نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 11/6/2018
"لا لإيران في سوريا"
ذريعة لبقاء اسرائيل فيها
د. عصام نعمان
طاف بنيامين نتنياهو على عواصم دول اوروبا رافعاً شعار "لا لإيران في سوريا" ، مهدداً بشار الاسد بأنه " لم يعد في مأمن ، ونظامه ايضاً ليس في مأمن ، وسندمر قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا".
يشعر نتنياهو بفائض قوة سياسية يدفعه الى رفع شعارات ومطالب لا جمهور ولا آذان صاغية لها في عواصم حلفائه القدامى في اوروبا. هؤلاء ليسوا منشغلين بوجود ايران في سوريا بقدر إنشغالهم وحرصهم على استمرار وجودها في الإتفاق النووي الذي أحرجهم ، بل خذلهم ، حليفهم الاكبر دونالد ترامب بخروجه منه . لذا ، ليس من تفسير لطرح نتنياهو شعاره ذاك إلا لتبرير بقاء اسرائيل في سوريا.
حتى داخل اسرائيل ثمة من يأخذ على نتنياهو إنشغاله بإيران عمّا يجري في قطاع غزة والمستعمرات الصهيونية في غلافها . صحيفة "يديعوت احرونوت" (2018/6/6) كشفت "ان سلطة الطبيعة والحدائق (في الكيان الصهيوني) اكدت ان اطلاق مئات الطائرات الورقية وبالونات الهيليوم المحملة بزجاجات حارقة الى داخل اسرائيل تسببت في القضاء على اكثر من 10,000 دونم وان النيران قضت على اكثر من 17500 دونم من المحميات الطبيعية والحدائق".
في الصحيفة نفسها (2018/6/5) دعا كاتب اسرائيلي مرموق ، شمعون شيفر ، رئيس الحكومة الإسرائيلية الى ان "يحذو حذو سلفه اريئيل شارون الذي اعتاد ان يقول "إنه عندما تواجه مشكلتين في الوقت عينه فليس امامك سوى ان تعمل اولاً على مواجهة المشكلة الاكثر إلحاحاً التي تتطلب حلاً فورياً " (اي مشكلة غزة).
نائب رئيس جامعة تل ابيب ايال زيسر جادل نتنياهو في صحيفة "يسرائيل هيوم" (2018/6/5) قائلاً : "ايران لم تستثمر في سوريا مئات الملايين وربما مليارات الدولارات ، ولم تخسر في المعارك على ارضها الآف المقاتلين من الحرس الثوري ومن الجيش الإيراني النظامي ، ولم تنشر فيها عشرات الآف المجنّدين الشيعة في ميليشيات تابعة لها تدربها وتمولها ، فقط كي تغادر فجأة سوريا لأن بوتن او الاسد يطلبان منها ذلك بتهذيب"!
... هذا اذا كانا بصدد ان يطلبا ذلك اصلاً . وكيف يُعقل ان يطلب يوتن والأسد من ايران إخراج قواتها من سوريا وقد شاهدا على التلفزيون ملايين الإيرانيين يتظاهرون في 900 مدينة وبلدة ، ومئات الآف الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين يفعلون مثلهم او يصلّون في مناسبة "يوم القدس" (الجمعة الماضي)؟
اذا كان الشعور بفائض القوة السياسية هو ما يدفع نتنياهو الى التصلّب واطلاق مواقف وشعارات مغالية ومتطرفة ، فإن الشعور بفائض القوة الشعبية هو بالضبط ما يدفع القادة الفلسطينيين الى التمسّك بقضيتهم ، بما هي قضية تحرير وطن وعودة شعب الى دياره، ويدفع القادة الإيرانيين الى رفض المسّ بالإتفاق النووي والتهديد بإتخاذ قرارات سياسية و"نووية" وعسكرية قاسية اذا ما فكّر ترامب بإعتداء على البلاد او مصالحها الحيوية.
من الواضح ان نتنياهو يركّز جهوده وضغوطه على ايران لظنّه ان إضعافها بإخراجها من سوريا ينعكس إيجاباً على موقفه المتصلب من منظمة التحرير الفلسطينية عموماً ومن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة خصوصاً. ولعله يراهن ايضاً على ان حملة ترامب السياسية وعقوباته على ايران ستحمل دول اوروبا وغيرها على مجاراته في هذا السبيل الامر الذي يُضعف ايران اقتصادياً ويفاقم ازمتها الداخلية ويضطرها الى تقليص إلتزاماتها الخارجية وفي مقدمهادعمها لسوريا ولقوى المقاومة العربية.
الى ذلك ، ضاعف نتنياهو من تهديداته لسوريا وللاسد شخصياً ظنّاً منه ان موسكو ستحسب حساباً لـِ "جنونه" وتنفيذه لتهديداته ، فتضغط على ايران من اجل سحب قواتها من سوريا ، وبذلك تحمي روسيا مصالحها واستثماراتها طويلة الامد فيها.
لكن ، من المفترض ان يدرك نتنياهو ايضاً ان ايران ليست مستهدَفة من روسيا ، لأن موسكو لا ترى فيها ، حاليّاً ، خصماً او حتى منافساً لها. بالعكس ، ايران حليف مفيد لروسيا في المرحلة الراهنة لأنهما يواجهان التحدي نفسه : الولايات المتحدة وسياسة ترامب العدوانية ، وقد أكّد ذلك بوتن وروحاني خلال قمة شنغهاي الأخيرة . لذا من المستبعد ان تتجاوب موسكو مع اي ضغوط اميركية او اوروبية لحمل ايران على إنهاء وجودها في سوريا.
لنفترض جدلاً ان تهديدات نتنياهو للأسد ونظامه ، واعلانه عن اعتزامه "تدمير قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا" جديّة وقابلة للتنفيذ ، فماذا تراه يكون موقف ايران وروسيا ؟
ارى ان هذه التهديدات ، حتى لو كانت جدّية ، ستؤدي الى نتائج عكسية:
-
الاسد سيضطر ، ازاء انهماكه بتحرير ما تبقّى من مناطق في بلاده ما زالت تحتلها "داعش" و"النصرة" ، الى مطالبة ايران بزيادة دعمها المالي والعسكري لبلاده حتى لو اقتضى ذلك إقامة قواعد عسكرية اضافية لمواجهة العدوان الإسرائيلي.
-
ايران نفسها ، حتى قبل ان يطالبها الاسد ، ستجد نفسها مضطرة الى حماية وجودها ونفوذها في سوريا بمضاعفة دعمها لها . وهي تدرك ايضا ان صون امنها القومي يستوجب دعم سوريا بما هي خط الدفاع الاول عن كيانها الوطني ومصالحها الحيوية.
-
روسيا الملتزمة الدفاع ان وحدة سوريا وسيادتها ستجد نفسها هي الاخرى محرجة جداً بتهديدات نتنياهو وبالتالي مضطرة الى تزويد سوريا منظومةَ دفاعٍ جوي من طراز S-300 وربما S-400 بغية إحباط اي مغامرة قد تُقدم عليها اسرائيل ضد سوريا او ضد ايران في سوريا.
يتحصّل من هذه الواقعات والإحتمالات ان تهديدات نتنياهو لن تجديه نفعاً ولن تثني سوريا وايران عن المضي في تحالفهما والوفاء بمتطلبات هذا التحالف بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية ايرانية في سوريا اذا ما اقتضت الحاجة.
اكثر من ذلك ، صمود سوريا ، ومن ورائها ايران وروسيا ، سيعزز صمود الفلسطينيين عموماً ولاسيما صمودهم في جبهة قطاع غزة.