نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 1/10/2018
السوريةS-300منظومة
هل يقتضي ان تحمي لبنان والمقاومة ؟
د. عصام نعمان
مَن يُتابع كلمات ترامب ونتنياهو ومحمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي التصريحات الصحافية اللاحقة ، يظنّ ان الشغل الشاغل لهؤلاء هو توليف تسوية للصراع الاسرائيلي-الفلسطينيي على قاعدة دولتين لشعبين ، او دولة واحدة ، او وفق ترتيبات "صفقة القرن". لكن الواقع مغاير تماماً . فالهاجسُ الاول لقادة الكيان الصهيوني وبالتالي لترامب وفريقه العائلي والرسمي هو "امن اسرائيل" بالمفهوم الذي تستبطنه القيادة الصهيونية او بالمفهوم الظرفي الذي يعرض ، احياناً ، بعض جوانبه نتنياهو او وزير حربه ليبرمان او رئيس اركان جيشه ايزنكوت.
"اسرائيل" خائفة ، نعم خائفة ، في ضوء ما تعرفه عن قدرات اعـدائها في الحاضر وما يمكن ان تكون عليه في المستقــبل ، او ما يخططـون له – وهذا هو الاهم – لمواجهة ما تعتزم هي القيام به في المدى الطويل بدعمٍ من راعيتها الابدية : الولايات المتحدة الاميركية .
"اسرائيل" خائفة لأن سوريا استعادت او كادت السيطرة على كامل ترابها الوطني وباتت على وشك اعلان الهزيمة المدوّية لفصائل الإرهاب التكفيري العاملة في إطار المشروع الصهيو-اميركي لتفتيتها واخراجها من محور المقاومة . و"اسرائيل" خائفة ايضاً من استعادة الجيش السوري قوته، وتعاظم خبرته القتالية خلال الحرب ، ومن حصوله على اسلحة متطورة ونوعية جديدة في مقدمها منظومة الدفاع الجوي S-300 واجهزة روسية اخرى للرصد والتشويش الجوي العملاني. وهي خائفة ، على وجه الخصوص ، من تعاظم قدرات المقاومة اللبنانية (حزب الله) والمقاومة الفلسطينية (في غزة) ومفاعيل التنسيق والتعاون بينها وبين الجيش السوري على نحوٍ يجعل من جبهات القتال في شمال فلسطين المحتلة وشمالها الشرقي وجنوبها الغربي جبهةً واحدة.
"اسرائيل" خائفة ايضاً من مفاعيل ما تسميه "الوجود الايراني" في سوريا. ذلك ان ايران باتت تمتلك صواريخ باليستية وافرة للمدى القصير والمدى البعيد وان من شأنها تشكيل خطرٍ داهم على جبهتها الداخلية بكل ابعادها.
في مواجهة هذه التحديات والمخاطر ، تعتمد "اسرائيل" على نفسها ، بالدرجة الاولى ، وعلى دعم اميركي سياسي واقتصادي وعسكري بلا حدود . ألم يعترف ترامب علانية في الامم المتحدة بأن "اميركا مع "اسرائيل" مئة في المئة" ؟ ألم يقل ايضاً ان صهره جاريد كوشنر (المسؤول عن ترتيبات "صفقة القرن" ) "يعشق اسرائيل" ؟!
مع ذلك يدرك القادة الصهاينة ان لا افق لكل ما يجري تداوله حالياً بشأن تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني . فلا دولة ولا دولتين ولا تنفيذ لترتيبات "صفقة القرن" في المستقبل المنظور. فالفلسطينيون عموماً ، حتى محمود عباس وغيره من مسؤولي السلطة الفلسطينية ، يشترطون عودة ترامب عن مواقفه الاخيرة : الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، واستمرار عملية الاستيطان ، ووقف تمويل وكالة "الانروا، وإغلاق مكتب (سفارة) منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن .هذا فضلاً عن عدم القبول بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً بين الجانبين . مع العلم ان معظم منظمات المقاومة الفلسطينية ترفض اعتماد المفاوضة طريقاً لتحقيق هدفيّ التحرير والعودة وتتمسك تالياً بنهج المقاومة بلا هوادة.
