نشرت بجريدة "البناء" و"الخليج"
تاريخ 5/5/2018
حال الفلسطينيين من حال العرب... ام العكس ؟
د. عصام نعمان
واخيراً... انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله وسط انقسام مريع بين منظمات مؤيدة واخرى معارضة. غير ان الظاهرة اللافتة المرافقة لإنعقاد المؤتمر الشائخ هي عدم إكتراث الشارع الفلسطيني نتيجةَ عدم اكتراث جميع المنظمات ، مؤيدةً ومعارضة ، بمسألة الإنقسام وعدم الوفاء بعهود مقطوعة لتحقيق المصالحة الوطنية رغم كل ما يواجه القضية من اخطار وتحديات.
ليس الإنقسام والخلافات المريرة ما تسبّب سابقاً بتأخير اجتماع المجلس الوطني ولا لاحقاً برفض تأجيله الى ما بعد معالجة تداعيات الإنقسام . ثمة اسباب اخرى متعددة ، اهمها خمسة:
اولاها ، ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، البالغ من العمر 83 سنة ، اراد تشريع اجراءات وترتيبات قانونية لتأمين خلافته في حال مغادرته المشهد السياسي لأي سببٍ من الأسباب . صحيح انه ، بحسب احكام النظام السياسي للسلطة الفلسطينية ، يتولّى رئيس المجلس التشريعي الرئاسة في حال شغور منصب الرئيس لمدة شهرين يصار خلالها الى اجراء انتخابات لملء المنصب الشاغر، لكن تعطيل اعمال المجلس التشريعي بسبب خلافات حركتيّ "فتح" و"حماس" وإستغلال "اسرائيل" لها لتدويم تعطيل المجلس ، استوجب البحث عن طريقة لتفادي الفراغ في الرئاسة ، فكان ان جرى إقرار الإقتراح القاضي بتعديل النظام السياسي لينصّ على تفويض مهمات المجلس الوطني الى المجلس المركزي لمنظمة التحرير ، لتمكينه تالياً من اختيار رئيسٍ للسلطة الفلسطينية عند شغور هذا المنصب. بذلك يكون المجلس الوطني الشائخ قد احيل نهائياً على التقاعد ، واصبح المجلس المركزي هو برلمان الشعب الفلسطيني .
ثانيها ، عجّلت في انعقاد المجلس الوطني الخشية من ان يؤدي المزيد من التأخير في عقده الى فقدان النصاب القانوني في قيادة منظمة التحرير نتيجةَ وفاة عدد من الأعضاء واصابة آخرين بأمراض الشيخوخة. ذلك كله من شأنه ان يفضي الى إضعاف المنظمة في الشارع الفلسطيني كما على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ثالثها ، تردّي الوضع الإقتصادي بسبب الحصار الاسرائيلي المضروب على قطاع غزة وانعكاسه على الضفة الغربية أضعف قدرة السلطة على تسديد رواتب الآف الموظفين. وزاد الطين بلّة قيام جهاز الإحصاء الفلسطيني بكشف تقرير "مسح القوى العاملة" في الربع الثالث من العام الماضي ، وفيه ان عدد العمال الفلسطينيين وصل الى ما يقارب 129 الفاً، منهم 70 الفاً يعملون داخل اراضي 1948 المحتلة ، ونحو 23 الفاً يعملون في مستوطنات الضفة الغربية. كل ذلك يطرح سؤالاً جوهرياً عن مدى قدرة منظمة التحرير وجديتها في مقاومة الإحتلال عندما يكون هذا العدد الكبير من العمال الفلسطينيين يعتمدون في معيشتهم على دولة العدو.
رابعها ، نقلت "القناة الثانية" العبرية عن مسؤول سياسي اسرائيلي رفيع ان دونالد ترامب سيطرح "خطة للسلام" بعد تدشين السفارة الاميركية في القدس المحتلة يوم 14 ايار/ مايو المقبل . عناوين الخطة تتضمن دفع تعويضات مادية مجزية للفسطينيين في مقابل عودتهم الى المفاوضات ، وضم الكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لـِ "اسرائيل" في مقابل انسحابات تدريجية اسرائيلية من مناطق فلسطينية محتلة. كل ذلك يستوجب، في رأي اركان منظمة التحرير، تنظيم مؤسساتها وتصليب عودها لمواجهة هذه المخاطر والتحديات .
خامسها ، استبق رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية عقد المجلس الوطني بتلميحٍ الى احتمال تشكيل إطار بديل من منظمة التحرير "في حال بقيت ابوابها مغلقة في وجه الحركة" . هذا الموقف الصارم دفع ، على ما يبدو، اركان "فتح" على رفض تأجيل عقد المجلس الوطني وبالتالي على تأكيد انعقاده لمواجهة التحديات الماثلة.
المنظماتُ المعارضة سخرت من ايراد هذه الاسباب الخمسة تبريراً لإنعقاد المجلس الوطني الشائخ وذكّرت الفلسطينيين بأن "فتح" احتكرت منظمة التحرير منذ انشائها ، وتخلّت عن الكفاح المسلّح وحق العودة بتوقيعها اتفاق اوسلو سنة 1993 ، وألهت الشعب الفلسطيني بمفاوضات شكلية غير مجدية اكثر من عشرين سنة ما مكّن "اسرائيل" من اقامة عشرات المستوطنات في الضفة الغربية ، ومن قمع حركات المقاومة وتهجير الفلسطينيين ، ومحاصرة قطاع غزة ، وعرقلة المصالحة الوطنية.
الى ذلك ، ثمة مَن يعتقد ان جميع المنظمات مسؤولة ، بدرجات متفاوتة ، عن عدم تحقيق المصالحة الوطنية ، وان لا سبيل الى تبرئة ساحتها في هذا المجال. فلو تحققت المصالحة وبالتالي الوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير لما كان المشهد الفلسطيني على هذه الدرجة المتدنية من السؤ والترهّل والضياع.
غير ان بعضاً من الفلسطينيين (والعرب) يعتقد ايضاً ان سؤ حال الفلسطينيين هو من سؤ حال العرب. فعدم تحقيق مصالحة قومية حقيقية بين القيادات العربية عزّز انقسام الفلسطينيين على انفسهم وبالتالي عرقل تحقيق المصالحة في ما بينهم ، كما تسبّب في تسعير الحرب الأهلية بأشكال مختلفة في شتى بلاد العرب .
الحقيقة ان المسؤولية مشتركة بين اهل القرار الفلسطينيين واهل القرار العرب ، ولا جدوى من المجادلة والمكابرة .
يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم .