نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 13/11/2017
اقصى ما تستطيعه السعودية
تصعيد مناوشات حربها "الناعمة" ضد حزب الله...
د. عصام نعمان
تنخرط السعودية ، مباشرةً او مداورةً، في ثلاث حروب ضد اليمن وسوريا والعراق . ومع إحتجازها رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ، انخرطت في حرب رابعة ضد حزب الله.
ظاهر الحال انها حروب ضد الإرهاب متمثّلاً بتنظيم "داعش" . واقع الحال إنها حروب ضد قوى المقاومة العربية، وضد ايران . مع هزيمة "داعش" في العراق وسوريا ، وقبلهما في لبنان ، استشعرت الرياض تحدياً داهماً يهدد نفوذها في شتى مناطق الاقليم وقد ينعكس سلباً على نظامها السياسي في الداخل. لذا صعّدت حصارها الظالم على اليمن ، وضاعفت تدخلاتها وضغوطها على لبنان لإحتضانه حزب الله.
بلغت حدّة التصعيد السعودي درجةً حملت سفير "اسرائيل" السابق في واشنطن دان شابيرو على نشر مقالةٍ في صحيفة "هآرتس" كشف فيها ان السعودية تحاول قيادة المنطقة عكس حركة السير فيها ، وحذّر حكومة نتنياهو من مغبة الإنجرار الى حربٍ ضد حزب الله. حتى ركس تيلرسون حذّر ايضاً ، بإسم اميركا ، جميع الأطراف من استخدام لبنان مسرحاً لخوض "نزاعات بالوكالة" !
هل بإمكان السعودية ، بعدُ ، شنّ حربٍ في لبنان ؟
يمكن استشفاف الجواب من تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لشبكة "سي ان بي سي" الاميركية للتلفزيون . منه يتضح ان قرار الحرب لم تتخذه الرياض بعد كونها "تبحث في خيارات عدّة وتتشاور مع اصدقائها وحلفائها حول العالم لإتخاذ قرار في شأن السبل الاكثر فاعلية للتعامل مع حزب الله الذي لم يكتفِ بعدم تسليم (!) اسلحته بل وضع عوائق امام كل مبادرة حاول رئيس الوزراء سعد الحريري تنفيذها".
عجباً ، ما دام الحريري قام بمبادرة لنزع سلاح حزب الله ، فلماذا استدعته الرياض على عجل واكرهته على تلاوة بيان معدّ سلفاً لإعلان استقالته من رئاسة الحكومة ؟
لعل السعودية تريد من الحريري اكثر مما قام به ضد حزب الله. فالحزب ، في رأي الجبير، "خطف النظام اللبناني وكان اداة تستخدمها ايران للسيطرة على لبنان وللتدخل في سوريا ومع "حماس" والحوثيين. لذا رأينا اذى حزب الله في المنطقة كلها" .
عندما يكون حزب الله على هذه الدرجة من الخطورة ، فلا بد ان الرياض تفكّر في عمل مباشر ضده ، فماذا تراه يكون ، سألته مندوبة CNBC التلفزيونية ؟ الجبير اجاب مراوغاً : "نحن صنّفنا حزب الله منظمة ارهابية (...) وعلى العالم اتخاذ اجراءات ضده لجهة تقييد تحركاته وصدّه في اي مكان يتحرك فيه (...) الشعب اللبناني يخضع لسيطرة الحزب ، وعلينا ان نجد طريقة لمساعدة اللبنانيين على الخروج من قبضته". كيف ؟
الجبير لم يفصح عمّا تعتزمه الرياض في هذا السبيل. صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية تبرعت بجوابٍ عنه مفاده انه بالإمكان تشغيل خلايا من لبنانيين واجانب ضد حزب الله في لبنان . بدوره وزير الإستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس تبرّع بفكرةً لأعداء الحزب مفادها ان الوقت مناسب لتنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 القاضي بتجريد الميليشيات في لبنان من اسلحتها . وكان وزير الحرب الاسرائيلي افغدور ليبرمان ركّز مؤخراً على خطورة حزب الله ونشاطه في لبنان وسوريا بقوله إنه لم يعد ثمة جبهة في جنوب لبنان واخرى في جنوب سوريا (الجولان) بل جبهة شمالية واحدة ينشط فيها حزب الله ضد "اسرائيل".