الى ذلك ، لا تبدو "اسرائيل" في وارد التنازل عن ايٍّ من مكاسبها الإستيطانية او شروطها الامنية لتسهيل العودة الى المفاوضات مع الفلسطينيين . لعل ما قاله نتنياهو بعد لقائه ترامب يلخّص حقيقة الموقف الاسرائيلي : "الولايات المتحدة تقبل ، حتى في حال تحقيق حلّ الدولتين ، احتفاظ "اسرائيل" بالسيطرة الامنية العامة في الضفة الغربية. "اسرائيل" ستحتفظ ضمن اي اتفاقٍ للسلام بالسيطرة الامنية بين نهر الاردن والبحر المتوسط". بكلام آخر ، إحتلال "اسرائيل" للضفة الغربية باقٍ ، فأيُّ معنى يبقى للدولة الفلسطينية الموعودة ؟
كل هذه التحديات والمواقف المتضاربة والمتناقضة تؤشر الى ان لا قضية ولا ترتيبات ولا اهتمامات في غرب آسيا من شواطيء البحر المتوسط غرباً الى شواطىء بحر قزوين شرقاً إلاّ بما تعتبره "اسرائيل" متعلقاً بأمنها القومي وبما يجب ان تتخذه الولايات المتحدة من تدابير دعمٍ لها غير محدود .
من الطبيعي ، والحال هذه ، ان يكون الهمّ والإهتمام الرئيسان لأطراف محور المقاومة (ولروسيا الى حدّ ما) منصبّين على الحرب في سوريا وعلى حلفائها ، ولاسيما بعد تلميح نتنياهو في الامم المتحدة بقصف "مواقع صواريخ دقيقة" زعم ان حزب الله اقامها بالقرب من مطار بيروت الدولي وفي محيطه بقصد ضرب "اسرائيل" في العمق.
إن التهديد بضرب المقاومة في لبنان يجب ان يدفع اطراف محور المقاومة الى التحسّب للدفاع عنها بلا تردد ، فهل هي مستعدة لذلك ؟ هل تعمد سوريا ، بعد حصولها على منظومة S-300، الى نشر بطاريات منها على مقربة من حدودها مع لبنان بغية وضع البلد الصامد المقاوم ، جواً وبراً ، تحت مظلة حماية عملانية فاعلة ؟ ام تراها ترضى بأن تتولى هذه المهمة وحداتٌ من حزب الله متموضعة في المنطقة عينها ؟
ثم ، ماذا لو وضعت روسيا قيوداً ومحدِّدات على سوريا لجهة مواقع نشر بطاريات S-300 واستعمالها وتحفّظت على استفادة لبنان والمقاومة في ربوعه من الحماية التي يمكن ان توفرها ؟ ألا يصبح من واجب ايران المسارعة الى تزويد سوريا ، كما حزب الله ، ببعضٍ من بطاريات S-300 التي زودتها بها روسيا ما يفكّ حَرَج هذه الاخيرة التي ، ربما ، ما زالت حريصة على التنسيق العملياتي مع "اسرائيل" تفادياً لأي تصادم ؟ اخيراً وليس آخراً ، أليس تمكين حزب الله من تصنيع صواريخ دقيقة في منشآتٍ خاصة به ( في لبنان او سوريا) هو الحل الافضل والافعل لبناء جدار رادع وراعب في وجه "اسرائيل " ، لاجمٍ لجنون اصحاب الرؤوس الحامية من سياسييها وجنرالاتها العنصريين ؟
اسئلة ملحاحة تبحث عن اجوبة في زمن التحديات والمخاطر الماثلة .