية هذا الموضوع ، وجد نتنياهو ومؤيدوه ان اسقاط الحكومة واجراء انتخابات في مثل هذا الظرف موقف غير مسؤول.
القائد الأسبق لسلاح المدرعات والباحث حالياً في علاقة الجيش بالمجتمع العميد رونين ايستيك زعم في صحيفة "يسرائيل هيوم" (2018/11/18) ان ايران تعاني ازمة شديدة نتيجة العقوبات الاميركية وانها تطبخ بالتعاون مع سوريا وحزب الله و"حماس" رداً شاملاً على "اسرائيل" والولايات المتحدة في الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا) الامر الذي يستوجب الإستعداد الكامل للردّ على هذا التهديد ، وان نتنياهو قال في احد تصريحاته بعدما قرر ان يُسند الى نفسه حقيبة وزارة الحرب : "كونوا مستعدين . قريباً ستسمعون منّا . وهذا سيكون عاصفاً جداً ".
كل هذه الآراء يمكن ان تفسِّر "المعركة الامنية" التي اشار اليها نتنياهو. غير أن للمحلل العسكري عاموس هرئيل في "هآرتس" (2018/11/16) رأياً آخر مفاده "ان إهتمام بوتن بلبنان يمكن ان يقيّد اكثر عمليات الجيش الإسرائيلي في الشمال وذلك بأن تتوسع فعلياً مظلة الدفاع التي نشرتها روسيا في شمال غرب سوريا بحيث تشمل لبنان ايضاً " .
الى ذلك ، ثمة رأي آخر وَرَد مباشرةً او مداورةً في تصريحات رونالد ترامب ومؤيديه في الادارة او في الكونغرس مفادها ان الرئيس الاميركي في صدد دعوة كبار المسؤولين في الادارة والإستخبارات ولجان الكونغرس الى اجتماع من اجل تحديد موعدٍ لطرح ما يسمى"صفقة القرن" على الحكومات العربية ذات الصلة.
في ضوء هذا التحدي ، من المعقول ان يرتأي نتنياهو ومؤيدوه ضرورة وجود حكومة مسؤولة في "اسرائيل" للتعامل مع ردود الفعل المنتظرة على هذا الحدث الخطير بدلاً من ان يكون الجميع منشغلين بإنتخابات يكثر فيها غالباً الاخذ والردّ والإتهامات المتبادلة.