نشرت بجريدة " البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 16/7/2018
ايران والمقاومة باقيتان في سوريا
وروسيا في ايران لإعمارها بمئة مليار دولار ؟
د. عصام نعمان
طار بنيامين نتنياهو الى موسكو ليقنع فلاديمير بوتن بإبعاد ايران عن سوريا في مقابل إلغاء العقوبات الاميركية على روسيا. مهمة نتنياهو تلك اجمعت على تأكيدها وسائل الإعلام الإسرائيلية لكن بعضها ، ولاسيما "هآرتس" (2018/9/11)، زعم ان موسكو اوضحت لتل ابيب في مناسبات عدّة ان اقصى ما تستطيع عمله هو إنسحابٌ للقوات الإيرانية والفصائل المتعاونة معها ، بمن فيها حزب الله ، من الحدود مع اسرائيل في الجولان المحتل ، لكن ليس في مقدورها إجبار ايران على مغادرة الساحة السورية.
في موسكو اكّد الرئيس الروسي لرئيس الحكومة الإسرائيلي عدم قدرة بلاده ، وربما عدم رغبتها ايضاً ، في مطالبة ايران بمغادرة سوريا. في زيارته الثالثة لموسكو بغضون نصف سنة وقبل ثلاثة ايام من وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب اليها للقاء بوتن ، تبلّغ نتنياهو امراً آخر أشد مدعاة للخيبة هو رفض الرئيس الروسي عرضه المريب بإبعاد ايران عن سوريا لقاء إلغاء العقوبات الاميركية على بلاده.
اذ عاد نتنياهو خالي الوفاض من موسكو ، لم يتورّع مسؤول اسرائيلي كبير عن التصريح ، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" (2018/7/12) القريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية ، بأنه "حثّ موسكو على تشجيع القوات الإيرانية على الخروج من سوريا" كأنما طهران راغبة في المغادرة ولا ينقصها إلاّ مَن يشجعها على ذلك !
غير ان نتنياهو كما ترامب لم ينتظرا طويلاً لمعرفة حقيقة موقف روسيا من هجمتهما المتصاعدة على ايران وسوريا والمقاومة. ذلك ان مبعوث المرشد الاعلى الإيراني السيد علي خامنئي ومستشاره للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي صرّح فور خروجه من اجتماعٍ مع بوتن استمر ساعتين : "الاجتماع كان بنّاء جداً وواضحاً والعلاقات بين ايران وروسيا ترسّخت وستشهد المزيد من التطور مستقبلاً ".
المؤشر الابرز على نجاح اللقاء هو اشارة ولايتي الى ان المحادثات تطرقت الى ترفيع التعاون النفطي بين البلدين اذ استعرض بوتن امام المبعوث الإيراني إحصائيات مفادها ان التعاون في مجال النفط يمكن رفعه الى 50 مليار دولار بشكل استثمارات روسية جديدة ، وهو رقم اعتبره ولايتي ان بإمكانه "تعويض ايران مساهمات الشركات التي غادرت البلاد هرباً من العقوبات الاميركية". اكثر من ذلك ، وسائل اعلام قريبة من طهران اكدت ان مئة مليار دولار هي حجم الإستثمارات الروسية التي يدور الحديث عن توزيعها مناصفةً بين قطاعيّ النفط وسكك الحديد الإيرانيين ، كما ستشجع موسكو الصين على ان تحذو حذوها ، وتساعد على تفاهمات نفطية مع كلٍّ من الهند وباكستان بعد انضماهما الى منظمة شانغهاي . الى ذلك كله ، لا تغيير في موقف موسكو من وجود ايران في سوريا الامر الذي حمل ولايتي على القول بثقة : "إن ايران لم تأتِ الى سوريا بطلب من اميركا حتى تخرج بطلبٍ منها (...) المطلوب خروج اميركا بقواتها من الشرق الاوسط وإلاّ سيجري إجبارها على ذلك ".
ما سرّ هذا التعاون الوثيق بين روسيا وايران ؟
ثمة اسباب عدة ابرزها ثلاثة :
اولها ، ان البلدين يشعران بأنهما مستهدفان مباشرةً من اميركا على المستويين الاقليمي والدولي ما يستوجب التنسيق بينهما لمواجهة التحدي المشترك.
