نشرت بجريدة "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 24/9/2018
"انتهى الامر ، تمّ الامر ، انجز الامر"
الحقائق ساطعة والمطلوب من المقاومة : الردّ
د. عصام نعمان
الوقائع والحقائق ساطعة : الكرملين أفاد في بيانه يوم الثلاثاء الماضي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بأن سلاح الجو الإسرائيلي ينفذ عملياته في إنتهاكٍ لسيادة سوريا ، وان بطاريات سورية مضادة للطــائرات أسقطــت طائــرة عسكرية روسية قرب الساحل السوري بسبب عدم إلتزام الإتفاقات الروسية-الإسرائيلية في شأن منع الحوادث الخطرة".
الى ما كشفه بيان الكرملين من وقائع ، ثمة حقائق اخرى جديرة بالتمعّن :
- قيامُ طائرات حربية اسرائيلية بإطلاق صواريخ على مؤسسة تقنية سورية في مدينة اللاذقية ، تبعد عن مطار حميميم (حيث الطائرات وقواعد الصواريخ الروسية ) ثماني كيلومترات لا اكثر.
- "اسرائيل " زعمت ان المؤسسة المستهدَفَة تختزن اسلحةً متطورة وصواريخ ايرانية مُرسلة الى حزب الله ، وانها ستثابر على اعتماد سياسة منع ايران من التموضع في سوريا.
- بوتن اعترف لأول مرة بأن عمليات سلاح الجو الإسرائيلي تشكّل انتهاكاً لسيادة سوريا. كما اعترف بأن اسقاط الطائرة العسكرية الروسية ناجم عن "عدم إلتزام الإتفاقات الروسية-الإسرائيلية في شأن منع الحوادث الخطرة".
- بوتن لم يكشف ، بعد ، مضمون الإتفاقات الروسية - الإسرائيلية المبرمة في العام 2015 التي تتضمن ، على ما يبدو، بنوداً تقضي بأن يُخطِر الجيش الاسرائيلي القيادة العسكرية الروسية في سوريا مسبقاً بالعملية او العمليات التي يعتزم القيام بها في شتى انحاء البلاد لتفادي وقوع صدام بين الجانبين .
- وزارةُ الدفاع الروسية اعترفت بأن الجانب الاسرائيلي ابلغها بالعملية قبل اقل من دقيقة واحدة من إطلاق صواريخ طائراته الحربية ، وهي مهلة غير كافية لتحويل مسار طائرة الإستطلاع الروسية "ايل 20-" التي كانت تحوّم في المنطقة . معنى ذلك انه لو قام الجانب الإسرائيلي بإخطار القيادة الروسية بالعملية مسبقاً وفي مهلةٍ اطول لكانت العملية تمّت وفق الإتفاقات المعقودة ودونما إعتراض من الجانب الروسي على إنتهاك "اسرائيل" سيادة سوريا.
الى ذلك ، اعلن حزبُ الله بلسان امينه العام السيد حسن نصرالله ثلاث حقائق لافتة:
- ان ليس لديه اسلحة او صواريخ في المؤسسة التقنية السورية في اللاذقية التي قصفها العدو اخيراً، وان "قصد "اسرائيل" من وراء هذه العملية وغيرها هو الحؤول دون إمتلاك سوريا القدرة على تصنيع صواريخ متطورة.
- ان عبارة "إنتهى الامر ، وتمّ الامر ، وانجز الامر" ، فسّرها السيد نصرالله في خطابه "بأن المقاومة أضحت تمتلك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ، ومن الامكانيات التسليحية ما يجعل العدو الإسرائيلي يواجه في حال اعتدائه على لبنان مصيراً لم يكن يتوقعه في يومٍ من الأيام."
- ان الإعتداءات الإسرائيلية على سوريا ، بحسب السيد نصرالله ، لم يعد بالإمكان إحتمالها وان المقاومة ملتزمة ومستعدة لتكون في الخط الامامي دفاعاً عن قضايا الامة وحقوقها في فلسطين والقدس واليمن والبحرين والعراق .
