ترامب "مشكلة اميركا الاولى " ...
نشرت بجريدة "البناء" و"الخليج"
تاريخ 8/9/2018
ترامب "مشكلة اميركا الاولى " ...
د. عصام نعمان
رفع دونالد ترامب في حملته الإنتخابية قبل سنتين شعار "اميركا اولا"، بمعنى ان مصالح اميركا يجب ان تأتي اولى قبل مصالح اصدقائها وحلفائها. بعد صدور كتاب الصحافي الاميركي الشهير بوب وودورد والمعلومات الصادمة التي كشفها ، اضحى ترامب نفسه مشكلة اميركا الاولى او ، في الاقل ، مشكلته مع وزرائه ومساعديه وموظفيه . ففي كتابه الجديد "خوف: ترامب في البيت الابيض" يكشف الصحافي الشهير ( الذي كان كشف فضيحة "ووترغيت" وتسبّب في عزل الرئيس الاميركي السابق ريتشارد يكسون) كثيراً من المعلومات المذهلة والمحرجة التي من شأنها تأجيج المطالبة بعزل ساكن البيت الابيض ، ربما بعد الفراغ من الإنتخابات الاميركية النصفية مطلعَ نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
يروي وودورد ان بعض تصرفات ترامب النزقة دفعت مساعديه المقربين الى اتخاذ اجراءات استثنائية في البيت الابيض لمحاولة وقف ما اعتبروا انه اندفاعات خطيرة الى درجة إخفاء اوراق من مكتبه لم يكونوا يريدونه ان يوقعها ! ويقدّم وودورد نظرةً غير مسبوقة من الداخل ومن خلال عيون حلقة اصدقاء ترامب المقربين تُظهر ان البيت الابيض يعاني خللاً وظيفياً . ولا يتوانى وودورد عن تفصيل كيف ازداد غضب مساعدين كبار لترامب وباتوا يشعرون بقلق متزايد من سلوكه غير المنتظم وجهله وميله الى الكذب.
هاكم عيّنة لافتة من توصيفات المساعدين الأقرب لرئيسهم :
-
كبير اركان موظفي البيت الابيض جون كيلي يصفه بأنه "ابله" و"معتوه" !
-
وزير الدفاع جيمس ماتيس قال إنه يتمتع بفهم تلميذ في الصف الخامس او السادس !
-
محاميه السابق جون دايفيد قال إنه "كاذب ارعن" وسينتهي "ببزة برتقالية" (موقوف)اذا ادلى بشهادته امام المحقق الخاص روبرت مولر.
-
بعد الإتهام الذي وجهته وسائل الإعلام الاميركية الى الرئيس بشار الأسد في ابريل/نيسان 2017 حول زعم استخدام جيشه سلاحاً كيميائياً في اشتباكات غوطة دمشق الشرقية، اتصل ترامب بوزير دفاعه ماتيس وأبلغه انه يريد اغتيال "هذا الديكتاتور" بقوله : "فلنفعل ذلك. فلنقتله . فلنقتل الكثيرين منهم ".
يقول وودورد إن ماتيس ردّ على رئيسه بأنه سيتحقق من مسألة استخدام السلاح الكيميائي . لكن بعد إقفاله الهاتف ، قال لأحد كبار مساعديه:" لن نقوم بشيء من هذا القبيل بل سنتخذ اجراءات محسوبة اكثر".
السؤال المطروح في واشنطن هذه الايام هو : الى متى سيثابر ترامب على مطالبة وزرائه ومساعديه بإتخاذ تدابير غير عقلانية ، وبالتالي الى متى سيثابر هؤلاء على تجاهل اوامره ؟ وفي هذه الحالة ، ماذا ستكون ردة فعله ؟
لا شك في ان نشر كتاب وودورد سيساعد كثيراً الحزب الديمقراطي المعارض على تقويض حملة الحزب الجمهوري الموالي الذي يصمت اركانه الآن ، على مضض ، لئلا يستفزون ترامب فيندفع الى اتخاذ مزيد من الاوامر والحماقات المسيئة للبلاد كما للجمهوريين .
بعيداً من المشهد الداخلي الاميركي ، ينتصب سؤال آخر شديد الحساسية : لو نفّذ وزير الدفاع الاميركي توجيهات رئيسه بقتل الرئيس السوري... هل كانت الامور لتقف عند حدّ اعتبار ما حصل "مجرد خطأ فني" قياساً على ما كانت تقوله قيادة "التحالف الدولي ضد الإرهاب" عندما كانت طائراتها توقع اصابات قاتلة بمدنيين سوريين على مقربةٍ من المواقع المستهدفة ؟ وهل كانت الدول الصديقة لاميركا لتتغاضى عن ذلك التبرير السخيف لتلك الفعلة النكراء ؟
هكذا يتضح ان ترامب لم يعد يشكّل مشكلة لبلاده فحسب بل مشكلة متفاقمة لأصدقاء بلاده ايضاً . ذلك بدوره يطرح اسئلة عدّة : اذا كان من الصعب ان يتمكّن خصوم ترامب داخل الولايات المتحدة من عزله في الفترة التي تفصل البلاد ، كما العالم ، عن موعد الإنتخابات الاميركية النصفية مطلعَ نوفمبر/تشرين الثاني القادم ، فماذا يستطيع اركان ادارته ، كما اركان الكونغرس ، فعله خلال هذه "الفترة الإنتقالية" للحدّ من تهوره ونزقه ؟ وماذا تراهم يفعلون ، كما قادة الدول الاخرى ، اذا لم يفز خصوم ترامب الديمقراطيون في الإنتخابات وبقي الجمهوريون مسيطرين على مجلسيّ الكونغرس (النواب والشيوخ) مع احتمال بقائهم ساكتين عمّا يمكن ان يفعله رئيسهم المتهور داخل البلاد وخارجها ؟
اسئلة خطيرة ومحرجة من الصعب ان تحظى بأجوبة مُقنعة في الحاضر والمستقبل المنظور.
في ضوء مفاجآت وشطحات وحماقات الرئيس الذي يصفه كبار مساعديه بأنه أبله ومعتوه ، يمكن القول ، بألم وحسرة ، إن العالم لم يمرّ في تاريخه المعاصر بأزمة وجودية كالتي يعانيها في الوقت الحاضر . ازمة تنعقد بطولتها البائسة لرجل واحد أحد اسمه دونالد ترامب !