ثانيها، ان اميركا واسرائيل تدعمان مختلف التنظيمات الإرهابية لمحاربة روسيا وايران في عقر دارهما كما في ساحات اقليمية تقوم فيها حكومات وتنظيمات مقاومة متعاونة معهما كسوريا والعراق ولبنان وفلسطين . هذا بالإضافة الى وجود قواعد عسكرية لروسيا في سوريا منذ اكثر من نصف قرن لها دورها في حماية مصالحها ونفوذها في غرب آسيا.
ثالثها ، ان العقوبات الاميركية على كلٍّ من روسيا وايران تشكّل في الواقع "نعمة" لكليهما. ذلك انها تمنح روسيا فرصاً ومكاسب ثمينة لقاء المشاركة في مشروعات الإعمار والتنمية في ايران وسوريا اللتين تتعرضان لعقوبات اميركية قاسية تحول دون حصولهما على الرساميل والقروض والمساعدات اللازمة في هذا المجال .
الى ذلك ، ثمة هدف استراتيجي بالغ الاهمية الاقتصادية تتطلع كلٌ من روسيا وايران وسوريا الى تحقيقه وهو يتطلب تنسيقاً وتعاوناً بينها. إنه الحرص على ان تبقى اوروبا المستورد الوحيد او ، في الأقل ، السوق الرئيسة للغاز الروسي كما الإيراني والسوري والعراقي واللبناني في قابل الايام. فالولايات المتحدة تسعى الى ان تصبح المورّد الوحيد او الرئيس للغاز الذي تفتقر اليه اوروبا. لكن الغاز الاميركي اكثر كلفة من الغاز الروسي ما يجعل اوروبا اكثر اهتماماً وحرصاً على تأمين حاجاتها الغازية من روسيا ودول غرب آسيا الأقرب اليها.
لهذا السبب حرصت موسكو على تحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع انقرة والعمل على اجتذابها بعيداً من اميركا وحلف شمال الاطلسي لأن تركيا تشكّل ، بموقعها الجغرافي الإستراتيجي ، ملتقى خطوط نقل الغاز ومدخلها الى اوروبا في آن. فخطوط الغاز الممتدة من روسيا (ولاحقاً من ايران والعراق وسوريا ولبنان وربما من مصر ايضاً ) تلتقي في تركيا وتتوزع منها الى شتى دول اوروبا المتعطشة لهذه المادة الاساسية لصناعاتها ومختلف اغراضها الحياتية . في منظور حاجتها الإستراتيجية لتركيا ، سعت موسكو الى تطوير علاقاتها معها فأبرمت اتفاقاً لتزويدها منظومة دفاعٍ جوي متطورة من طراز S-400 رغم كونها ، اي تركيا ، عضواً في حلف شمال الأطلسي المناوىء لروسيا.
اسرائيل متضررة جداً من التعاون الروسي-الإيراني-السوري المرشح ليصبح تحالفاً . فتقارب روسيا وتركيا وتعاونهما الإقتصادي ، ولاسيما على صعيد نقل الغاز وتوريده الى اوروبا ، يقلّل من فرص نقل الغاز الإسرائيلي عبر انبوب تحت مياه البحر من اسرائيل الى تركيا. وقد جاء في دراسة اقتصادية لخبيرين في معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي ("مباط عال" 2018/7/10) ان طلب السوق التركية على استيراد الغاز الطبيعي سيزداد بصورة كبيرة في السنوات المقبلة من 55 مليار متر مكعب في سنة 2017 الى نحو 75 مليار متر مكعب في سنة 2025 ، وان بإمكان روسيا توفير اكثر من نصف هذه الكمية ، بالاضافة الى 20 في المئة منها توفرها ايران. كما ان دولاً اخرى كالعراق ستنافس غيرها على خُمس هذه الكمية . لكن الدراسة لم تذكر امكانية دخول سوريا ولبنان ميدان المنافسة ايضاً ، وهي امكانية واقعية.
يتحصّل من مجمل هذه المعطيات والتطورات ان ايران والمقاومة باقيتان في سوريا وكذلك روسيا ، وان الدول الثلاث تخطط لمزيد من التعاون والتحالف فيما بينها لمواجهة اميركا واسرائيل...