جريدة :الخليج،
الامارات العربية المتحدة ، تاريخ 15/3/2014
"يهودية الدولة" : إسقاط الحق في القدس والعودة
د. عصام نعمان
ينطوي شعار" يهودية الدولة" لدى الصهاينة على مدلولات عدّة ، لعل اصرحها واخطرها اعتراف الفلسطينيين والعرب والعالم بأن "اسرائيل دولة الشعب اليهودي" هذا يعني انها وقف على اليهود دون غيرهم ، وان اليهودية هي هوية الدولة ومواطنيها اما غير اليهود فيمكن ان يكونوا مجرد اشخاص مقيمين في الدولة اليهودية حتى لو أعطي غير اليهودي صفة المواطنة في الدولة اليهودية فإنه يكتسب تابعيتها وليس هويتها وسيكون من "حق " الدولة، في نظر الصهاينة ، اسقاط مواطنها غير اليهودي من تابعيته للدولة اليهودية لأسباب امنية او لتسهيل عملية تبادلية يجري بموجبها "مقايضة" عرب يهود بعرب فلسطينيين
لـِ "يهودية الدولة" ، على المدى الطويل ، مفاعيل اخرى أشد خطورة فهي تعني ، بل تتطلب ، إلغاء حق العودة ذلك ان مجرد إقرار السلطة الفلسطينية بأن "اسرائيل" هي دولة "الشعب اليهودي" فإن ذلك يعطيها "الحق" بأن تبقى وقفاً على هذا الشعب وبالتالي منع شعب آخر من تعطيل هذا الحق بإنكار حقه في ارضه ووطنه
تزداد حاجة "اسرائيل" الى التهويد مع تعاظم نسبة توالد العرب الفلسطينيين في الاراضي المحتلة العام 1948 كما في سائر اراضي فلسطين التاريخية فمن دراسة اعدها الخبير الإسرائيلي الاختصاصي في موضوع القدس والاماكن المقدسة شموئيل كوفيتس (صحيفة "هآرتس" 10/3/2014) يتضح "ان الفلسطينيين يشكّلون 36 في المئة من سكان القدس (الكبرى) الذين يبلغ عددهم 815300 شخص (سنة 2012) وبالإستناد الى توقعات الخبراء ، فإن العرب في سنة 2020 سيشكلون نصف سكان المدينة"
كيف يفكر الصهاينة في مواجهة التكاثر الديمغرافي العربي؟
يقترح الخبير كوفيتس انه " يجب عدم التنازل عن السيادة الإسرائيلية على جميع الاحياء العربية في القدس الشرقية لأسباب امنية خالصة ولكونها مندمجة مع الاحياء اليهودية ، لكن يمكن التنازل عن جزء من هذه الأحياء ، سواء لإعتبارات امنية او ديمغرافية ، مثل حي راس خميس وقرية عقب ومخيم شعفاط للاجئين لهذا السبب لا شيء يمنع ان يقيم الفلسطينيون هناك عاصمة دولتهم العتيدة "
الصهاينة المتطرفون يرفضون هذه الإقتراحات التسووية زعيم هؤلاء هو بنيامين نتنياهو تحديداً فقد نشرت صحيفة "هآرتس" قبل شهر انه شدد امام وزرائه من حزب "الليكود" وشخصيات اخرى في الجهاز السياسي على انه لن يوقع "اتفاق اطار" يأتي ولو بصورة عامة على ذكر عاصمة فلسطينية على اراضي مقدسة حتى لو ادى ذلك الى تفجير المفاوضات
لا يكتفي نتنياهو بالتشديد على عدم تقديم اي تنازل بشأن القدس بل يدعم تشدده بالقول علناً إن لا مجال لأي " اتفاق اطار" ما لم يتخلَ الفلسطينيون نهائياً عن حق العودة اكثر من ذلك ، يثابر نتنياهو على التأكيد بأنه لم يعطِ الرئيس اوباما اي وعد بوقف الإستيطان يوماً واحداً
لماذا يحرص المسؤولون الإسرائيليون ، اذاً ، على القول إن "اسرائيل" ترغب في متابعة المفاوضات الى ان تتوصل مع الفلسطينيين الى "اتفاق اطار" ؟
الجواب : كي يستدرجوا المسؤولين الفلسطينيين الى تقديم المزيد من التنازلات فوق تلك التي تبرعوا بها في اتفاقات اوسلو العام 1993 ، بغية "إغراء" "اسرائيل" بالموافقة على "اتفاق اطار" اكثر مراعاة لحقوقهم
يبدو ان هذه السياسة الإسرائيلية الخبيثة قد فعلت فعلها واخذت تعطي ثمارها ها هو الرئيس محمود عباس يقترح مخرجاً للخروج من مأزق الإعتراف بـِ "يهودية الدولة " بقوله إن بإستطاعة "اسرائيل" ان تسمي نفسها دولة "يهودية" ، وان الفلسطينيين يمكن ان يعترفوا بهذه الصفة التي تعطيها لنفسها شريطة ان تعترف بها جامعة الدول العربية والامم المتحدة !
كذلك يُنسب الى الرئيس ابو مازن اقتراحٌ بإيجاد مخرج من مسألة حق العودة يقوم على اساس التوصل مع "اسرائيل" الى تسوية بشأن حق العودة قوامه ان يُترك الامر للفلسطينيين انفسهم ، فقد يختار البعض عدم العودة مقابل تعويضات يتقاضاها لقاء تنازله هذا ، وقد يختار البعض الآخر العودة ضمن حدود دنيا يُتفق بشأنها مع المسؤولين الإسرائيليين ، شريطة توقيع اتفاق نهائي لتسوية قضية فلسطين بكل جوانبها
اذ يستمر بعض المسؤولين الفلسطينيين في التسوّق من بازار التنازلات المتدرجة، يثابر المسؤولون الإسرائيليون على ابتزازهم والضغط عليهم تارة واغرائهم ببعض التسويات الملتبسة تارة اخرى في وقت تستمر "اسرائيل" في قضم الارض واقتلاع اشجار الزيتون ، وقصف المخيمات والمنازل ، واقتناص القادة والكوادر الفاعلة ، وتقطيع اوصال الضفة الغربية ، والتجّذر في اغوار الاردن
كل ذلك والفسطينيون متروكون لمصيرهم وسط انشغال سائر العرب بأنفسهم وانحدارهم ، بلا هوادة ، من حال التجزئة الى مزيد من الفُرقة والشرذمة والإنحطاط