لماذا الغارة الإسرائيلية... وهل ردَّ حزب الله ؟
جريدة"القدس العربي"
و"البناء" تاريخ 1-3-2014
لماذا الغارة الإسرائيلية وهل ردَّ حزب الله ؟
د. عصام نعمان
اغار سلاح الجو الإسرائيلي مطلعَ الاسبوع الماضي على منطقة جبلية بمحاذاة الحدود اللبنانية – السورية لم يصدر، بادىء الامر ، اي بيان رسمي عن أي جهة بتأكيد حدوث الغارة او نفيها اكتفت "اسرائيل" ، كعادتها ، بالايعاز الى وسائل اعلام محلية واخرى اميركية واوروبية بنشر اخبار متضاربة منسوبة الى مسؤولين اسرائيليين "كبار" حول الغارة الغامضة
بعد 36 ساعة من الاعلان عن الغارة ، اعترف حزب الله بوقوعها وبإستهدافها موقعاً له قرب قرية جنتا ، وان لا صحة بتاتاً لمزاعم عن استشهاد او جرح احد من مقاتليه او استهداف مواقع صواريخ ومدفعية له في المنطقة ، متوعداً "اسرائيل" بالرد في الزمن والمكان المناسبين
اذ اقرّت "اسرائيل" مداورةً بحصول الغارة من دون تحديد المكان والزمان والهدف والنتائج ، تساءل مسؤولون ومراقبون لبنانيون وعرب عن هدف الغارة والغاية من ورائها ؟
ثمة تضارب في المعلومات التي اوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والاميركية والاوروبية حول حقيقة الغارة وملابساتها ، يتضح منها وجود تمويه مقصود فمكان الغارة غير واضح تماماً مرة قيل إنه "داخل لبنان" ، ومرة اخرى "داخل سوريا" ، ومرة ثالثة "على الحدود" دونما تحديد دقيق
ثم ان طبيعة الهدف المضروب ملتبسة مرة قيل "ارسالية صواريخ"، مرة اخرى قيل "منشآت لحزب الله" ، مرة ثالثة "مخزن سلاح متطور لحزب الله"
مجلة "تايم" الاميركية اشارت الى قافلة صواريخ ارض- ارض اخطر من معظم الصواريخ التي يوجهها الحزب ضد "اسرائيل"، في حين اوحى قائد قاعدة حيفا البحرية العقيد ايلي شافيط بأن الصواريخ المشار اليها هي صواريخ "ياخونت"
من كل هذه "المعلومات" المسرّبة او المعلنة يمكن استخلاص الحقائق والإستنتاجات الآتية:
ثمة حقيقة ثابتة هي حدوث غارة اسرائيلية داخل لبنان على حافة حدوده مع سوريا
مكان الغارة ارضٌ جبلية لا وجود فيها لطرقات ما يُستبعد معه قدرة قافلة سيارات شاحنة للصواريخ على المرور فيها
لا يعقل ان تُقدِم سوريا على ارسال قافلة تحمل صواريخ الى حزب الله عبر منطقة جبلية تدور في جبالها وهضابها حرب ضارية بين جيشها وفصائل المعارضة السورية المسلحة
ليس من المعقول ان يجري نقل صورايخ كاملة التركيب وجاهزة للإستعمال من بلد الى آخر بواسطة شاحنات تسير على طرقات مكشوفة او عبر مناطق جبلية وعرة بلا طرقات وتجري في شعابها حرب ضروس ، بل المعقول ان يجري نقل مختلف اجزاء الصواريخ وغيرها من الاسلحة بأشكال ووسائل متعددة من بلد المنشأ الى البلد المقصود حيث يصار الى تجميعها من قبل الجهة الراغبة في اقتنائها وإستعمالها
في ضوء هذه الواقعات والملابسات ، ينهض سؤال : لماذا قامت "اسرائيل" بالغارة الغامضة ؟
من مراجعة مواقف وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين والاميركيين ذوي الصلة ومن تعليقات المحللين السياسيين والعسكريين في لبنان وسوريا و"اسرائيل" يمكن استخلاص ثلاث غايات محتملة للغارة :
الاولى ، التهويل على سوريا وحزب الله لحملهما على وقف استعداداتهما الميدانية لإقتحام مدينة يبرود في منطقة القلمون لأن من شأنه ان يحسم ، الى حد بعيد ، ميزان القوى الداخلي لمصلحة النظام
