نشرت بجريدة "البناء" و"الخليج"
تاريخ 17-2-2018
ما العمل
اذا منعت "اسرائيل" لبنان من إستخراج نفطه ؟
د. عصام نعمان
تبادل لبنان اخيراً وثائق عقود التنقيب عن النفط والغاز مع ثلاث شركات عالمية : الفرنسية "توتال" والإيطالية "ايني" والروسية "نوفاتيك". اعمال التنقيب لن تبدأ قبل العام القادم . غير ان ثمة خشية من ألاّ تبدأ ابداً بسبب إندلاع حربٍ محتملة بين لبنان و"اسرائيل". لماذا ؟ لأن "اسرائيل" تدّعي ان القطاع Block رقم 9 من المياه الاقليمية اللبنانية ملكها، وقد تلجأ الى القوة لمنع الشركات المتعاقدة مع لبنان من التنقيب. ماذا يحدث اذا تجاهل لبنان تهديدات "اسرائيل" واوعز الى الشركات المتعاقدة بمباشرة اعمال التنقيب بلا ابطاء ؟
ثمة إحتمالات عدّة :
- رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري اتفقوا على رفض التهديدات الاسرائيلية وكرسوا موقفهم الصلب بقرار حاسم للمجلس الاعلى للدفاع يقضي بمواجهة اي خرقٍ يمس سيادة البلاد براً او بحراً . وكان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد مراراً ان المقاومة ستردّ بالقوة على "اسرائيل" اذا ما حاولت منع لبنان من ممارسة حقوقه السيادية في مياهه الاقليمية ، وأعاد تأكيد هذا الموقف امس. هل يعقل ان تستخدم "اسرائيل" القوة لوقف اعمال التنقيب في المياه الاقليمية اللبنانية معرّضةً للتدمير منشآتها النفطية القائمة على بعد امتار معدودة من البلوك 9 اللبناني ؟
- يرجّح فريق من المراقبين ان "اسرائيل" ستمتنع عن استخدام القوة ليس لتفادي تعريض منشآتها النفطية للتدمير فحسب بل لحرصها ايضاً على تفادي صدام سياسي مباشر (وربما عسكري غير مباشر) مع روسيا كون شركة "نوفاتيك" العاملة في منطقة البلوك 9 روسية الجنسية.
- فريق آخر من المراقبين يرى ان "اسرائيل" تهدد بإستخدام القوة للضغط على لبنان من اجل حمله على القبول بشكلٍ من اشكال التفاوض معها بغية التوصل الى تسوية بشأن ملكية البلوك 9. لكن ، ماذا لو رفض لبنان التفاوض ؟
- لتفادي مضاعفات عسكرية تؤذي "اسرائيل" في هذه الآونة ، ولا سيما بعد صدامها العسكري الاخير مع سوريا وإسقاط طائرة متطورة لها من طراز F-16 ، سارعت واشنطن الى إيفاد مساعد وزير خارجيتها دايفيد سترفيلد الى بيروت مستبقاً وزيره ركس تيلرسون بغية التمهيد لزيارته بإزالة العقبات وتلطيف الحساسيات. سترفيلد قدّم للمسؤولين اللبنانيين رشوةً وأطلق تهديداً. الرشوة تمثّلت بتأكيدٍ مفاده أن "اسرائيل" لن تبني جدارها الفاصل بينها وبين لبنان على النقـاط الـ 13 المتنازع عليها في الخط الازرق المحاذي لحدود لبنان مع فلسطين المحتلة ، مقترحاً تسوية النزاع بالتفاوض مع "اسرائيل" من خلال تبادلٍ للأراضي معها. التهديد تمثّل بتحذيرٍ بأن "اسرائيل" لن تتوانى عن استخدام القوة اذا رفض لبنان التفاوض وباشر عمليات التنقيب.
- المسؤولون اللبنانيون تجاهلوا الرشوة ورفضوا التهديد. قالوا لسترفيلد إن "اسرائيل" لا تفي بإلتزاماتها ووعودها ولا تنفذ قرارات الامم المتحدة ، سيما وان اعمال بناء الجدار الفاصل ما زالت ناشطة وما من شيء يضمن عدم تعدّيها على النقاط المتنازع عليها ، خاصةً تلك القريبة من الناقورة على شط البحر المتوسط وما يمكن ان ينجم عن ذلك من تداعيات بالنسبة الى حدود البلوك 9 في المياه الاقليمية . اما رفض التهديدات فمردّه الى ترسمّل لبنان على نجاح سوريا في كسر هيبة سلاح الجو الإسرائيلي من جهة ووثوقه بقدرة جيشه والمقاومة على التصدّي للتعدّي الإسرائيلي اياً كان حجمه .
