نشرت بجريدة"القدس العربي"و"البناء"
تاريخ 21/5/2018
هل يمكن تسوية الأزمة السورية
قبل إجلاء القوات الاجنبية ؟
د. عصام نعمان
تكشّفت قمة سوتشي عن نتائج واعدة ومخاطر لافتة. صحيح ان الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن والسوري بشار الأسد إعتبرا، بل اكّدا ، ان حال الإستقرار التي تسود سوريا بعد دحر الجماعات الإرهابية عن معظم مناطقها تُشجع على المباشرة بعملية جدّية للتسوية السياسية وإعادة الإعمار، إلاّ ان الرئيس الروسي شدّد ايضاً على ضرورة "إخراج القوات الأجنبية" من البلاد بعد القضاء على الإرهاب .
الرئيس السوري نوّه بإستعداد بلاده لتسوية الأزمة في سوريا سياسياً ، وأكد على "ان دمشق تدعم دوماً وبحماسة العملية السياسية التي يجب ان تجري بالتوازي مع محاربة الإرهاب".
من حق الأسد ان يشير الى استمرار محاربة الإرهاب سواء كان مرتكبوه وكلاء ام أصلاء. فقد اعترف ايمن العاسمي ، رئيس اللجنة الإعلامية لوفد المعارضة السورية الى مؤتمر استانه ، في حديث لصحيفة "الحياة" (2018/5/18) بوجود "مشروع الولايات المتحدة للتقسيم في شرق سوريا" وذلك في معرض دعوته روسيا الى التوقف عن تبرير دعم الاسد في سياق معارضتها المشروع المذكور.
الحرب على الإرهاب ما زالت ،اذاً، مستمرة في سوريا وكذلك وجود القوات الاجنبية ، وهي في معظمها اميركية وفرنسية وتركية غير مرخص لها من الحكومة الشرعية بدخول البلاد . فكيف يمكن بوجودها مقاربة التسوية السياسية المرتجاة ؟
رَشَح من اوساط قريبة من قمة سوتشي ، كما من تصريحات الناطق بإسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف ، ان الرئيسين الروسي والسوري توافقا على ضرورة تفعيل "اللجنة الدستورية " (التي كان جرى إقرارها في مؤتمر الحوار الوطني الاول بين الأطراف السوريين في سوتشي ) وان الاسد تعهد "بإتخاذ قرار بتوجيه وفد من قبله الى الامم المتحدة لتشكيل اللجنة الدستورية المعنية بالعمل لصياغة القانون الاساسي في سوريا على اساس عملية جنيف". غير ان الاسد حرص في حديثه بعد القمة على الإشارة الى ان اللجنة الدستورية ستعمل على "مناقشة الدستور الحالي" وليس العمل على دستور جديد كما تطالب المعارضة.
صحيح ان الرئيسين بوتن وترامب كانا اعلنا في بيان مشترك منتصفَ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي خلال لقائهما في فيتنام على صيغة "التعديل الدستوري (وليس الدستور الجديد) والإنتخابات الحرة والعادلة تحت اشراف الامم المتحدة من خلال مسار جنيف وفق القرار 2254" ، لكن احداً لا يستبعد اليوم ان ينقض ترامب ما جرى الاتفاق عليه مع نده الروسي وذلك في غمرة عدائه المتعاظم لإيران ونقده روسيا التي تعارض إلغاء الإتفاق النووي شأن سائر مؤيديه.
احتمال نقض ترامب لتعهده في فيتنام لم يغبّ عن اجتماع مندوبي روسيا وتركيا وايران في استانه اخيراً ، ويبدو انهم قرروا تجاوز ترامب وصرف النظر عمّا يُسمّى مسار جنيف . فقد صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو (قناة "تي آر تي" الرسمية) انه "يمكن اعتماد مسار آخر لتسوية الازمة السورية (...) وقد تكون استانة على سبيل المثال".
من الواضح ان علاقات انقرة بواشنطن باتت متوترة وفاترة جداً، ولاسيما بعد اعتراف الاخيرة بالقدس عاصمة لـِ"اسرائيل" ونقل سفارتها اليها . ثم ان انقرة تشعر بأن واشنطن ستكون مضطرة ، عاجلاً او آجلاً ، الى سحب قواتها من سوريا بعدما اقتربت دمشق وبغداد من إعلان طرد "داعش" نهائياً من اراضيهما ما يُفقد اميركا مبرراً لبقائها هناك. اما بالنسبة الى المعارضة السورية فهي منقسمة على نفسها ولم يعد لها سيطرة على اي منطقة داخل البلاد. وقد كشف العاسمي في تصريحه آنف الذكر انه تمّ الإتفاق بين اطراف مؤتمر استانه الاخير على طمأنة دمشق بغية وقف هجوم الجيش السوري لتحرير منطقتي ادلب ودرعا وذلك بتعجيل اعلانهما منطقتي "خفض تصعيد للتوتر" وإقامة نقاط مراقبة لتوطيد هدنة راسخة.
اذ تتهيأ انقرة الى مواجهة احتمال دعوتها لاخراج قواتها من سوريا ، فإن سبيلها ، على الارجح ، للتعامل مع هذا الإحتمال هو في تحسين علاقتها بدمشق والتفاهم معها على ترتيبٍ يخدم مصلحتهما المشتركة المتمثلة في الحؤول دون قيام الكرد السوريين ، بدعم من اميركا ، بإقامة كيانات منفصلة عن حكومة سوريا المركزية في دمشق.
من المفترض ان يكون الروس والإيرانيون قد بحثوا هذا الامر مع الأتراك في مؤتمر استانه الاخير. ذلك ان توصّل الأتراك والسوريين الى اتفاقٍ حول وضع الشمال السوري عموماً بعد إنتهاء الحرب على الإرهاب، بما في ذلك إنهاء الاوضاع السياسية والادارية الانفصالية التي اقامتها الجماعات الكردية المتعاونة مع الاميركيين في شمال سوريا وشمالها الشرقي، هو المدخل الصحيح لمطالبة اميركا بإخراج قواتها من قواعدها في شمال وشرق سوريا . ذلك انه لا يبقى لها، في هذه الحالة ، من مبرر لإستبقاء قواتها حيث هي الآن.
هذا السيناريو قد يتطلّب تحقيقه زمناً غير قصير . لذلك من الضروري تفاهم اطراف مؤتمر استانه مع سوريا على الضغط لتعجيل إجلاء القوات الاميركية وعدم ربط ذلك بإخراج القوات التركية . طالما الاميركيون يحتلون نقاطاً استراتيجية على الحدود بين سوريا والعراق ، فسيكون في مقدورهم ان يلعبوا "داعش" و"النصرة" وغيرهما من الجماعات المسلحة ضد بعضهم بعضاً كما ان يلعبوا بهم مجتمعين ضد حكومة دمشق المركزية لتقسيم سوريا الى مجموعة كيانات متمايزة ومتناحرة.
بإختصار ، لا سبيل الى ادارة محادثات مجدية بين حكومة دمشق من جهة ومختلف معارضيها من جهة اخرى إلاّ بعد إنهاء قدرة اميركا (و"اسرائيل") على المناورة والتعطيل والتخريب . هذا الهدف لا سبيل الى تحقيقه إلاّ بعد إجلاء جميع القوات الاجنبية ، ولاسيما الاميركية منها ، عن كامل التراب الوطني السوري.
هذا هو الهدف المركزي لمحور قوى المقاومة في هذه الآونة ،او هو ما يجب ان يكون . أليس كذلك ؟