ترامب خسر في الداخل ولم يخسر في الخارج... بعد ؟
نشرت بجريدة "الخليج"
10/11/2018
ترامب خسر في الداخل
ولم يخسر في الخارج... بعد ؟
د. عصام نعمان
مستحيل إقناع دونالد ترامب بأنه خسر في الإنتخابات النصفية الاخيرة. صحيح ان الجمهوريين خسروا اكثريتهم في مجلس النواب ، لكنهم احتفظوا بها في مجلس الشيوخ. ترامب يعتبر هذه النتيجة نصراً هائلاً له.
هل هي فعلاً كذلك ؟
ليس تماماً . بفوزهم في مجلس النواب ، اصبح الديمقراطيون اقوى في الداخل من الجمهوريين عموماً ، ومن ترامب خصوصاً . أقوى منهم ومنه في التشريعات المالية والاجتماعية وفي معظم ما يخصّ الاقليات والملونين والفقراء. لكن الجمهوريين يبقون الأقوى في مجلس الشيوخ وفي كل ما يتعلّق بالشؤون الخارجية والدفاع والامن القومي ، كما في التعيينات لملء المناصب العليا في الوزارات والادارات والسفارات . مع ذلك ، يبدو الديمقراطيون انهم الاقوى لسببٍ بسيط هو ان فوزهم بأكثرية مجلس النواب مؤشرٌ قوي مبكر الى شعبيتهم وبالتالي الى قدرتهم على حرمان ترامب من الفوز بولاية رئاسية ثانية.
ترامب سيخسر بالتأكيد في مجلس النواب بكل ما يتعلّق بتشريعات الرعاية الصحية والضمان الإجتماعي والرسوم والضرائب ، وخاصةً منح الميسورين والاغنياء المزيد من الإعفاءات الضريبية . لكن ليس من المنتظر ان يخسر في الخارج بكل ما يتعلق بالعقوبات ضد ايران وبحربه التجارية ضد الصين وروسيا والمانيا وغيرها.
"اسرائيل" ستخسر بين جمهور الديمقراطيين وممثليهم في مجلسيّ الكونغرس. فالجيل الجديد من الشباب الديمقراطيين لا يشبه كثيراً جيلي اصدقائها التقليديين من طراز السناتور ونائب الرئيس السابق جون بايدن او زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي . ليؤر فاينتروب ، مدير المنظمة الإعلامية "مشروع اسرائيل" The Israel Project وسابقاً الناطق ورئيس طاقم سفارة "اسرائيل" في واشنطن ، يؤكد ان الجيل الجديد من الديمقراطيين اقرب ايديولوجياً الى بارني ساندرز، السناتور الديمقراطي الإجتماعي ، الذي كاد ينتزع من هاليري كلينتون ترشيح الحزب الديمقراطي له للرئاسة منذ سنتين . كما يؤكد فاينتروب ان بعضاً من الشباب الديمقراطي معادٍ لـِ "اسرائيل" بصورة جوهرية (مقالته في "Y net" ، 2018/11/6).
ماذا عن انعكاس نتائج الإنتخابات النصفية على سياسة ترامب الخارجية ، ولاسيما ازاء الصراع العربي-الاسرائيلي ؟
للرئيس الاميركي بحسب الدستور الفدرالي صلاحيات واسعة ، وهو بصورة عامة ولاسيما في الشؤون الخارجية والامن ، أقوى من مجلس الشيوخ لدرجة ان في وسعه اعلان الحرب من دون اجازة الكونغرس اذا ما تعرّض امن البلاد او مصالحها الحيوية الى هجوم طارىء. غير ان ذلك لا يحول دون ممارسة الكونغرس بمجلسيه ، ولا سيما مجلس النواب ، تأثيراً قوياً عليه في الشؤون المالية على وجه الخصوص. وعليه ، من المتوقع ان يتمسّك ترامب بسياساته ومواقفه حيال "اسرائيل" والفلسطينيين وايران وروسيا والصين وكوريا الشمالية ، لكنه سيتعرض الى نقد واعتراضات كثيرة في هذا المجال من النواب الديمقراطيين.
لتعويض ضعفه في مجلس النواب سيركّز ترامب على القضايا الخارجية ، ولاسيما تلك التي يعتقد انها ستنعكس عليه ايجاباً في الداخل. من هنا تتضح ارجحية مثابرته على طرح مشروع "صفقة القرن" والسير بها الى نهاية موآتية للولايات المتحدة ولـِ "اسرائيل" .
متى يبدأ ترامب بالخسارة في الخارج ؟
الجواب : ليس قبل انتخاباتٍ عامة قادمة . ذلك ان خبراء "اسرائيل" الميدانيين ، وفي مقدّمهم فاينتروب ، يعتقدون ان "رقاص الساعة السياسية يتحرك طوال الوقت ، وانه عاجلاً ام آجلاً سيستعيد الديمقراطيون السيطرة على مجلسيّ الشيوخ والنواب وعلى البيت الأبيض". ففي السنوات الاخيرة تدهورت مكانة "اسرائيل" وسط الجمهور الديمقراطي ، وخاصةً في صفوف الأقليات الأثنية وذوي الاصول اللاتينية والملونين (الأفارقة) وذوي الاصول العربية والمسلمين عموماً.
الاكيد ان بنيامين نتنياهو يدرك الآن انه اذا ما تسنّى له ان يخاطب الكونغرس ، كما فعل خلال ولاية الرئيس السابق باراك اوباما ، لن يصفق اعضاؤه 50 مرة او اكثر وقوفاً وتأييداً له وتهليلاً كما فعلوا في الماضي نكايةً باوباما الذي لم يستشره احد من زعماء الحزبين الديمقراطي والجمهوري قبل ان يقرروا دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي الى مخاطبة الكونغرس...