نشرت بجريدة"البناء"
تاريخ 15-1-2018
نحو إطالة الحرب في سوريا وعليها
...وضد روسيا وايران ايضا ؟
د. عصام نعمان
حرب اميركا و"التحالف الدولي" ضد الإرهاب كانت وما زالت حرباً في سوريا وعليها . في المقابل ، كانت حرب سوريا وحلفائها في محور المقاومة حرباً دفاعية ضد الإرهاب وشركائه في "التحالف الدولي" وفي مقدّمها اميركا و"اسرائيل" وتركيا. إنهيار تنظيم "الدولة الإسلامية- داعش" صبّ في مصلحة سوريا وحلفائها وهدّد المخطط الصهيواميركي بالإنحسار، كما أربك سياسة تركيا حيال الكرد في شمال سوريا.
"اسرائيل" تحسّبت سلفاً لتداعيات انهيار "داعش" ومثيلاته من التنظيمات الإرهابية ، فإعتمدت جملة مواقف سياسية وترتيبات عسكرية لتمكينها، بدعم من اميركا ، من مجابهة سوريا وحلفائها واحتواء مفاعيل انهيار"داعش" والمكاسب التي تجنيها سوريا جرّاء ذلك.
في هذا الإطار ، يمكن رصد التطورات الآتية :
اولاً، موقف "اسرائيل" المبكر المعارض لسعي ادارة باراك اوباما الى تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي ، وتطور موقفها هذا الى عداء صريح لاوباما ودعوة سافرة الى ضرب ايران بعدما توصلت معها الدول الخمس الكبرى زائداً المانيا الى الإتفاق النووي.
ثانياً ، قيام ادارة اوباما بتعويض "اسرائيل" "خسارتها" الناجمة عن إقرار الاتفاق النووي بتجريد سوريا من اسلحتها الكيميائية كمقابل للإمتناع عن ضربها جواً وبحراً من جهة ، ومن جهة اخرى دعم التنظيمات الارهابية والمحلية المناهضة لدمشق في سياق المخطط الصهيواميركي الرامي لتفكيك سوريا الى خليط من جمهوريات الموز القَبَلية والمذهبية والأثنية .
ثالثاً ، اعلان بنيامين نتنياهو في لقاء مع سفراء دول حلف "الناتو" لدى "اسرائيل" ان حكومته عاقدة العزم على منع ايران من التموضع في سوريا ، كما منع نقل اسلحة مخلّة بالتوازن من سوريا الى حزب الله في لبنان.
رابعاً ، بالتزامن مع هجوم شنّته تنظيمات ارهابية في محافظة ادلب بالطائرات المسيّرة بلا طيار على القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس ، شنّت "اسرائيل" 3 هجمات صاروخية على مواقع عسكرية سورية في منطقة القطيفة ( ريف دمشق) بدعوى استهداف مستودعات اسلحة لحزب الله.
خامساً ، نسّقت "اسرائيل" (واميركا) بين تنظيمات متعاملة معها لشنّ هجماتٍ على موقع "ادارة المركبات " في حرستا (غوطة دمشق الشرقية) بالتزامن مع هجمات شنّتها تنظيمات ارهابية تدعمها تركيا على قوات الجيش السوري في اطراف مطار ابو الضهور شرقيّ محافظة ادلب.
تركيا واميركا تنصّلتا من تهمة قيامهما بتوفير الطائرات المسيّرة للجهة التي هاجمت القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس. الرئيس بوتن برّأ انقرة من التهمة ، لكنه لم يؤكدها حيال واشنطن وإن كان لمّح اليها. غير ان تبرئة تركيا لا تنفي واقعة اخرى اشد خطورة هي دعمها المكشوف لجبهة "النصرة" في حربها المتصاعدة ضد سوريا وجيشها في وسط سوريا وشمالها الشرقي ، وإدخالها قوات مدرعة الى منطقة عفرين الحدودية والتهديد بإحتلالها بدعوى منع الكرد السوريين من اقامة كيان انفصالي فيها.
الى ذلك ، حشدت تركيا اكثر من 15 الف جندي في ولاية كيليس المحاذية لحدود مدينة عفرين السورية ، كما انشأت مستشفيات ميدانية في منطقة قوملو في محافظة هاتاي الحدودية. فوق ذلك ، طلب رجب طيب اردوغان من بوتن الضغط على سوريا من اجل وقف هجوم الجيش السوري على التنظيمات المسلحة المتعاملة مع تركيا في محافظة ادلب تفادياً لتقويض النفوذ التركي فيها.
