نشرت بجريدة "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 14-5-2018
مغزى "ليلة الصواريخ" :
التصدي للعدو الإسرائيلي اولوية اولى
د. عصام نعمان
لم تتطور "ليلة الصواريخ" قبل اربعة ايام الى حرب ساخنة متمادية بين "اسرائيل" وسوريا . لماذا ؟ لأن "اسرائيل" تتفادى توسيع الاشتباك لسببين : الاول ، لأن "حربها الناعمة" نسبياً في سوريا وعليها ما زالت ناشطة بواسطة "الوكلاء" ولا رغبة ، وربما لا قدرة ، لها على توسيعها في هذه الاونة. الثاني ، لأن عدوها الاول المستهدّف في الوقت الحاضر هو ايران ، ولا مصلحة لها في ان تستغني عن خدمات "الوكلاء" لئلا تقع في حمأة مواجهةٍ مبكرة مع بعض "الأصلاء" .
"الوكلاء" مرتزقة جرى ويجري تجنيدهم من كل اصقاع الارض تحت مختلف رايات "الإسلام الجهادي" المزعوم ، بالإضافة الى مرتزقة عرب وسوريين متعاملين مع دول اقليمية ، عربية وغير عربية، تتعهدهم بالتمويل والتسليح والتدريب، وبجوائز سياسية مغرية.
"الأُصلاء" دول كبرى واخرى اقليمية لها مصالح ومخططات في غرب آسيا من شواطىء البحر الابيض المتوسط شرقاً الى شواطيء بحر قزوين شمالاً. بعض هذه الدول ، كأيران كروسيا ، يدعم سوريا وحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية واليمنية مباشرةً او مداورةً . بعضها الآخر ، كأميركا وفرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية و"اسرائيل" ، يدعم دولاً وحكومات موالية للغرب الاطلسي وحلفائه الاقليميين ، كما يدعم فصائل معارضة سورية واخرى ارهابية بالمال والسلاح والتدريب ويوفّر لبعضها المشاركة في مؤتمرات سياسية وأمنية في موازاة الإشتباكات العسكرية.
"ليلة الصواريخ" وما سبقها واعقبها انطوت على تطورات ودلالات لافتة ، ابرزها خمس :
اولاها ، قيام "اسرائيل" بأعنف قصف عسكري على سوريا منذ حرب 1973 ، كما قيام سوريا بأعنف ردّ عسكري صاروخي على "اسرائيل" منذ الحرب المشار اليها.
ثانيتها ، ان "اسرائيل" حرصت على القول إنها استهدفت قواعد ومواقع عسكرية ايرانية في سوريا ، وانها لم تقصف مواقع سورية إلاّ عندما تصدّت لها بطارية دفاع جوي سورية واحدة ، في حين حرصت سوريا على التأكيد ان الصواريخ التي دمرت مواقع ومراصد ومراكز استشعار واستقصاء وتشويش سيبراني بالغة الاهمية في الجولان المحتل هي صواريخ سورية أُطلقت من قواعد ومواقع سورية.
ثالثتها ، ان"اسرائيل" غالت في تعداد خسائر سوريا في القصف والإشتباكات ، كما غالت في التكتم على خسائرها بعكس سوريا التي حددت بدقة خسائرها البشرية والمادية كما خسائر العدو في المقابل ، تاركةً للمراقبين ان يستخلصوا الفارق بين الإدعاءات والحقائق. فقد ادعت "اسرائيل" ان 60 صاروخاً جرى اطلاقها على مواقعها في الجولان المحتل وان دفاعاتها الجوية اسقطت 20 منها. حسناً ، ماذا عن الاربعين صاروخاً الاخرى؟ اذا كان جرى إسقاطها ، فأين صور بقاياها ومواقع تبعثرها ؟ واذا كانت اصابت اهدافها ، فلماذا امتنعت "اسرائيل" عن الإقرار ببعض الحقيقة اذا كان رفع المعنويات يحتّم عليها إغفال معظمها ؟
رابعتها ، ان ايران انكرت ان تكون قد شاركت في عملية اطلاق الصواريخ على مواقع "اسرائيل" العسكرية الحيوية في الجولان المحتل ، كما ان "اسرائيل" لم تقدّم اي دليل حسي على مشاركة ايران الامر الذي يعني ان إلتزام طهران برد انتقامي كانت وعدت به غداة استهداف مواقعها وجنودها في جوار مطار T-4 السوري قبل اسابيع ثلاثة لم ينفذ بعد وانه ما زال قائماً .
خامستها ، ان رئيس حكومة اسرائيل بنيامين ننتنياهو ، كما وزير حربها افيغدور ليبرمان ، حرصا على التأكيد ان "اسرائيل" غير راغبة في المزيد من التوتير والإشتباك .
في ضوء هذه التطورات والدلالات يمكن الإستنتاج بأن محور الصراع والإهتمام في الوقت الحاضر هو تداعيات انسحاب دونالد ترامب من الإتفاق النووي من جهة وسعي دول اوروبا الى احتواء تداعيات هذا التصرف الأخرق على مصالحها وسياستها الداعية الى الحفاظ على الاتفاق المذكور والإفادة من منافعه ، من جهة اخرى.
"اسرائيل" توالي ترامب في سياسته المعادية لإيران بل هي المحرض الرئيس عليها ، فيما ايران تؤيد موقف دول اوروبا الحاضنة للإتفاق النووي والداعية الى عدم التسرع في التخلي عنه. في هذا المناخ شديد الحساسية والتوتر ، حدثت "ليلة الصواريخ" ، وفي سياق التجاذبات والضغوط المتبادلة بين اوروبا وايران في وجه اميركا و"اسرائيل" يقتضي رصد المشهد الآخر للصراع بين سوريا وقوى المقاومة العربية من جهة "واسرائيل" وحلفائها في الغرب الأطلسي و"اصدقائها الجدد" المتعاطفين معها في الخليج من جهة اخرى.
الى ذلك ، تكشّفت في غبشة الصراع حقيقةٌ مستجدة بالغة الدلالة . فقد صرح مساعد الرئيس الروسي للتعاون العسكري التقني فلاديمير كوجين انه لا يوجد حديث حتى الآن عن تسليم سوريا منظومات دفاع جوي حديثة"، لافتاً الى ان القوات السورية "لديها كل ما يلزم".
الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف اوضح الإلتباس بقوله : "لم يتمّ الإعلان عن امدادات صواريخ S-300 ، فقد قالت روسيا عقب الضربة الغربية على سوريا بعد "كيماوي دوما" انها تحتفظ بحقها في القيام بأي شيء تعتبره ضرورياً " .
يبدو ان التصدي لـِ "اسرائيل" في الوقت الحاضر"لا تعتبره روسيا ضرورياً" ربما لأن ثمة هدفاً آخر اولى بالإهتمام والانجاز هو إنهاء وجود "داعش"واخواته في سوريا والعمل على استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني.
طبعاً موسكو لن تقول إنها غير مسؤولة عن حماية قواعد عسكرية لإيران في سوريا ، علماً ان دمشق لم تطالبها بذلك في يوم من الأيام.
هكذا يتضح ان وجود ايران في سوريا مسألة تتعلق بأطراف محور المقاومة وبسوريا في الدرجة الاولى ، وهي ليست بحاجــــة الى مطالبـــــة روسيــا بأي دعم خاص في هذا الإطــار ، وانها تكتفي في الوقــت الحاضر بالتصدي لـِ "اسرائيل" بكل العنف والقسوة الضروريين ، تماماً كما تجلّى ذلك في "ليلة الصواريخ".