نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 1/9/2018
نحو تفكيك الأزمة السورية ...
د. عصام نعمان
عشية اجتماع ممثلي الدول الاعضاء في "المجموعة المصغرة" بجنيف في 14 سبتمبر/ايلول الجاري للمداولة في شأن "اللجنة الدستورية " على طريق ايجاد حل للأزمة السورية ، ادلى وزير الدفاع الاميركي الجنرال جيمس ماتيس بتصريح لافت . قال : "إن للولايات المتحدة في سوريا 2000 جندي من اجل تدريب 50000 مقاتل كردي".
من المفترض ان تكون الغاية من تدريب هؤلاء المقاتلين الكرد مواجهة التنظيمات الإرهابية التي كانت تنشط في المناطق السورية شرق نهر الفرات حيث يتواجد السكان الكرد السوريون . غير ان تركيا توجست خيفة من تكامل هذا "الجيش الكردي" وتعاونه مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي داخل تركيا وعلى طول حدودها مع سوريا ، فقامت بشن حربٍ على المقاتلين الكرد السوريين في منطقة عفرين الحدودية وهددت بمدّ سيطرتها الى مناطق تواجد الكرد المحظيين بحماية القوات الاميركية شرق الفرات.
من المفترض ايضاً ألاّ تكون الغاية من تدريب هؤلاء المقاتلين الكرد محاربة الجيش السوري لأن الولايات المتحدة بررت إدخال قواتها الى تلك المناطق من دون استئذان الحكومة السورية بأن الغاية من ذلك مساعدتهم على محاربة التنظيمات الإرهابية الغازية.
ادرك الكرد السوريون المساندون لـ ِ "قوات سوريا الديمقراطية- قسد" ان تفاهم اميركا وتركيا على التعاون في شمال سوريا وشمالها الشرقي يحول دون تحقيق اي مكاسب جغرافية لهم في وجه حكومتي انقرة ودمشق . لذا قام وفد برئاسة احد زعيمي الحزب الديمقراطي الكردي السوري بزيارة العاصمة السورية والتفاوض مع مسؤوليها من اجل التوصل الى حلٍ للأزمة السورية يمكّن الكرد السوريين من الحصول على ما يطالبون به من حقوق.
هكذا يتضح ان توصل الأطراف المتصارعين في مفاوضات جنيف الى تسوية سياسية بشأن الازمة السورية يلغي اي مبرر لبقاء القوات الاميركية او غيرها في سوريا اذ يُفترض ان تكون التسوية العتيدة قد انطوت على اتفاقات حول القضايا الآتية :
- ايجاد اسس سياسية لإنهاء الأزمة السورية بإستجابة مطالب اطرافها المتصارعين ومنهم الكرد السوريون الامر الذي تنتفي معه اية حاجة لمساعدتهم من قِبل القوات الاميركية او غيرها .
- ايجاد اسس لتسوية الخلافات العالقة بين سوريا وتركيا الامر الذي تنتفي معه اية حاجة لبقاء القوات الـتركية داخل سوريا بدعوى العمل لمنع الكرد من إقامة كيان مستقل في شمال شرق البلاد.
- التفاهم بين جميع الأطراف المحلية والاقليمية على منع التنظيمات الإرهابية من استعادة وجودها او نشاطها المسلح في سوريا والعراق الامر الذي يستوجب إجلاء جميع القوات الاجنبية المتواجدة في سوريا (والعراق) ولاسيما تلك التي لم تستأذن الحكومة السورية في دخول البلاد.
يتحصّل من هذه الترتيبات ، خصوصاً في حال استكمالها ، ان مفتاح تفكيك الأزمة السورية يكمن في مباشرة مفاوضات جنيف التي دعا اليها المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا بغية التوصل الى تسويةٍ سياسية مقبولة تكون من ضمنها الاسس سالفة الذكر . وعليه ، فإن اي تحرك او تدبير منافٍ للأسس المذكورة اعلاه لا يعني في الواقع ولا يؤدي تالياً إلاّ الى اطالة امد الحرب في سوريا وعليها لأغراض لا تخدم ايٍّ من الأطراف السوريين بل تخدم اغراض اطرافٍ اقليمية ودولية طامعة.
قد يقول قائل إن "اسرائيل" ، المتحالفة مع الولايات المتحدة ، لها مصلحة في عدم التوصل الى تسوية للأزمة السورية وذلك كي يبقى الصراع بين اميركا وايران قائماً على أوسع نطاق ممكن ، ولاسيما على الساحة السورية حيث لإيران وحلفائها من تنظيمات المقاومة وجود ودور.
مواجهة هذا التحدي الإسرائيلي تكون بالحرص على استكمال تسوية الازمة السورية ، ذلك ان من شأن إنهاء اي وجود او نشاط للتنظيمات الإرهابية إلغاء حاجة سوريا الى ايّ مساعدة خارحية وبالتالي إنتفاء الحاجة الى بقاء أي مبرر لأي طرف اجنبي للإحتفاظ بقوة عسكرية على الاراضي السورية.
هل من خيار آخر لتفكيك الازمة السورية سلمياً ؟