من الواضح ان تركيا تتطلع الى احتلال شريط حدودي في شمال سوريا من عفرين غرباً الى القامشلي شرقاً لتبريرغرضين متلازمين : منع الكرد السوريين من اقامة كيان انفصالي في شمال سوريا متصل جغرافياً بمنطقة ديار بكر الكردية في جنوب شرق تركيا ، واستغلال ذلك لتعزيز مركزها التفاوضي في مؤتمر سوتشي اواخرَ الشهر الجاري ومؤتمر جنيف لاحقاً المفترض ان يتمّ فيه ارساء المرتكزات النهائية لتسوية الازمة السورية . لتركيا ، اذاً ، مصلحة في ادامة الحرب في سوريا وعليها لغاية تحقيق اغراضها الأمنية والسياسية.
بالمقارنة مع تركيا ، تبدو مصلحة "اسرائيل" في ادامة الحرب اكثر بروزاً واشد خطورة . فالمحلل العسكري أليكس فيشمان كشف في صحيفة "يديعوت احرنوت"(2018/1/10 ) ان قادة المؤسسات الامنية في "اسرائيل" اكثروا من الحديث عن إمكان ان تقيم ايران قواعد جوية وبحرية وبرية في سوريا وان "المشكلة المركزية في الجبهة السورية هي اقامة منظومة كثيفة من صواريخ ارض-ارض دقيقة تبدأ في لبنان وتمتّد حتى جنوب الجولان وتغطي كل مناطق فلسطين المحتلة وذلك في موازاة جبهة صورايخ يبنيها الإيرانيون في قطاع غزة (...) فلا يمكن بعد اليوم الإختباء خلف اقوال غامضة وتلميحات لأن ما يجري في الجبهة الشمالية هو حرب بكل معنى الكلمة وعلى العدو ان يعرف ذلك ، والاهم هو ان على الجمهور في "اسرائيل" ان يستوعب وان يستعد".
اذ يتأكّد تصميم "اسرائيل" على تأجيج الحرب في سوريا وعليها لحمل ايران على وقف تكثيف تمركزها في سوريا ، بحسب مزاعم وزير حربها افيدغور ليبرمان ، تثابر اميركا في هذه الاثناء على دعم الكيان الصهيوني بدليل قرار دونالد ترامب تمديد نظام رفع العقوبات للمرة الاخيرة عن ايران وتأكيد عزمه على الإنسحاب من الاتفاق النووي ما لم توافق ايران على تعديل بنوده .
ماذا تراه يكون موقف روسيا ؟
من الواضح ان بوتن مصمم على عقد مؤتمر سوتشي وإنجاحه، وانه لهذا السبب يتريث ولا يدين تصرفات تركيا المشبوهة في شمال سوريا واعتداءات "اسرائيل" المتكررة عليها مباشرةً او مداورةً عبر تنظيمات ارهابية تنوب عنها، ولكن لصبره ازاء ذلك كله حدوداً. فقد صرح الناطق بإسم القوات الروسية في قاعدة حميميم الكسندر ايفانوف إن " على تركيا ان تعي تماماً ان الهجوم الذي تشنه القوات الحكومية السورية بدعم من القوات الجوية الروسية في منطقة خفض التصعيد في ادلب لا يتنافى مع بنود الاتفاق (...) ونحن تعهدنا سابقاً القضاء على تنظيم "النصرة" في جميع مناطق سوريا هذا العام".
موقف موسكو الردعي حيال الدعم التركي لجبهة "النصرة" لا نقع على مثيل له حيال الإعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سوريا ربما لأن موسكو واثقة بأن دمشق ، بدعم علني من طهران وحزب الله وغيره من قوى المقاومة الرديفة ، قادرة على ردع اسرائيل وتفشيل مخططها العدواني.
يتحصّل من مجمل ما تقدّم ان الحرب في سوريا وعليها قائمة ومحتدمة ، و ان اميركا تقف وراء "اسرائيل" او ضالعة معها في اعتداءاتها ومناوراتها لإطالة امدها ، وان تركيا لن تتورع عن القيام بعمليات عسكرية في شمال سوريا لتعزيز مركزها التفاوضي في مؤتمريّ سوتشي وجنيف بغية ضمان منع الكرد السوريين من اقامة كيان انفصالي على طول حدودها مع سوريا ، وان روسيا تثابر على بذل اقصى جهودها من اجل عقد مؤتمر سوتشي وانجاحه اواخرَ الشهر الجاري. اما قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، حليفة سوريا وايران ، فإنها متيقظة ومستنفَرَة ، بحسب قائدها السيد حسن نصرالله ، لمواجهة اسوأ الإحتمالات وهو "الحرب الكبرى" التي يمكن ان تشنها "اسرائيل" بمشاركة اميركا او بمساندة قوية منها .
حاضر المشهد الاقليمي كما مستقبله ما زالا غامضين ومترعين بشتى الإحتمالات والتحديات.