- تيلرسلون في اجتماعه الى الرؤساء الثلاثة ركّز على ضرورة وقف انشطة حزب الله وسحب مقاتليه من سوريا ، متبنياً مقولات سترفيلد بشأن مسألتي الجدار الفاصل والنزاع حول البلوك 9 ، وداعياً الى التهدئة ومعاودة التفاوض مع "اسرائيل" .
- تهدئة الخلاف حول بناء الجدار الفاصل وملكية البلوك 9 قد يجمّد النزاع بعض الوقت لكنه لا ينهيه . بالعكس ، قد تتسبب اية خطوة اسرائيلية عدائية في البر او البحر باندلاع الحرب بالنظر الى الحساسية السائدة بين كِلا الطرفين من جهة وتصميم سوريا وحلفائها على ردّ الصاع صاعين اذا ما حاولت "اسرائيل" التعدّي على اي من حلفائها من جهة اخرى.
- تتردد في الاوساط الديبلوماسية القريبة من الاميركيين كما من المعادية لهم تكهنات وتصورات متعددة للخروج من الأزمة او لتهدئتها . ثمة من يعتقد ان واشنطن ستطالب موسكو بالعمل من اجل تفادي زعزعة الإستقرار في المنطقة وذلك بحمل شركة "نوفاتيك" الروسية على وقف عملياتها في منطقة بلوك 9 تجنباً لإندلاع صدامٍ عسكري. آخرون يعتقدون ان ايران ستضغط ، في المقابل ، على روسيا لرفض المقاربة الاميركية المريبة وان استجابة موسكو مرجّحة في هذا السبيل بدليل انها وافقت ، بادىء الامر ، على السماح لشركة "نوفاتيك" بالتعاقد مع الحكومة اللبنانية رغم علمها بالمخاطر التي تكتنف عمليات التنقيب وتهديدات "اسرائيل" ذات الصلة.
- ثمة من يعتقد ايضاً انه لا يمكن معالجة النزاع اللبناني- الإسرائيلي المحتدم بمعزل عن الصراع الاكبر المتأجج حالياً بين دول محور المقاومة من جهة "واسرائيل" واميركا من جهة اخرى ، وان الإحتمال الأرجح هو متابعة لبنان عمليات التنقيب متجاهلاً تهديدات "اسرائيل" لتقديره (شأن حلفائه) ان "اسرائيل" لن تلجأ الى استخدام القوة تفادياً لحربٍ مكلفة تعرف سلفاً انها غير قادرة على كسبها في هذه المرحلة.
- الى ذلك ، ثمة من يقترح مقاربة اخرى متوازنة في رأيه قوامها نقل القضية الى مجلس الامن الدولي لإستصدار قرار مزدوج : منع "اسرائيل" من بناء الجدار الفاصل على النقاط المتنازع عليها في الخط الازرق وذلك تحت رقابة القوات الدولية "يونيفيل" ، ومطالبة لبنان بتأجيل تنفيذ عمليات التنقيب عن النفط والغاز في منطقة البلوك 9 لمدة سنتين بإنتظار إجراء تحقيق عملاني من قبل الامم المتحدة لترسيم حدود المياه الاقليمية بين لبنان و"اسرائيل" على ان يرافق هذه العملية قيام لجنة فنية اممية بمراقبة عمليات استخراج النفط والغاز في منطقة التنقيب الإسرائيلية للحؤول دون سطوها من الباطن على مخزون لبنان من النفط والغاز في أعماق البلوك 9.
بهذا التدبير العملاني يجري شراء الوقت بأمل التوافق في الامم المتحدة على ايجاد مخرج من الأزمة المحتدمة بين لبنان و"اسرائيل ".
تقديري الشخصي ان "اسرائيل" لن تتخلى عن مطامعها وعدوانيتها . في المقابل، لبنان (ومعه محور المقاومة) لن يتخلى عن حقوقه وسيواجه التعدّي بالتصدي ، ويكسب .