نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 27/8/2018
نحو مقاربة مغايرة :
مِن تحجيم دور ايران في سوريا
الى إنهاء دور "اسرائيل" ؟...
د. عصام نعمان
الواقعات الجيوسياسية في سوريا هي على النحو الآتي:
"اسرائيل" تحتل الجولان السوري منذ العام 1967 ، والولايات المتحدة تحتل مناطق سورية واسعة في الجنوب الشرقي (التنف) وفي الشمال الشرقي (الرقة والحسكة) منذ العام 2016.
"اسرائيل" ضمّت الجولان اليها وترفض تالياً الإنسحاب منه بل تطالب الولايات المتحدة بالإعتراف بشرعية واقعة الضمّ .
الولايات المتحدة ترفض الإنسحاب من مناطق احتلالها في سوريا ، مبرّرةً بقاءها بأنه لضمان هزيمة "داعش" في بلاد الشام وبلاد الرافدن.
"اسرائيل" متخوّفة من وجود ايران في سوريا وتعتبر استمراره تهديداً لأمنها القومي ، وتطالب تالياً بسحبه (مع تشكيلات حزب الله المقاوِمة للإرهاب) من جميع انحاء البلاد.
الولايات المتحدة اختارت ، بعد إنسحابها من الإتفاق النووي ، ان تضغط على ايران وان تستنزفها في الساحة السورية بواسطة "اسرائيل" . سوريا وقوى المقاومة ردّت على اعدائها الناشطين ضدها بتحرير غوطة دمشق الشرقية ثم مناطق جنوبها الغربي بمحاذاة الجولان المحتل ، واخذت تُعدّ العدّة لتحرير محافظة ادلب حيث السيطرة لجبهة "النصرة" والفصائل الموالية لتركيا.
تحسّبت "اسرائيل" لمخاطر نجاح الجيش السوري في ادلب وتداعيات استعادته وحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني وانعكاساته على موازين القوى الاقليمية ، فحرّضت الولايات المتحدة على مضاعفة ضغوطها على ايران وحلفائها . وكعادتها، استجابت ادارة ترامب (ومعها حكومتا فرنسا وبريطانيا) بتهديد سوريا علناً بضربة ثأرية إن هي لجأت الى استعمال السلاح الكيميائي ضد اعدائها في ادلب.
سوريا (بدعمٍ من روسيا وايران والمقاومة) تجاهلت هذا التهديد وتابعت استعداداتها لتحرير ادلب الامر الذي حمل ترامب على ايفاد مستشاره للامن القومي جون بولتن الى" اسرائيل" لمناقشة طرائق المواجهة، كما الى جنيف للتباحث مع سكرتير مجلس الامن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف في مسألة الضغط لسحب الوجود الإيراني من سوريا مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الاميركية عن روسيا.
باتروشيف صارح بولتن بعدم قدرة بلاده على حمل ايران على الإنسحاب من سوريا. فهي هناك بطلب من سوريا ، ولا يمكن إخراجها إلاّ بموافقة الدولة التي أذنت لها بالدخول.
اوساط اسرائيلية واميركية اشاعت بأن روسيا عرضت على اميركا تحجيم الوجود الإيراني في سوريا بحمل طهران على التراجع بقواتها مسافة 85 كيلومتراً عن "اسرائيل" (اي عن حدود فلسطين المحتلة) وان تل ابيب رفضت العرض.
ناطقة بإسم الخارجية الروسية كذّبت مداورةً المزاعم الإسرائيلية والاميركية عن العرض سالف الذكر بدعوتها الولايات المتحدة الى سحب قواتها من سوريا كون دخولها ووجودها لم ولا يحظيان بموافقة الحكومة السورية.
إنه حقاً لمشهد (وحوار) عجيب غريب : دولة ، هي الولايات المتحدة، تحتل اراضٍ سورية وتُطالبُ دولةً اخرى ، ايران ، كانت استأذنت سوريا بتوضيع بعض مستشاريها ومعداتها في مواقع محددة في اراضيها ، بالانسحاب منها بدعوى ان وجودها يهدد امن دولة اخرى ، "اسرائيل"، كانت احتلت ، وما زالت ، ارضاً سورية !
الأغرب والأعجب هو العرض الروسي في حال ثبوت صحته : أن تنسحب القوات الإيرانية عشرات الكيلومترات عن تخوم الجولان السوري الذي تحتله "اسرائيل" مقابل وعد اميركي برفع العقوبات عن روسيا !
أيّاً ما كان العرض والعارض ، فإن الحاضر ينطق بحقيقةٍ نافرة: "اسرائيل" متمسكة بإحتلالها الجولان واميركا متمسكة بإحتلالها مناطق سورية ، وكلاهما يهدد سوريا بإطالة أمد الحرب فيها وعليها التي ما زالت دائرة في شرقها وغربها . فوق ذلك ، تقوم اميركا بإعادة تسليح وتجهيز مقاتلي "داعش" في سوريا والعراق ، كما تُعدّ عناصر جبهة "النصرة" و"الخوذ البيضاء" في ادلب لتكرار مسرحية استعمال السلاح الكيميائي واتهام الجيش السوري بذلك تمهيداً للرد بضرب مواقع سورية حسّاسة.
أما آن الآوان للخروج من هذه الدوامة ؟
ارى ان ثمة مقاربةً ، وبالتالي قراراً ، من شأنه رد كيد اميركا و"اسرائيل" الى نحرهما. ذلك ان "اسرائيل" هي التي تقف وراء كل هذا الصَلَف الاميركي ضد ايران وروسيا، وهي التي تطالب بإقصاء ايران وقوى المقاومة عن سوريا ، كما تحرّض اميركا على قصف مواقع ومؤسسات سورية بدعوى الإقتصاص منها لإستعمالها الاسلاح الكيميائي. اما وان الامر كذلك ، فلماذا لا تحزم القيادة الروسية امرها فتقرر تنفيذ قرار قديم لها بتزويد سوريا منظومة دفاع جوي من طراز S-300 ؟ بل لماذا لا تزوّدها دونما إبطاء منظومة S-400 كالتي سلّمتها لتركيا ؟
لم تخشَ روسيا اميركا ولا حلف "الناتو" ولم تراعهما عندما قررت تزويد تركيا ، العضو في "الناتو" ، منظومة S-400 . فهل يعقل ان تخشى روسيا "اسرائيل" او اميركا اذا ما قررت تزويد حليفتها سوريا التي تحتضن قواعد جوية روسية في حميميم واخرى بحرية في طرطوس، بمنظومة دفاع جوي كالتي في ايدي الأتراك ؟
إن مجرد اعلان موسكو قرارها بالإفــراج بلا إبطــاء عن منظومــة S-400 لسوريا كافٍ بحدِّ ذاته لحمل "اسرائيل" ومعها اميركا على التراجع عن سياسة العربدة في سماء سوريا وعلى ارضها. ذلك ان تل ابيب تعلم علم اليقين ان وجود هذه المنظومة المتطورة عالية الكفاءة بين ايدي السوريين كافٍ لإلغاء دور سلاح الجو الإسرائيلي في اجواء سوريا ولبنان والعراق بل لتجذير وجود ايران في سوريا وجعله بمأمن من ايّ تعدٍّ صهيوني ، وبالتالي لتحجيم دور"اسرائيل" في المنطقة .
هذه الحقائق تعلمها روسيا ، فلماذا تتردد وتُحجم ؟