نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 23/5/2018
روسيا تغرّم اميركا و"اسرائيل" ثمن العدوان :
لحماية سوريا وقواعد ايران فيها ؟S-300 منظومة
د. عصام نعمان
شرعت روسيا بتدفيع اميركا و"اسرائيل" ثمن العدوان على سوريا. اكّدت بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف ان ليس لديها إلتزامات اخلاقية بعد العدوان الاميركي الاخير بعدم تزويد سوريا الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها . معنى هذا الكلام ان موسكو حسمت موقفها وقررت تزويد دمشق منظومة S-300 (وربما S-400) للدفاع الجوي.
"اسرائيل" كانت هاجمت مطار T-4 في ريف حمص بدعوى إحتوائه قاعدةً عسكرية لإيران أطلقت منها طائرة مسيّرة من دون طيار ، محمَّلةً متفجرات ، وادعت اسقاطها قبل قيامها بتنفيذ مهمتها.
اميركا كانت هاجمت ثلاثة مواقع سورية ادعت انها تحتوي مراكز ابحاث ومخازن للغازات والمواد الكيميائية القاتلة وذلك قبل ساعات معدودات من وصول بعثة منظمة حظر الاسلحة الكيميائية الى دوما للتحقيق في مزاعم واشنطن حول استخدام دمشق اسلحة كيميائية في معارك الغوطة الشرقية.
جنرالات "اسرائيل" اعترفوا لاحقاً بأن ضربتهم "الوقائية" لمطار T-4 لن تنهي التمركز العسكري الإيراني في سوريا ، وان "اسرائيل" ستبقى مهجوسةً بضرورة اعتماد استراتيجية فاعلة للحؤول دون تجذّر هذا التمركز البالغ الخطورة.
مدير هيئة الاركان العسكرية الاميركية المشتركة الجنرال كينيث ماكنزي ادعى ان "نظام الرئيس السوري بشار الأسد لا تزال لديه قدرات كيميائية متبقية في عدد من المواقع في انحاء البلاد ، وان السوريين سيتمكنون من شنّ هجمات محدودة في المستقبل".
العدوانان الإسرائيلي والاميركي فشلا ، اذاً ، في تحقيق اغراضهما . فلا ايران فقدت تمركزها العسكري في سوريا ، ولا سوريا فقدت قدراتها الكيميائية. لكن ، بصرف النظر عمّا سيكون عليه التمركز العسكري الإيراني وما اذا كانت طهران مصممة على الثأر لجنودها السبعة ضحايا العدوان الإسرائيلي على مطار T-4، وبصرف النظر عمّا اذا كانت دمشق تحتفظ بقدرات كيميائية وراغبة في استخدامها ضد التنظيمات الإرهابية التي ما زالت ناشطة في بعض انحاء البلاد ، فإن ثمة تداعيات ومفاعيل نشأت عن العدوانين الإسرائيلي والاميركي لا بدّ من رصدها وبيان إنعكاساتها السلبية على الدولتين المعتديتين :
اولاً: بات واضحاً ان روسيا حسمت قرارها بتزويد سوريا منظومة S-300 للدفاع الجوي، وان "اسرائيل" واميركا وفّرتا لها ، بالعدوانين الاخيرين ، الفرصة والدافع والحجة للتعجيل في ذلك.
ثانياً: ان امتلاك سوريا منظومة S-300 يمكّنها من حماية اجوائها بصورة شبه كاملة من غارات سلاح الجو الاسرائيلي ، كما يمكّنها من منعه، وفي الاقل تصعيب مهمته ، في استباحة الاجواء اللبنانية واستخدامها لضرب مواقع داخل سوريا.
ثالثاً: ان امتلاك سوريا منظومة S-300 (وربما S-400) من شأنه إحداث خلل جدّي في ميزان القوى لمصلحة سوريا وبالتالي لمصلحة محور قوى المقاومة ما يعرقل (وقد يعطّل) حرية سلاح الجو الإسرائيلي على الحركة في اجواء سوريا ولبنان وربما العراق ايضاً في حال تحقق تفاهم استراتيجي بين دمشق وبغداد.
