دول اوروبا امام سؤال محرج : ماذا نفعل بإرهابيين من مواطنينا معتقلين في دول عربية ؟
نشرت بجريدة "البناء" و"الخليج"
تاريخ 19/1/2018
دول اوروبا امام سؤال محرج :
ماذا نفعل بإرهابيين من مواطنينا معتقلين في دول عربية ؟
د. عصام نعمان
تقف دول اوروبية عدّة امام سؤال محيّر ومحرج : ماذا نفعل بإرهابيات وإرهابيين سابقين و"متقاعدين" ، معتقلين في دول عربية او طلقاء في دنيا الله الواسعة ، يحملون او يحملّن جنسيات دولنا ؟
بعضٌ من الجماعات الإرهابية ، ذكوراً واناثاً ، تائب او يدّعي ذلك. بعضهم الآخر "تقاعد" منذ زمن طويل وهو يروم الآن المغفرة من سلطات الدولة الاوروبية التي يحمل جنسيتها ويأمل بالحصول على عفوٍ منها او محاكمة عادلة بعد عودته اليها او استرداده من حيث هو مسجون او موقوف.
دول اوروبا المبتلاة بهؤلاء الإرهابيين المعتقلين و"المتقاعدين" حائرة ، لا تدري كيف تخرج من هذه الورطة. ثمة بين مسؤوليها مَن يجاهر بدعوة الدول التي يقبع بعض من هؤلاء في سجونها الى أن تتولى محاكمتهم وفق قوانينها النافذة. بعضهم الآخر يدعو الى استردادهم ومحاكمتهم في دولة الموطن الأصلي . لكن ، ماذا عن اولئك "المتقاعدين" الطلقاء السارحين في شتى انحاء العالم بعدما جرى"صرفهم من الخدمة" او فرّوا من مشغّليهم ولم تصدر بحقهم اية احكام قضائية ؟ أليسوا عناصر مرشّحة الى معاودة سيرتها الاولى او الى تشكيل "خلايا نائمة" او التحوّل الى "ذئاب منفردة" تنقضّ على فريستها في الزمان والمكان المناسبين ؟ ثم ماذا عن اطفال هؤلاء الإرهابيين والإرهابيات ؟ انهم ابناؤهم وبناتهم لهم ولهنّ الحق في جنسية ابائهم وامهاتهم بحكم القانون ، فهل يجوز ان يُترَك مصيرهم لدولٍ ولسلطات أمرٍ واقع تحتجز ذويهم المتهمين بإرتكاب جرائم هم غير مسؤولين عنها ؟
هذه عيّنة من اسئلة كثيرة يطرحها مسؤولون في دول اوروبية مبتلاة بوجود مئات بل الآف من مواطنيها كانوا او ما زالوا منضوين في صفوف تنظيمات إرهابية ناشطة في سوريا والعراق وليبيا ولبنان وسواها.
ثمة اسئلة اخرى تتعلّق بدول عربية تعتقل ارهابيات وارهابيين يحملون جنسيات اوروبية ؟ هل تقبل بتسليمهم الى دولة الموطن الاصلي الاوروبية اذا ما طلبت هذه الدولة استردادهم ؟ وكيف تتصرف دولة الموطن الاوروبية اذا ما اكتشفت ان مواطنيها الموقوفين بتهمة الإرهاب موجودون لدى إحدى سلطات الأمر الواقع التي لا يشكّل كيانها دولةً بحسب احكام القانون الدولي كـقوات سوريا الديمقراطية "قسد" الكردية التي تحتجز الكثير من ارهابيي "داعش" وإرهابياتها في بلدات محافظة الرقة السورية التي تسيطر عليها بدعمٍ من قواتٍ اميركية منتشرة في مناطقها ؟
الى ذلك ، ثمة مشكلة اخرى اكثر تعقيداً : ماذا لو قامت دولة كسوريا او العراق بمحاكمة ارهابيين امام محاكمها بموجب قوانينها النافذة وتكشّفت المحاكمة عن وجود احكام قضائية صادرة بحقهم في الدول الاوروبية التي يحمل هؤلاء الإرهابيون جنسياتها تقضي بإدانتهم لإرتكابهم افعالاً ارهابية ، ومع ذلك قامت بمنحهم سمات خروج من اراضيها او اخرى تجيز لهم السفر الى سوريا والعراق او الى دول مجاورة لهاتين الدولتين ضالعة بتوريد المقاتلين والسلاح والعتاد الى تنظيمات متمردة عليهما بل تحتل مناطق حدودية شاسعة من ترابهما الوطني ؟ وماذا سيكون الاثر القانوني والعملي لأحكام قضائية صادرة عن محاكم في سوريا والعراق تقضي بإدانة تلك الدول الاوروبية لثبوت وجود صلة جرمية لها بهؤلاء الإرهابيين المحكومين بارتكاب جرائم موصوفة في اراضيها ؟ وماذا لو تضمّنت تلك الاحكام القضائية إلزامات لمصلحة تلك الدول العربية بدفع تعويضات مالية للمتضررين من مواطنيها نتيجةَ افعالٍ جرمية ارتكبها ارهابيون منتمون الى تلك الدول الاوروبية ويحملون جنسياتها ؟
الى ذلك ، يتضح من تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الاسبوعي الصادر بتاريخ 13-14 يناير/كانون الثاني 2018 ان هناك اكثر من 4300 مواطن من مختلف دول اوروبا غادروا الى سوريا والعراق منذ العام 2016 وذلك بحسب دراسة اعدّها مؤخراً المركز الدولي لمناهضة الإرهاب الكائن في لاهاي (هولندا) ، وان ضباط الشرطة القضائية الفرنسية يقدّرون ان بين هؤلاء نحو 690 فرنسياً ، 295 منهم نساء. حسناً ، هل طلبت الحكومة الفرنسية من الحكومة السورية تسليمها مواطنيها الإرهابيين المعتقلين لديها ؟ وكيف ستنظر المحاكم السورية الى مسألة امتناع الحكومة الفرنسية عن طلب استردادهم ؟ هل ستعتبر ذلك دليلاً او ، في الاقل ، قرينة على وجود صلة مريبة بين السلطات الفرنسية والارهابيين الجارية محاكمتهم ؟ وهل تترتب على الحكومة الفرنسية وموظفيها اية مسؤولية جزائية في هذا المجال ؟ وهل ينشأ نتيجة ذلك حقٌ للحكومة السورية بملاحقتهم قانونياً وسياسياً امام الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ؟
لم يصدر عن حكومتي سوريا والعراق حتى الان موقف يشير الى ما تنتويان اجراءه في هذا المجال. لكن الامر الوحيد الثابت حتى إشعار آخر انهما تعتزمان محاكمة الإرهابيين والإرهابيات المعتقلين والمعتقلات لديها امام محاكمها الوطنية المختصة.