الثانية ، إيهام سوريا وحزب الله بأن ثمة هجوماً لفصائل المعارضة بدعم جوي من طرف "اسرائيل" او اميركا او كليهما لحملهما على سحب قواتهما من الجنوب (حوران) وتركيزها في محيط يبرود فيسهل على فصائل المعارضة شن هجومها المرتقب من جهة الحدود الاردنية
الثالثة ، إعادة تأكيد موقف "اسرائيل" القائل بمنع وصول "اسلحة كاسرة للتوازن" الى حزب الله تحت طائلة شن الحرب على مصدر الاسلحة وناقلها والمستفيد منها
هذه الغايات الثلاث مرجَّحَة ، لكن كيف سيكون رد حزب الله ؟
الحقيقة ان حزب الله باشر رده فعلاً بمجــرد إعلانـه أنـه لـن يسمح لـِ "اسرائيل" بتغيير قواعد اللعبة
قواعد اللعبة الإسرائيلية كانت تقضي بأن تضرب "اسرائيل" ولا تعترف بضربتها ، معوّلةً على ان يستفيد الطرف المضروب، سواء كان سوريا او حزب الله، مما تسميه "هامش الإنكار" فلا يردّ إما لأنه عاجز عن مواجهتها او لأن لا مصلحة له بذلك لدواعٍ تكتيكية او استراتيجية
قرار حزب الله المعلن بالرد أربك "اسرائيل" بسرعة قياسية فقد اخذته على محمل الجد وبادرت الى اتخاذ تدابير احتياطية ووقائية واسعة ، براً وبحراً وجواً ، ولاسيما في المنطقة الشمالية على الحدود مع لبنان وفي الجولان السوري المحتل كما قامت بتشديد اجراءات الحيطة حول السفارات والمؤسسات الإسرائيلية في الخارج مخافةَ ان يستهدف رد حزب الله سفيراً او قيادياً مرموقاً
غير ان اهم مردود لقرار حزب الله بالرد هو تراكم الخسائر الإقتصادية والمالية الناجمة عن بقاء "اسرائيل" مدة طويلة في حال ترقّب وتحوّط وشبه شلل في مرافقها العامة والخاصة التي تقدّر بنحو 200 مليون دولار يومياً
مع ذلك ، يبقى السؤال مطروحاً : كيف يرد حزب الله ؟
الخبراء والمحللون الإستراتيجيون اللبنانيون المقربون من حزب الله منقسمون في تقديراتهم حول مكان الضربة الثأرية وزمانها
بعضهم يرجّح أنها لن تنطلق من لبنان او سوريا انما من قلب فلسطين المحتلة او الجولان المحتل، وان حزب الله لن يقوم بتبنيها ، لكن "اسرائيل" ستدرك بالتأكيد هوية مصدرها
بعضهم الآخر يعتقد ان حزب الله ، كما دمشق، منشغلان بالحرب الدائرة في سوريا وعليها ولن يتصرفا ، تالياً ، على نحوٍ يؤدي الى إلهائهما عن محور الجهد الرئيس في الداخل وعليه ، فإن الضربة المرتقبة ستكون على الارجح في الخارج ومن دون تبنٍّ لها من قبل حزب الله
غير ان فريقاً ثالثاً يتوقع ان يغيّر حزب الله قواعد اللعبة فيقوم بتوجيه ضربته الى جسم بحري او جوي اسرائيلي بسلاحٍ نوعي يُعتبر "كاسراً للتوازن" ، متوخياً تحقيق الأهداف الآتية:
اولاها ، إشعار "اسرائيل " بأن لا سبيل بعد الضربة لمعاودة اعتداءاتها من دون مكابدة عقابٍ قاسٍ
ثانيها ، إفهام "اسرائيل" والعالم ان حزب الله استحوذ على اسلحة كاسرة للتوازن وان لا جدوى بعد اليوم لتبرير اعتداءاتها بدعوى منعه من حيازتها
ثالثها ، إفهام "اسرائيل" ان منصات استخراج الغاز من البحر المتوسط ، هي في مرمى صواريخ حزب الله ، وانه لن يتردد في قصفها اذا ما حاولت منع لبنان من التنقيب عن الغاز والنفط في منطقته الإقتصادية الخالصة التي استولت على ما لا تقل مساحته منها عن 850 كيلومتراً مربعاً
في نهاية الاسبوع ، أقرّت "اسرائيل" بأن موقعاً لجيشها في جبل حرمون المطل على الجولان جرى قصفه بصاروخين ، وأوعزت لوسائل إعلامها بالقول إن حزب الله هو الفاعل حزب الله لم يؤكد ولم ينفِ ، مستفيداً مثل "اسرائيل" من سياسة "هامش الإنكار"
هل تمّت ضربة حزب الله ام هي مجرد مداعبة تمهيدية ؟