نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 7/5/2018
اذا ألغى ترامب الإتفاق:
هل تصنّع ايران سلاحاً نووياً لتجعل "اسرائيل" رهينة ؟
د. عصام نعمان
سؤالان طاغيان يستحوذان اليوم على اهتمام العالم وقلقه:
-
هل ينسحب دونالد ترامب من الإتفاق النووي؟
-
اذا فعل ، ماذا وكيف ستكون ردة فعل ايران ؟
ترامب يتصّرف وكأنه كاتب قصة ترقّب مقلق ومشوّق suspense: يلّمح ولا يصرّح . مستشاروه الأقربون يقلّدونه : بعضهم يرجّح إنسحابه ؛ بعضهم الاخر يجزم بأنه لم يقررشيئاً بعد.
قادة ايران يفعلون العكس: يؤكدون ان ايران ستردّ فوراً بالإنسحاب من الإتفاق . اكثرهم وضوحاً وزير الخارجية محمد جواد ظريف. قال : "نحن لن نعهد بأمننا الى جهة اخرى، ولن نعيد التفاوض على اتفاق نفذناه فعلاً بنيّة حسنة او نضيف اليه".
للمجازفة في توقّع ما يمكن ان يحدث، نستعرض بعض المواقف المحتملة التي يمكن ان يتخذها ترامب من جهة وانداده الإيرانيون من جهة اخرى. ترامب يمكن ان يتخذ واحداً من مواقف ثلاثة :
-
ان يصرف النظر عن الإنسحاب من الإتفاق مراعاةّ لمواقف حلفائه الاوروبيين المؤيدين له ، ولاسيما فرنسا وبريطانيا والمانيا.
-
ان يرفض تعليق العقوبات من دون الإعلان عن الإنسحاب من الإتفاق وبالتالي متابعة البحث في امكانية تعديل بعض احكامه او وضع ملحق اضافي له.
-
ان يقرر الإنسحاب من الإتفاق مقروناً بالإعلان عن عقوبات جديدة قاسية، بالإضافة الى العقوبات السابقة.
إزاء هذه الاحتمالات الثلاثة ، يُرجَّح ان تردّ ايران على النحو الآتي:
-
أن ترحّب اذا ما عاد ترامب عن تهديده بالإنسحاب من الاتفاق ، لكن الأرجح ان تستبعد هذا الإحتمال وتبقى حذرة من تطورات لاحقة.
-
أن تشجب قرار ترامب برفض تعليق العقوبات ، وتستنكر العقوبات الجديدة التي يكون قد اعلنها.
-
أن تندّد بقرار إنسحابه من الإتفاق وتشير الى استراتيجية متكاملة لمواجهة ما تعتبره مخططاً اميركياً جديداً لتسعير العدوان ضدها وضد سوريا وقوى المقاومة العربية ، وقد تكشف بعضاً من عناوين ردود الفعل الجاري إعدادها.
الى ذلك ، اتضح ان بنيامين نتنياهو يحبّذ ، بطبيعة الحال ، إنسحاب ترامب من الإتفاق النووي ، لكنه يفضّل بواقعية اعتماده خيار تشديد العقوبات من ضمن استراتيجية مواجهة متكاملة ، قوامها شنّ حرب ناعمة Soft power متصاعدة تستهدف ايران وحلفاءها في جميع ساحات غرب آسيا من شواطيء البحر الابيض المتوسط غرباً الى شواطيء قزوين شرقاً. هذه المقاربة يريدها نتنياهو ان تتضمن ثلاثة امور اساسية :
اولها ، تمكين "اسرائيل" من منع ايران إقامة قواعد عسكرية ، برية وجوية وبحرية ، في سوريا والحصول على دعم من الولايات المتحدة لتحييد روسيا في هذا المجال ، ومجابهة تدخلها المباشر لدعم سوريا اذا اتجهت الى ذلك.
ثانيها ، دعم "اسرائيل" من قبل اميركا واوروبا في مساعيها الرامية الى التضييق سياسياً ، واذا أمكن عسكرياً ، على حزب الله داخل لبنان والحؤول دون معاودة تعاونه مع سوريا.
ثالثها ، الإنخراط جدّياً في مخطط استراتيجي يرمي الى تفكيك سوريا الى كيانات قبلية واثنية وطائفية والحؤول ، تالياً ، دون استعادتها وحدة اراضيها وسيادتها في ظل نظام سياسي مركزي.
ماذا عن ايران ؟
يُستشف من تصريحات وتسريبات منسوبة الى مسؤولين سياسيين وعسكريين ايرانيين كبار ان طهران مصممة على عدم التهاون في ثلاثة امور اساسية :
-
ضرورة الدعم القوي والمتواصل بالسياسة والسلاح لحزب الله خصوصاً وقوى المقاومة الفلسطينيــة الفاعلة ("حماس" و"الجهاد الإسلامي") فــي مواجهتهــــــا لـِ "اسرائيل" ، داخلياً واقليمياً.
-
ضرورة الإستمرار في إقامة قواعد عسكرية ايرانية في سوريا لدعمها في وجه تنظيمات الإرهاب ، ولاسيما "داعش" و"النصرة" ، ولمواجهة اي مخطط اجنبي يرمي الى تفكيكيها ومنعها من استعادة وحدتها وسيادتها.
-
ضرورة عدم التفاوض مجدداً على اتفاق نووي جديد بل الإصرار على مقاربة المسألة النووية في منظور مغاير قوامه العودة الى تخصيب اليورانيوم بنسبة مئوية عالية ، وتطوير البرنامج الصاروخي الباليستي ليصبح اداة اكثر فعالية في الردّ على اي عدوان اسرائيلي او اميركي او اقليمي .
ارى ، وربما غيري ايضاً ، ان فريقاً قيادياً ايرانياً نافذاً لن يكتفي بإعتماد الثوابت الإستراتيجية الثلاثة سالفة الذكر ، وانه ويخطط ويعمل في منظور ثلاثة خطوط استراتيجية متقدمة :
اولها ، توظيف خيار تخصيب اليورانيوم بنسبة مئوية عالية في خيار تصنيع سلاح نووي يمكن إدراجه في خانة رادع استراتيجي او خانة رادع تكتيكي ، وذلك من اجل تأمين ميزان قوى رادع يجعل "اسرائيل" رهينة محور المقاومة.
ثانيها ، بناء جبهة ردع استراتيجي اقليمية من ايران والعراق وسوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والإعلان عن ان ايّ اعتداء على ايّ طرف من اطرافها يُعتبر اعتداء عليها مجتمعةً والمباشرة تالياً في الرد ، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، على اساس ان "اسرائيل" هي العدو المركزي لها جميعاً .
ثالثها ، التخطيط لشنّ وإدارة حربٍ ناعمة في وعلى الدول والتنظيمات التي تتخذها "اسرائيل" واميركا ادوات في حربها الناعمة ضد احد او جميع اطراف جبهة الردع الإستراتيجي الاقليمية سالفة الذكر.
كل ما تقدّم بيانه يجب ان يجري وان يحكمه مبدأ انساني وشرعي ودولي معترف به : الدفاع المشروع عن النفس.
هل ثمة خيار آخر ؟