نشرت في جريدة"البناء " و"الخليج"
تاريخ 4/8/2018
المفاوضة لا تعني المصالحة
ترامب يزجّ ايران في الإنتخابات الاميركية ؟
د. عصام نعمان
دونالد ترامب مولع بالإثارة . فهي تسلّط الأضواء وتجتذب الدعاية ، وترامب مولع بالدعاية لنفسه.
الإثارة قنبلة ، صاعقها المفأجاة . ترامب فجّر قنبلته الدعاوية الاخيرة بالضغط على صاعق الإعلان عن استعداده لمفاوضة ايران بلا شروط مسبقة . الجميع أُخذ على حين غرة. صحيح ان للرجل سوابق من هذا الطراز ليس أقلّها مفاجأة لقاء ومفاوضة الرفيق كيم ، رئيس كوريا الشمالية، لكن احداً لم يتوقع ان يبلغ "الجنون" لدى الرئيس الاميركي المترع بعدائه للجمهورية الإسلامية حدّ دعوتها الى التفاوض معه دونما شروط .
اللافت ان وزير خارجيته المتشدد مايك بامبيو كان اعلن عن إثني عشر شرطاً يقتضي ان تفي بها طهران لتتقبل واشنطن مبدأ التفاوض معها. بامبيو رحّب ، بطبيعة الحال ، بإعلان رئيسه المفاجيء حول مفاوضة ايران ، لكنه لم يتخلَ عن شروطه المسبقة إزاءها ما يعني ان المفاوضة ، في مفهومه كما في مفهوم رئيسه ، لا تعني بالضرورة المصالحة.
لماذا فعلها ترامب ؟
ثمة تفسيرات واجتهادات متعددة في اميركا وايران والعالم حول هذه الأُحجية.
في الولايات المتحدة ، التفسير الرائج ان ترامب فعلها لسببين : الاول، ليظهر امام الرأي العام الاميركي ، عشية الإنتخابات النصفية في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل ، بمظهر "رجل الدولة المسالم" الأمر الذي يعزز فرص المرشحين من حزبه الجمهوري بالنجاح . الثاني ، ان رفض ايران مصافحة يده الممدودة اليها - وهذا هو المرجّح - من شأنه ان يعزز، في رأيه ، موقف الولايات المتحدة عالمياً ويسيء الى الجمهورية الإسلامية داخلياً وخارجياً.
في ايران ، اطلق اعلان ترامب التفاوضي مباراة متمادية في ردود الفعل لدى قيادات الدولة والحرس الثوري . معظم ردود الفعل كان سلبياً ، قاسمها المشرتك عدم الثقة بالولايات المتحدة عموماً وبترامب خصوصاً ، وأعنفها موقف قائد الحرس الثوري الايراني ، الجنرال محمد علي جعفري، القائل: "ايران ليست كوريا الشمالية كي تقبل عرضك عقد اجتماع (...) حتى رؤساء الولايات المتحدة الذين سيأتون بعدك لن يروا هذا اليوم"!
في العالم ، لم يُخفِ الساسة والإعلاميون المعنيون بملف العلاقات الاميركية - الإيرانية شعورهم بالمفاجأة ، لكن احداً لم يستهجن مبادرة ترامب وإن لم ينتظر لها نجاحاً. في عالم العرب والمسلمين ، لا اصدقاء ايران ولا خصومها "قبضوا" مبادرة ترامب جدّياً ، ولعل بين خصومها من استهجن فعلة الرئيس الاميركي وسَرّه انها لم تلقَ ترحيباً في طهران.
ماذا في المحصلة ؟
ثمة رأي في ايران كما لدى المراقبين ومتابعي مشهد العلاقات الاميركية – الايرانية مفاده ان طهران لم ترفض مبدأ التفاوض مع اميركا انما رفضت مبادرة ترامب المفتقرة الى اي ضمانات بشأن استعداد واشنطن لتغيير موقفها العدائي من ايران عموماً ومن الإتفاق النووي خصوصاً بعدما ألغته من جانب واحد بالرغم من كونه اتفاقاً متعدد الأطراف وسبق لمجلس الامن الدولي ان اقره بإجماع أعضائه .
في هذا المناخ المائل قليلاً نحو الإيجابية ، تَرَدَد بقوة ان سلطنة عمان، بشخص السلطان قابوس ، تنوي القيام بدور الوسيط النشيط بين واشنطن وطهران من اجل تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر بين الطرفين اللذين تربطهما بها علاقات ومصالح مشتركة.
أيا ما سيكون مصير الوساطة العمانية ، فإن كِلا الطرفين غير منزعج مما ستؤول اليه مبادرة ترامب . فالرئيس الاميركي وحزبه الجمهوري سيستغلانها لتعزيز حظوظ مرشحيهم في الإنتخابات النصفية القادمة ، وايران ستحرص على المضي في القول إن ترامب ما كان ليعلن استعداده لمفاوضتها لولا اقتناعه ، بأنه أخطأ بإعلانه الإنسحاب من الإتفاق النووي ما ادّى الى إغضاب اصدقائه وحلفائه ، ولا سيما الاوروبيين منهم ، الذين وجدوا ويجدون في إلغاء الإتفاق اساءة الى التعاون بين الدول في ميدانيّ السياسة والاقتصاد ، كذلك إساءة الى العلاقات التجارية والإقتصادية بين مختلف دول العالم وايران ، ولاسيما منها دول الاتحاد الاوروبي.
غير ان اهم ما يمكن ان ينجم عن مبادرة ترامب نشؤ مناخ من التعاطي السياسي والديبلوماسي "السلمي" في العالم يساعد في جعل الحوار والتفاوض بديلاً من الشحن الإعلامي والعنف العسكري.
متى مفاجأة ترامب المقبلة ؟