في ضوء هذه الوقائع والحقائق ، تنتصب اسئلةٌ ثلاثة :
- اولها : هل يعقل وهل يجوز ان تبقى روسيا ، حليفة سوريا والمتعاهدة معها ، طرفاً في اتفاقٍ مع كيانٍ صهيوني عدواني خادم للولايات المتحدة موضوعه التنسيق بين الجانبين ما يتيح له الاعتداء على سوريا وتدمير مرافقها الحيوية لقاء عدم المسّ بقواعد روسيا وقواتها فيها ؟ روسيا كانت اتفقت مع سوريا على تزويدها منظومةً دفاع جوي من طراز S-300 وسددت دمشق دفعةً اولى من ثمنها ، ثم تراجعت موسكو عن تسليمها الامر الذي مكّن سلاح الجو الإسرائيلي من العربدة في سماء سوريا والنيل من مرافقها وقواعدها العسكرية ومن قوات حلفائها . فوق ذلك، لم تلتزم "اسرائيل" بنود الإتفاق المذكور ما ادّى الى إلحاق الاذى والضرر بمصالح روسيا وقواتها في سوريا . فهل يعقل ان يكون ردّ موسكو على عملية إسقاط طائرتها الإستطلاعية وقتل 15 من ضباطها وخبرائها مجرد إعلانٍ عن إعتزامها إتخاذ تدابير اكثر فعالية لحماية قواتها في سوريا ؟ أليس في هذه السياسة عقوق حيال سوريا ومهانة امام "اسرائيل"؟
ثانيها : روسيا كانت اتفقت مع ايران على تزويدها منظومة S-300، ثم ارجأت تسليمها بدعوى الرغبة في عدم عرقلة المفاوضات بشأن الإتفــاق النووي . لكنها عــادت وقررت تسليمها مع نجاح مفاوضات الإتفاق المذكور. وكانت مصادر موثوقة سّربت معلومات بأن ايران كثّفت جهودها التكنولوجيـــة وتمكّنت من تصنيع منظومة دفاع جوي معادلــة في فعاليتها لمنظومــة S-300 الروسية . ألا تولي هذه الواقعة سوريا ، كما حزب الله ، حق مطالبة الجمهورية الإسلامية بتزويدهما بضع بطاريات من هذه المنظومة في حال امتناع موسكو عن تسليم دمشق منظومة S-300 المتعاقَد عليها ؟ بل أليس من حق دمشق وحزب الله مطالبة طهران بتزويدهما بعضاً من بطاريات S-300 التي تسلمتها من روسيا لتمكينهما من الدفاع عن النفس ؟
ثالثها : أليس من حق الشعب في لبنان وسوريا مطالبة حزب الله (الذي بات "يمتلك من الصواريخ الدقيقة ما يمكّنه من ان يجعل العدو الاسرائيلي يواجه في حال الإعتداء على لبنان مصيراً لم يكن يتوقعه في يوم من الايام") بأن ينشر صواريخه المتطورة ، كما ما يكون حلفاؤه قد زودوه به من بطاريات S-300 او ما يعادلها ، في قرى منطقة القلمون الشرقي السورية (التي يقطن بعضها لبنانيون) كي يقوم بإعتراض الطائرات الإسرائيلية التي اعتادت قصف مواقع ومرافق في سوريا عبر اختراق سماء لبنان ؟
نعم ، كل هذه الوقائع والحقائق باتت ساطعة كعين الشمس وبات المطلوب اكثر سطوعاً : المباشرة في الرّد على الكيان الصهيوني بلا إبطاء كون اطراف محور المقاومة تمتلك من الصواريخ والأسلحة المتطورة "ما يجعل العدو الإسرائيلي يواجه ، في حال الاعتداء علينا ، مصيراً لم يتوقعه في يومٍ من الايام"...