نشرت بجريدة "القدس العربي"
تاريخ 26/12/2017
هزيمة اميركا في الامم المتحدة لا تكفي
يجب توسيع دائرة الإشتباك معها
د. عصام نعمان
انتصرت فلسطين وانصارها والملتزمون قضيتها العادلة في العالم بإتفاق اكثر من ثلثي اعضاء الجمعية العمومية للامم المتحدة على وجوب سحب قرار الولايات المتحدة الإعتراف بالقدس عاصمةً لـِ "اسرائيل" ، نعم، إنه انتصار معنوي وقانوني وسياسي لفلسطين وانصارها وهزيمة مدوّية لاميركا و"اسرائيل" واتباعهما. مع ذلك ، لا تكفي هذه الهزيمة لردعمهما وإكراههما على وقف مخططات التوسع الإستعماري والإستيطان والتهجير المنهجي للفلسطينيين اصحاب الوطن الاصليين من بيوتهم واملاكهم وديارهم .
القرار الأممي تاريخ 2017/12/21 ليس ، اذاً ، كافياً ولن يشكّل نهاية مقبولة لكفاح تاريخي موصول من اجل التحرير والعودة وبناء دولة مستقلة للفلسطينيين على كامل ترابهم الوطني . ما العمل ؟
لا بد من مواصلة الكفاح على الصعيدين الرسمي والشعبي من اجل بلوغ الاهداف المرتجاة ، مع ملاحظة الواقعات والتطورات والتحديات وممارسة المهمات الآتية:
اولاً : تراجعُ الولايات المتحدة ، حاضنة "اسرائيل" وراعيتها وحليفتها ، على جميع المستويات في عالمنا المعاصر وعجزها ، تالياً ، عن فرض ارادتها ومخطاطتها ومشاريعها ومصالحها على غيرها من الدول كما كان الامر عندما كانت ، ولمدة طويلة ، القطب الدولي الاول والاقوى والاكثر نفوذاً . وعليه ، يقتضي مبادرة اصحاب القضية وحلفائهم الى استثمار هذه الواقعة ، بل هذه الفرصة ، في إطار الإستراتيجيات والمخططات الرامية الى ردع العدوان الصهيواميركي وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
ثانياً : صعودُ قوى اقليمية وازنة ، ابرزها ايران وتركيا ، تتصادم اهدافها ومصالحها مع الولايات المتحدة و"اسرائيل" الامر الذي يصبّ في مصلحة الفلسطينيين وحلفائهم ويدعم السياسات والخطط الهادفة الى دعم المصالح المشتركة فيما بينهم في وجه اعدائهم ومنافسيهم.
ثالثاً : ضرورةُ تطوير وترفيع فعالية تنظيمات المقاومة العربية ، من فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية ويمنية ، والعمل على تأطيرها في جبهة واحدة وتنسيق أنشطتها السياسية والميدانية داخل مؤسسات محور المقاومة واطرافه الفاعلة .
رابعاً : توسيعُ دائرة الإشتباك تدريجاً مع الكيان الصهيوني على مستويات وفي ميادين عدّة ومن ثم ضد الحضور الاقليمي للولايات المتحدة وذلك في إطار مستلزمات الصراع وإغتنام الظروف الملائمة لإستخدام القدرات المتوافرة.
خامساً : ضرورةُ توظيف جهود واسعة وجادّة في مهمة تاريخية استراتيجية بالغة الأهمية هي تحقيق المشروع النهضوي العربي بأهدافه الخمسة : تجاوز حال الإنحطاط بإلتزام القيم العليا ومباشرة التجدد الحضاري ؛ وتكامل الامة في وحدة او اتحاد ؛ واستكمال الإستقلال الوطني والقومي ؛ وإرساء الديمقراطية في نُظم ومؤسسات ؛ وتوأمة التنمية المستقلة والعدالة الإجتماعية وحماية البيئة.
من مجمل هذه الأهداف الخمسة ، يقتضي التركيز في هذه المرحلة العصيبة وإعطاء اولوية راجحة للهدفين الاول والثاني ، ايّ للتجدد الحضاري وتكامل الامة في وحدة او اتحاد . ذلك ان التحديات التي تحيق بالعرب عامةً وبفلسطين والفلسطينيين خاصةً تستوجب تعميق الوعي بها وتركيز الفكر والجهد في مواجهتها وبالتالي ترفيع كفاية آليات المواجهة ومضاعفة فعاليتها وصولاً الى بناء دولة اتحادية (فدرالية) بين الاقطار التي تتيح قدراتها وظروفها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ولوج هذه العملية الأستراتيجية الملحّة والبالغة الأهمية . فالدولة الاتحادية المدنية الديمقراطية هي بمثابة رافعة ضرورية للوفاء بمتطلبات واعباء الاهداف النهضوية الثلاثة الباقية.
اذا كانت المقاومة ، في الوقت الحاضر ، خيار العرب الاحياء ونهجهم في المواجهة الميدانية للعدو الصهيوني ورديفه الاميركي فإن الإلتزام بالعمل المباشر ، الصادق والدؤوب ، يجب ان يكون خيار المثقفين الوطنيين ، ولا سيما نُخَبهم الملتزمة والناهضة بالمواجهة المدنية للعدو وحلفائه المحليين. فبالنخبة ، او بالاحرى بتوليد النُخَب وتطويرها ، يتحقق التجدد الحضاري ، وهو في جوهره تجديد لثقافتنا الوطنية بما هي عملية شاملة ومتكاملة تنطوي على نقد مزدوج للتراث وللغرب في آن وإعادة بناءٍ للتراث من الداخل وذلك من موقع الإستقلال والموضوعية والنزاهة وإيثار الخير العام.
يرتقي الإلتزام الوطني لدى أهل المقاومة غالباً الى مستوى الشهادة ، اي التضحية بحياتهم من اجل المبادىء والقيم التي يلتزمونها والأهداف التي يناضلون من اجل تحقيقها . هذه هي حال المقاومين الميدانيين في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن ، فهل هي حال المثقفين المدنيين المقاومين في هذه الاقطار وغيرها ؟
من اسف انها ليست كذلك . من هنا تنبع الحاجة الوجودية الملّحة الى استنهاض المثقفين المدنيين الملتزمين للإرتقاء بفعاليتهم الى مستوى المقاومين الميدانيين وحثهم على العمل الدؤوب والمتواصل ، وعلى المواجهة المستدامة حتى لو اقتضى الامر التضحية بالذات ، ناهيك عن التضحية بالاموال والمطامع والمصالح.
المقاومة المدنية والميدانية في زماننا حق وواجب وإلتزام وجودي . أن تقاوم شرط لأن تكون موجوداً . نعم ، المقاومة باتت شرط وجود .