نشرت بجريدة "البناء" والقدس العربي"
تاريخ 2-7-2018
في فلسطين وسوريا
باب التسوية مغلق في وجه اسرائيل
د. عصام نعمان
اوفد دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر ومستشاره جيسون غرينبلات الى تل ابيب والقاهرة والرياض وعمان لوضع اللمسات الاخيرة على "صفقة القرن". محمود عباس رفض مقابلة الموفدين الاميركيين لأن لا جدوى من ذلك بعدما عطّلت واشنطن دورها كوسيط بموافقتها على ان تكون القدس عاصمةً لإسرائيل .
الصفقة باتت جاهزة بحسب كوشنر ، وهي تتضمن وفق ما جاء في صحيفة "هآرتس" (2018/6/27) النقاط الآتية :
-
تكون "ابوديس" عاصمة الدولة الفلسطينية المكوّنة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
-
نقل الإشراف على الاماكن المقدسة في القدس من الاردن الى السعودية في حال امتنع الملك عبدالله الثاني عن إعتماد الصفقة.
-
الى ان يرحل محمود عباس عن هذه الدنيا ، يُصار الى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لإنشاء حكم ذاتي منفصل فيه.
-
عدم المسّ بالمستوطنات (المستعمرات) الصهيونية في الضفة الغربية، مع امكانية تبادل الآراضي بين الطرفين.
-
الإشارة الى سلسلة القرارات والتصريحات السابقة كمبادرة السلام العربية ، وقراري مجلس الامن 242 و 338 ، وخرائط الطرق التنفيذية ، لإعتمادها مرجعية لأي اتفاق مستقبلي.
من المنطقي ان يمتنع عباس عن المشاركة في مفاوضات من اجل صفقة لا تعطيه ، رغم تنازلاته المتكررة ، شيئاً ذا قيمة . لذلك استشاط كوشنر غضباً لموقفه واطلق تهديداً فارغاً : "اذا لم يعد عباس الى طاولة المفاوضات ، فسنُخرج خطتنا الى العلن"! عباس ، وغيره كثيرون ، يعرفون مضمون الخطة ، أي الصفقة ، وتفاصيلها ولا يمكنهم الموافقة عليها، ولا يجدون تالياً جدوى من العودة الى طاولة المفاوضات .
ربما تأكد كوشنر اخيراً ما سبق لمسؤولي الكيان الصهيوني ان استخلصوه وهو ان لا شريك فلسطينياً في التسوية التي يريدونها للقضية الفلسطينية . اجل ، لا يمكن لأي فلسطيني يحترم نفسه ويحترم ارادة شعبه ان يقبل بأي تسوية للصراع تنطوي على تصفيةٍ للقضية.
موقف قادة سوريا مماثل لموقف قادة فلسطين ، ولاسيما بعد حرب1973. فقد عرض المسؤولون الاميركيون صيغاً شتّى على سوريا لتسوية صراعها مع اسرائيل قوبلت برفض متواصل من الرئيس الراحل حافظ الاسد كما من خلفه الرئيس بشار كونها انطوت دائماً على اغتصاب لحقوق سوريا في ارضها ومياهها وعلى تصفيةٍ لقضية فلسطين.
حاولت اميركا واسرائيل وحلفاؤهما الاقليميون ليّ ذراع سوريا من خلال تسليط تنظيمات الإرهاب التكفيري عليها والسيطرة على مساحات واسعة من ترابها الوطني. غير ان صمود سوريا ، قيادةً وجيشاً وشعباً ، وقيام ايران وروسيا وقوى المقاومة العربية بدعمها مكّنها من تحرير معظم تلك المساحات وصولاً الى مناطقها الجنوبية المحاذية للجولان السوري المحتل . هذا التطور الميداني اللافت قضّ مضاجع قادة اسرائيل وحملهم على مطالبة اميركا وروسيا بالضغط على ايران لسحب قواتها من سوريا. روسيا رفضت الإنسياق فيما حاولت اميركا مساومة سوريا بإبداء استعدادها لسحب قواتها من شرق سوريا وشمالها الشرقي مقابل قيام دمشق بمطالبة ايران بسحب قواتها من اراضيها. سوريا لم تكتفِ بالرفض بل بادرت ايضاً الى شنّ حملة سريعة وناجحة لتحرير ما تبقّى من مناطقها الواقعة تحت سيطرة تنظيمات مسلحة مدعومة من العدو الصهيواميركي.
