اركان "الدولة العميقة" لترامب : الاسد انتصر والإتفاق النووي مفيد...
نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 19/3/2018
اركان "الدولة العميقة" لترامب :
الاسد انتصر والإتفاق النووي مفيد...
د. عصام نعمان
لا غلوّ في القول إن معظم اركان "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة يعارضون الرئيسَ الاميركي رونالد ترامب في قضايا أساسية عدّة اهمها الموقف من الرئيس بشار الاسد والموقف من الإتفاق النووي مع ايران . "الدولة العميقة" مصطلح اعلامي يرمز الى المؤسسات الاكثر فعالية وتأثيراً ونفوذاً داخل هيكلية الحكومة الاتحادية في واشنطن . لعل ابرزها وزارات الدفاع ، الخارجية ، العدل ، مجلس الامن القومي ، هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية ، وكالة الإستخبارات المركزية C.I.A. ، ومكتب التحقيق الفدرالي . ترامب كان أقال كلاًّ من مدير مكتب التحقيق الفدرالي ومسؤول مجلس الامن القومي خلال السنة الاولى من ولايته ، ودشّن سنته الثانية بإقالة وزير الخارجية ركس تيلرسون . وسائل الإعلام ترشح للإقالة هذه الايام كلاًّ من قائد القيادة المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط وغرب آسيا (بما في ذلك ايران) الجنرال جوزف فوتيل ، ووزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس ، ومسؤول مجلس الامن القومي هربرت ماكماستر.
لافتاً كان ما قاله الجنرال فوتيل خلال جلسةٍ للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ منتصفَ الاسبوع الماضي : "لا اعتقد ان من المبالغة القول إن الاسد انتصر بمساعدة روسيا وايران". سأله السناتور الجمهوري المحافظ ليندزي غراهم : "هل سياسة الولايات المتحدة حيال سوريا ما زالت تسعى الى اطاحة الاسد" ؟ اجاب: "لا اعتقد ان هذه سياستنا الخاصة في هذه المرحلة بالذات لإن تفكيرنا ما زال منصبّاً على هزيمة تنظيم داعش".اكثر من ذلك، تبيّن انه في معارضةٍ واضحة لتوجّهات ترامب في ملف ايران النووي ، اعرب فوتيل عن تأييده للإتفاق النووي مع ايران . قال إن الإتفاق الذي هدد الرئيس الاميركي بالإنسحاب منه ، اضطلع بدورٍ مهم في التعامل مع البرنامج النووي لطهران. اكّد "ان خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) تتصدى لأحد التهديدات الرئيسية التي نواجهها من قِبل ايران، فإذا ألغينا الخطة سوف يتعيّن علينا ان نجد طريقة اخرى للتعامل مع برنامجها للأسلحة النووية".
جدير بالذكر ان وزير الخارجية المُقال ريكس تيلرسون كان انضم الى وزير الدفاع جيمس ماتيس في الضغط على ترامب للتراجع عن تهديده بإلغاء الإتفاق النووي ما لم يساعده الكونغرس في "اصلاحه" بمعاهدة اخرى.
فوتيل وقبله تيلرسون لم يذكرا شيئاً عمّا تعتزم واشنطن فعله اذا لم يقم الاسد بتنفيذ ما تهدد به مندوبة ترامب لدى مجلس الامن نيكي هايلي تحت طائلة "إتخاذ إجراء تستعد واشنطن لتنفيذه منفردةً اذا اقتضى الامر". لعل الموقف الحقيقي تبرّع بكشفه سفيران اميركيان مخضرمان في حديث لمناسبة الذكرى السابعة للحرب في سوريا وعليها ادليا به لصحيفة "النهار" البيروتية. فقد استبعد مبعوث الرئيس السابق باراك اوباما الى سوريا ولبنان فريدريك هوف كما سفير اميركا السابق في سوريا روبرت فورد "ايَّ تدخلٍ عسكري اميركي جدّي في سياق استراتيجية سياسية طويلة الامد حيال سوريا."
ماذا عن وزير الخارجية الاميركي الجديد مايك بومبيو ؟
من المعلوم ان رئيس وكالة الإستخبارات المركزية السابق الذي رقّاه ترامب الى مرتبة رئاسة الديبلوماسية الاميركية يدين بولاء شديد لرئيسه ، كما يجاريه في مواقفه المعلنة ولاسيما ما يتعلق منها بإيران . غير ان عقبات عدّة تواجه الوزير التابع والرئيس المتبوع ليس اقلها موقف الدول الخمس الكبرى الاطراف في الاتفاق النووي (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا ) التي تعارض إلغاء الإتفاق ، لكنها تسعى الى استرضاء ترامب بالإستعاضة عن إلغائه بفرض عقوبات من الإتحاد الاوروبي على ايران بسبب برنامجها للصواريخ البالستية ودورها في الحرب السورية . في المقابل ، ايران ترفض البحث في اي تعديل في الإتفاق او اي مقايضة على هامشه من شأنها الحد من فعالية مشروع الصواريخ البالستية الذي قطعت مراحل واسعة في تنفيذه. ذلك كله يضيّق هامش المناورة والحركة امام ترامب ووزير خارجيته الجديد لجهة تعديل الاتفاق او إلغائه.
ماذا عن "تهديد" ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بأن السعودية ستطّور قنبلة نووية اذا اقدمت منافستها ايران على خطوة كهذه ؟
الاوساط السياسية في اميركا واوروبا لم تأخذ تهديد بن سلمان على محمل الجدّ . ذلك ان السعودية لا تمتلك بنية تحتية علمية وفنية بحدٍّ ادنى تمكّنها من إنتاج سلاح نووي "في اسرع وقت ممكن" على حدّ قول ولي العهد السعودي . هذا ناهيك عن الموقف المتحفظ الذي سوف تقفه دول اوروبا واليابان والصين وكوريا الجنوبية في حال لجأت الرياض الى كوريا الشمالية لتزويدها ما تحتاجه من علماء وفنيين وتجهيزات تكنولوجية لازمة للتصنيع النووي ، بالاضافة الى المعارضة العارمة للولايات المتحدة نظراً للعداء الشديد المستحكم بين الدولتين المتنازعتين.
الى ذلك ، فإن اللجوء الى كوريا الشمالية يشكّل تطوراً خطيراً لأنه يعني اتاحة الفرصة وتوفير المسوّغ لإيران لإعتماد خيارات بالغة الخطورة منها إحتمال قيام طهران بتصنيع اسلحة نووية . فماذا يجنى ترامب ( كما نتنياهو ) اذا ما اتخذ قراراً متهوّراً بإلغاء الاتفاق النووي؟
لعل السؤال الاكثر الحاحاً اليوم هو : هل ما زال في مقدور اركان "الدولة العميقة" في واشنطن إقناع ترامب بعدم اتخاذ قراره المتهور قبل فوات الاوان ؟