جريدة "الخليج"
الامارات العربيةالمتحدة ، تاريخ 1/3/2014
اوكرانيا تلهي امريكا عن سوريا ؟
د. عصام نعمان
يغالي بعض المحللين في تقدير إنشغال اوباما بالحرب الدائرة في سوريا الى درجة لم يتورعوا معها عن الادعاء بإنه فجّر ازمة اوكرانيا في وجه بوتن اقتصاصاً منه لدعمه نظام الاسد في سوريا
اوباما منشغل فعلاً بالحرب في سوريا وعليها لأسباب تتعلق بمصالح امريكا في المنطقة ومصالح حلفائها ولاسيما اسرائيل ، لكن انشغاله لا يرقى الى درجة فتح معركة مع بوتن في اوكرانيا قد تؤدي الى حصول صدام عسكري لا مصلحة للقطبين في الإنزلاق اليه ثم من قال ان لدى الولايات المتحدة النية والقدرات اللازمة لمواجهة روسيا في عقر دارها ؟
صحيح ان اوباما حريص ، شأن اوروبا ودول الخليج و"اسرائيل" ، على اخراج سوريا من محور الممانعة والمقاومة ، وإنه يُعدّ وحلفاؤه لهجمة بإتجاه دمشق تقوم بها فصائل المعارضة السورية من الحدود الاردنية – السورية ، لكنه اذكى من ان يورط بلاده بإلتزامات واعباء جديدة باهظة لا قدرة لها على الوفاء بمتطلباتها وسط الازمة الإقتصادية التي ترزح تحتها بوصول الدين العام الامريكي الى ما يزيد على 17 تريلينون (الف مليار) دولار
كانت واشنطن تؤمل بأن تدخل فصائل المعارضة السورية الجولة الاولى من مفاوضات مؤتمر جنيف-2 بوفد موحد وبوضع ميداني متكافيء مع النظام السوري لكن المعارضة السورية خيبّت املها فالفصائل الإسلاموية المقاتلة ، ولاسيما "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) و"جبهة النصرة" ، بالإضافة الى "الجيش الحر" انخرطت في حرب تصفية فيما بينها ما عزز وضع الجيش السوري ميدانياً ومكّنه من السيطرة على مواقع عدة لها في أرياف حلب وحمص ودمشق ثم ان فصائل المعارضة عجزت عن التوصل الى صيغة مقبولة لوفد موحد ، فكان ان شكّل "الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية" وحده الوفد المفاوض رغم افتقاره الى مساندة وازنة من اي تنظيم مسلح في مسارح القتال
بعد اخفاق الطرفين في الجولة الاولى من المفاوضات في تحقيق نجاحٍ ملموس ، قررت واشنطن اعادة النظر بسياستها تجاه سوريا بالتزامن مع اعادة النظر بسياستها تجاه اوكرانيا وصولاً الى إعادة النظر بسياستها تجاه روسيا اقليمياً ودولياً فإدارة اوباما كانت ليّنت موقفها من روسيا في ظل حكم فلاديمير بوتن لإعتقادها ان التحدي الاساس الذي يواجهها لم يعد في اوروبا والشرق الاوسط بل اضحى في آسيا بفضل تعاظم قدرات الصين في جميع الميادين
بسبب تصادم المصالح مجدداً في الشرق الاوسط بين اميركا وروسيا ، اصبحت المجابهة تجري على مدى قوس يمتد من دمشق الى جنيف ومن ثم الى كييف ففي اوكرانيا ، انتقلت اميركا واوروبا من ابداء النصح للرئيس فيكتور ياناكوفيتش الى ابداء التأييد العلني للمعارضة المعادية لروسيا ودعمها بالاسلحة ما ادى الى استيلاء "الثوار" القوميين المتطرفين على السلطة في كييف العاصمة وهروب ياناكوفيتش الى جنوب البلاد
غير ان محور الجهد الامريكي الرئيس ما زال يتركّز على سوريا فقد جرى تسريب اخبار من عواصم اميركا واوروبا كما من "اسرائيل" بأن واشنطن اعادت النظر بسياستها تجاه سوريا بقصد تمكين المعارضة المسلحة من شن هجوم واسع من جهة الحدود الاردنية – السورية بإتجاه دمشق لحمل النظام على التراجع والرضوخ لمطلب امريكا اقامة حكومة انتقالية من دون مشاركة الرئيس الاسد لهذه الغاية قامت واشنطن ، بحسب صحف امريكية وبريطانية واسرائيلية، بإتخاذ التدابير الآتية:
- تدريب لا اقل من ثلاثة الاف مقاتل للمعارضة في الاردن لدفعهم الى سوريا من جهة درعا غرباً والبادية شرقاً
- احتضان عملية توحيد 49 فصيلاً للمعارضة في جنوب سوريا وضمها الى "جيش" العميد عبدالاله بشير النعيمي الذي نصّب نفسه رئيساً لأركان "الجيش الحر" بعد اطاحته قائده السابق اللواء سليم ادريس
- تزويد مجموعات المعارضة المسلحة اسلحةً نوعية كالصواريخ المضادة للدروع وقذائف المدفعيـة الثقيلة ، واجازة تسليحها بصواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات
- النظر في امكانية فرض منطقة حظر جوي في جنوب سوريا ، بما في ذلك منطقتي حوران و القنيطرة المحاذيتين للجولان المحتل
- تقديم معلومات رادارية واستخبارية لقوات المعارضة حول تحركات القوات السورية وسلاحها الجوي
قبل ايام وساعات من انطلاق هجمة المعارضة السورية من الحدود الاردنية بإتجاه دمشق ، انفجرت الازمة في اوكرانيا فسارع اوباما الى الإتصال بنده بوتن ليقول له إنه مع تسوية النزاع في إطار اوكرانيا نفسها وبعيداً من العنف
صحيح ان امريكا واوروبا دعمت معارضي ياناكوفيتش بالمال والسلاح ، لكن اوباما أقرّ بأن لاوروبا الدور الاول في معالجة الازمة لماذا ؟ لسببين : لأن اوروبا اقرب جغرافياً وسياسياً ، ولأن امريكا لا تريد ان تنشغل باوكرانيا عن سوريا وهل تتورط امريكا في اوكرانيا وهي التي تعاني ، حالياً ، من "اسرائيل" في مسألتين:
الاولى ، مسألة الإستيطان وبسط سيادتها على المسجد الاقصى ما ادى الى اتخاذ البرلمان الاردني توصية بطرد السفير الإسرائيلي من عمان
الثانية ، مسألة إغارة سلاحها الجوي على موقع لحزب الله في لبنان بدعوى منعه من الحصول على اسلحة "كاسر للتوازن"
بإختصار ، امريكا منشغلة بنفسها ، ومنشغلة بـِ "اسرائيل" ومفاعيل توسعها الإستيطاني على الفلسطينيين وحلفائها العرب المحافظين ، فلا سبيل لتشغل نفسها عن الحرب السورية بملابسات وأعباء ازمة اوكرانيا