اميركا كما اسرائيل ادركت ان لا وجود لشريك سوري في التسوية التي عرضتها ، فكان ان اوفد ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون الى موسكو للتفاهم مع فلاديمير بوتن على لقاء في هلنسكي في 16 تموز/يوليو القادم للبحث في "واقع العلاقات بينهما وآفاق تطويرها".
ما جدول اعمال اللقاء المنتظر ؟
لعلهما سيبحثان في كل المسائل التي تتسبّب بتوتر واحتكاك بينهما على مستوى العالم ، ولاسيما في غرب آسيا وعلى وجه الخصوص في منطقة الهلال الخصيب او الكئيب الممتد من الشواطيء الشرقية للبحر المتوسط الى الشواطيء الشمالية للخليج . ترامب تهمّه مصالح بلاده بطبيعة الحال ، لكن تهمه ايضاً ، وربما بالأهمية ذاتها ، مصالح اسرائيل . سوريا تدرك ذلك ، وكان سبق لحافظ الاسد ان واجه المسؤولين الاميركيين الذين حاولوا مساومته في اعقاب حرب 1973 بموقفٍ اصبح قاعدة ذهبية في نظرة سوريا الى اميركا : "لا سياسة لاميركا في الشرق الاوسط بل سياسة لإسرائيل تنفذها اميركا".
همُّ اسرائيل في المرحلة الراهنة إخراج ايران من سوريا في سياق السياسة الصهيواميركية الرامية الى محاصرة الجمهورية الاسلامية وإنهاكها بالعقوبات الإقتصادية بقصد إضعافها املاً بتقويض نظامها . لذا سيسعى ترامب الى إقناع نده الروسي بمقاربةٍ لتسوية الحرب في سوريا قوامها الإبقاء على الرئيس بشار الأسد ودعمه لإستعادة وحدة بلاده وسيادتها من قبضة التنظيمات الإرهابية ، بما في ذلك مناطق جنوبها الغربي المحاذية للجولان المحتل شريطة إخراج القوات الإيرانية منها ، والحؤول دون إقامة جسر لوجيستي بين طهران وبيروت عبر بلدة البوكمال على الحدود السورية – العراقية مقابل سحب القوات الاميركية من شرق سوريا وشمالها الشرقي.
روسيا ملتزمة رسمياً سياسة سوريا الرامية الى استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني ، فلا يُعقل ان تنخرط في اي سياسةٍ تعرقل كفاحها لإستعادة حقوقها وسيادتها كاملةً ، كما يُستبعد ان تناوىء سياسة ايران في سوريا كونها تلتقي معها في امورٍ عدّة على الصعيدين الإقليمــي والدولي وفي وجه اميركا تحديداً . لذا قد يواجه بوتن نده الاميركي بمقاربة مغايرة قوامها إستعــداد روسيا لوقــف تزويد سوريا بمنظومــة S-300او S-400 للدفاع الجوي شريطة إلتزام اسرائيل بأربعة موجبات:
-
وقف دعم التنظيمات المسلحة جميعاً في المناطق السورية المحاذية للجولان المحتل ما يمكّن الجيش السوري من تحريرها وبسط سيادة بلاده عليها.
-
الإمتناع عن دعم اي جماعة سورية اثنية (كردية) او مذهبية تعمل لإقامة كيانات سياسية منفصلة عن حكومة سوريا المركزية.
-
الإمتناع عن استباحة الاجواء السورية واللبنانية بسلاحها الجوي لقصف قواعد او منشآت او مؤسسات داخل سوريا ولبنان.
-
سحب القوات الاميركية من منطقة التنف في جنوب سوريا الشرقي كما من قواعدها في محافظات دير الزور والرقة والحسكة وإمتناعها عن دعم الكرد السوريين الساعين الى اقامة كيانات سياسية في شمال البلاد منفصلة عن حكومتها المركزية.
في حال نفّذت اميركا واسرائيل الشروط آنفة الذكر فإن موسكو تتعهد بإقناع دمشق وطهران بسحب القوات الإيرانية من سوريا اذ لا يعود من حاجة الى وجودها.
من المرجّح ان تتناول محادثات ترامب وبوتن في هلسنكي هذه الامور وغيرها من المسائل الخلافية العالقة . لكن من الاكيد ان سوريا لن تكون ، مباشرةً او مداورةً ، شريكاً في اي تسوية مع اسرائيل تمسّ بوحدتها وسيادتها او بوحدة فلسطين وحق شعبها في التحرير والعودة وإقامة دولته المستقلة .
في فلسطين وسوريا ، باب التسوية مغلق في وجه اسرائيل.