كيف يمكن ان تواجه "اسرائيل" واميركا هذه التحديات البازغة ؟
الحقيقة ان "اسرائيل" استشرفت مسبّقاً المخاطر المحتملة نتيجةَ تزويد سوريا منظومة S-300 ، فتحدّث جنرالاتها بإسهاب عن أبعادها وتداعياتها ومارسوا مراراً هجمات إستباقية مؤذية ضد سوريا وحلفائها من قوى المقاومة بغية استشراف مفاعيلها. من مراجعة هذه التصريحات والهجمات الاستباقية ، يمكن استشفاف الآتي:
-
طموح "اسرائيل الاكبر هو إقناع اميركا بضرورة ضرب ايران وتدمير قدراتها لمنعها من التحوّل قوةً نووية. في هذا السياق ، دعت "اسرائيل" وتدعو الى إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على ايران وصولاً الى ضربها في المستقبل. غير ان اميركا اوباما كما اميركا ترامب تهيّبتا هذا الخيار وتفاديتا اعتماده حتى الان.
-
المخطط الإسرائيلي الجاري تنفيذه في الوقت الحاضر هو الحؤول دون إقامة قواعد عسكرية لإيران في سوريا . غير ان سوريا تجاوزت هذا المخطط بتمكين ايران من إقامة بعض القواعد العسكرية على مقربة من المطارات العسكرية السورية بدليل إدعاء "اسرائيل" بأن هجمتها الاخيرة على مطار T-4 كانت تستهدف قاعدة ايرانية للطائرات المسيّرة بلا طيار.
-
قد تستمر "اسرائيل" في محاولتها منع ايران من إقامة قواعد عسكرية في سوريا . لكن ذلك يعرضها الى تكبّد خسائر فادحة ، ولاسيما عند قيام سوريا بتشغيل منظومة S-300(وربما S-400). ذلك سيدفعها الى مطالبة اميركا بتزويدها صواريخ حديثة متقدمة لتعطيل فعالية المنظومات الروسية سالفة الذكر. لكن ، هل من ضمانة لنجاحها ؟
كل هذه الإحتمالات والتداعيات لا يمكن فصلها عن الصراع المحتدم بين اميركا وروسيا في سوريا وعليها مع ما يخالطه من مطامح ومطامع ومخططات لأطراف اقليمية نافذة كأسرائيل وتركيا وايران والسعودية . فالولايات المتحدة تبدو حريصة على استبقاء قواتها في سوريا لغاية التفاهم على تسوية مع روسيا على مستقبل بلاد الشام وبلاد الرافدين بعد الفراغ من تصفية جيوب التنظيمات الإرهابية الناشطة فيها. و"اسرائيل" يهمها ، كما السعودية، المشاركة في صوغ اية تسوية للإقليم تكفل لها إبعاد ايران عن سوريا ولبنان والعراق . وتركيا تجهر بلسان رجب طيب اردوغان بوجود "مساعٍ لتنفيذ مشروع إعادة تنظيم المنطقة (...) وان عبئاً كبيراً جداً سيقع على عاتقها" ما يشير الى سياسة انقرة الراسخة في منع الكرد من إقامة دولة لهم تضم اراضٍ وسكاناً مقتطعين من تركيا وسوريا والعراق . وايران منهمكة في مواجهة اميركا و"اسرائيل" في آن ما يجعل سوريا ساحةً رئيسة لصراع محموم تشارك فيه اطراف شتى ، اقليمية ودولية ، وتجرّب خلاله احدث انواع الأسلحة المتطورة.
مَن يجرؤ ، والحال هذه ، على التنبؤ بنهاية قريبة لهذا الصراع بل هذه الصراعات المريرة ؟