نشرت في جريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 26/11/2018
اذا اخفقت العقوبات
هل تهاجم اميركا ايران في سوريا ولبنان ؟
د. عصام نعمان
ماذا تريد الولايات المتحدة من ايران ؟
تطرح الإستخبارات الإسرائيلية، وفق صحيفة "هآرتس" (9/11/2018)، فرضيتين : الاولى حملُ ايران على اعادة التفاوض بشأن الإتفاق النووي لإملاء شروط اكثر صرامة عليها تتعلق بإجراءات التطبيق والرقابة. الثاني إسقاط النظام في طهران في إطار "وثيقة بومبيو" ، اي خطة النقاط الـ 12 التي نشرها وزير الخارجية الاميركي بعد اعلان رئيسه ترامب الإنسحاب من الاتفاق النووي في شهر ايار/ مايو الماضي . واشنطن تأمل بأن تؤثر العقوبات سلباً في الإقتصاد الإيراني ما يحمل طهران على التراجع .
اذا لم تتأثر ايران او تتراجع ، كما يؤكد معظم قادتها ، فهل يدفع اخفاق العقوبات الولايات المتحدة الى محاولة مهاجمة وإستنزاف ايران وحلفائها في محور المقاومة على ساحات سوريا ولبنان (وربما والعراق) لإضعافها وتقويض قدراتها ؟
"اسرائيل" واثقة بأن احد المرامي الرئيسة لحملة الولايات المتحدة على ايران حماية ما يسميه المسؤولون في واشنطن وتل ابيب "امن اسرائيل القومي". فما ان دخلت الموجة الثانية من العقوبات الاميركية حيز التنفيذ في مطلع الشهر الجاري حتى سارع بنيامين نتنياهو الى الترحيب بها وامتداح دونالد ترامب على اطلاقها . ذلك ان قادة الكيان الصهيوني يدركون ان ايران لن تقف مكتوفة الايدي حيال حملة اميركا وعقوباتها ضدها وانها قد تقوم، بحسب العميد رونين ايستيك ، القائد السابق للواء المدرعات ، بخلق مصاعب لـِ "اسرائيل" كتوفير اسلحة متطورة لـِ "حماس" وحزب الله ، "ولا احد يعرف متى سيقرر هؤلاء استخدام ترسانة الأسحة التي راكموها". في هذا السياق ، تحدث نتنياهو بعدما عيّن نفسه وزيراً للأمن (او الحرب؟) بديلاً من افيغدور ليبرمان المستقيل عن "المعركة الامنية الدائرة وعن الحاجة الى التصرف بمسؤولية". وقد فسّر ايستيك "المعركة الامنية" التي اشار اليها نتنياهو بأنها "تعني احتمال مواجهة حركة حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال في إطار ما تطبخه ايران من رد شامل على ما تحوكه اميركا و"اسرائيل" ضدها من عقوبات وسيناريوهات هجومية" (صحيفة "يسرائيل هيوم"، 18/11/2018 ).
في موازاة هذه التقولات بشأن ما "تطبخه" ايران وكيف تعتزم "اسرائيل" الردّ عليها ، كشف نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والامن في الكنيست يوم الاثنين الماضي ما اسماه "اقتراحاً روسياً " تلقته الولايات المتحدة حول فكرةٍ لإخراج ايران من سوريا ومنعها من التمركز العسكري فيها مقابل تخفيف العقوبات الاميركية عليها.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ردّ على نتنياهو بتصريح لم يؤكد فيه كما لم ينفِ "الاقتراح الروسي" المذكور موضحاً بأنه " كان لدينا اتصالات وافكار طرحت على طاولة البحث وقد تكون قريبة من فكرة الإقتراح ، لكنها لم تُستكمل"!
الكشف عن "الإقتراح الروسي " كشف بدوره حقائق اخرى ابرزها ثلاث :
-
ان طاولة البحث التي ضمّت مندوبين روساً واميركيين لم تُدعَ اليها (وربما لم تُستشر بشأنها مسبقاً) ايران وسوريا الامر الذي اثار امتعاضهما ، فسارعت الخارجية الروسية الى اصدار بيان توضيحي يُفهم منه حرص موسكو على مراعاة مصالح ايران في سوريا كون البلدين مستهدفين بعقوبات اميركية شأن روسيا.
-
ان الولايات المتحدة ادركت عدم جدوى عقوباتها في إكراه ايران على تغيير سياستها ما حملها على البحث عن طريقة بديلة لتحقيق بعض مراميها بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه بالعقوبات.
-
ان نتنياهو كان على علمٍ بطبيعة الحال بطاولة البحث الاميركية-الروسية وبـ "الإقتراح الروسي" الامر الذي حمله على التلويح لغرمائه ومنافسيه في "اسرائيل" بما اسماه "المعركة الامنية" ، ويعني بها ما يمكن ان يترتب على إقرار "الإقتراح الروسي" او عدم إقراره من تداعيات سياسية وامنية قد تستوجب ، في رأيه ، عدم حلّ حكومته لتفادي الإنشغال بمعركة انتخابية غير مأمونة النتائج و... العواقب.
ان كل التطورات والإحتمالات سالفة الذكر لها انعكاسات سلبية وايجابية ، والأرجح ان ايران وروسيا قادرتان على التعامل معها بما يخدم مصالحهما المشتركة في وجه الخصم المشترك الذي هو الولايات المتحدة . لكن ثمة سؤالاً لا بد من طرحه : أليس من حق سوريا ، بعد الحرب المدمرة التي جرت فيها وعليها ، ألاّ تكون بأي شكل من الأشكال ساحةً لتصفية الحسابات وعقد الصفقات بين اميركا وروسيا وغيرهما من دول كبرى او اقليمية ؟ واذا كان حقها هذا ساطعاً وقاطعاً ، كيف السبيل الى تحقيقه وحمايته وكفالة مفاعيله الوطنية والسياسية والاقتصادية ، محلياً وعربياً وإقليمياً ؟
لا شك في ان اطراف محور المقاومة محيطون بكل التحديات سالفة الذكر وبمتطلبات مواجهتها ، ولعلهم عاملون في هذا السبيل بلا إبطاء. مع ذلك ، ارى من الضروري التأكيد مجدداً على موقف القوى الوطنية والتقدمية الملتزمة خيار المقاومة والتحرير ونهجهما الداعي والعامل بلا كلل من اجل اعتباره اولويةً اولى في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة . من هنا تستبين الحاجة الإستراتيجية الى تمتين مرتكزات وتأمين متطلبات محور المقاومة بكل اطرافه، ولا سيما بين سوريا والعراق ، بغية تحرير وحماية كامل التراب العربي في سوراقيا من مخاطر ومطامع الكيان الصهيوني العنصري العدواني، ومخططات تركيا الساعية الى السيطرة على مساحات واسعة من الارض والموارد الطبيعية في كِلا القطرين وعلى طول حدودهما معها ، وكذلك حمايتها من الولايات المتحدة التي تحتل اجزاء من شرق سوريا بغية تنفيذ مخططات عدوانية تقسيمية تنال من وحدتها وسيادتها ومواردها الطبيعية من نفط وغاز ، كما تهدد الامن العربي القومي.