مع هذه الواقعات والتطورات ، يبقى السؤال مطروحاً : كيف يمكن ان تشنّ السعودية حرباً في لبنان لـِ "تخليصه" من قبضة حزب الله؟
ما من خبيرٍ عسكري يجرؤ على القول إنه في وسع السعودية ، البعيدة عشرات الآف الكيلومترات ، ان تشن حرباً مؤذية في لبنان. وكيف يكون في مقدورها اصلاً وهي المتورطة مباشرةً في حرب وحشية يائسة باليمن ، والمنشغلة مداورةً بأخرى بائسة في سوريا والعراق ، وبنزاعٍ متطاول مع قطر ؟ ثم هل يعقل ان تنشغل بهموم واعباء خارجية إضافية وهي ما زالت منغمسة في ازمة داخلية سياسية ومالية لها صلة قوية ، على ما يبدو ، بمسألة تأمين إعتلاء ولي العهد محمد بن سلمان عرش والده ؟
مع ذلك ، يجب عدم التقليل من خطورة ما يصدر عن الرياض في هذه الآونة من مواقف وتصرفات وما تلوّح به من تهديدات. ذلك ان مجمل ما تقوم به ، سياسياً وعسكرياً ، يوحي بأن وراء الاكمة ما وراءها وان قيادتها السياسية المتهورة توّاقة الى استغلال الدعم السياسي المكشوف والدعم العسكري الخفي الذي تقدّمه لها ادارة ترامب من جهة و"اسرائيل" من جهة اخرى. في هذا الإطار ، لا يستبعد مراقبون ان تتركّز جهود السعودية في الحاضر والمستقبل المنظور على مهمة محددة هي تصعيد مناوشات "الحرب الناعمة" ضد ايران وضد مَن تعتبرهم ايران حلفاءها الفاعلين في ساحات الاقليم الممتدة من بلاد الشام الى جبال اليمن المحاصر. ولعل الساحة المرشحة قبل غيرها الى مزيد من التوتير والتصعيد الأمني هي لبنان.
عينا السعودية و"اسرائيل" تتركّزان ، اذاً ، على حزب الله . ولا شك في ان قادة الحزب والقادة الامنيين اللبنانيين استوقفتهم اشارة صحيفة "يديعوت احرونوت" الى امكانية اللجؤ الى خلايا من لبنانيين واجانب للنيل من حزب الله ، كما لَفَتَهم ما قالته عن ان اعداء حزب الله يراهنون على تشغيل بقايا من تنظيمات ارهابية ما زالت متواجدة في مخيم عين الحلوة بجوار مدينة صيدا في عمليات تخريب واغتيالات (حذّر منها الرئيس ميشال عون) كما في محاولة قطع الطريق الى الجنوب لعزل وحدات حزب الله عن قيادتها المركزية في ضاحية بيروت الجنوبية.
هذا الإحتمال لا تخشاه قيادة حزب الله ومثلها القيادات الامنية اللبنانية. ذلك ان في حوزة الحزب كما الحكومة من القدرات ما يكفي لحمل الاعداء على التفكير مرتين قبل اللجؤ الى مثل هذه المحاولات الخائبة. لكن الرياض ما زالت ممعنة في عنادها وتصعيدها ، فهل تراها تراهن، كما فضحها السيد حسن نصرالله ، على هجمةٍ اسرائيلية ضد لبنان وحزب الله ؟
الى ذلك ، لا سبيل الى الرهان على اي تحرك شعبي مناهض لحزب الله في هذه الآونة . فقد قوبل احتجاز سعد الحريري في الرياض بإستنكار شعبي شامل بين اللبنانيين ، ولاسيما من اهل السنّة والجماعة وانصار الحريري الذين تعوّل عليهم السعودية في مثل هذه الظروف.
نعم ، السعودية تصعّد مناوشات حربها الناعمة ضد اعدائها ، خصوصاً على حزب الله في لبنان، لكن حربها تبقى على قدْرٍ من "النعومة" لن يشعر معها اللبنانيون بكبير انزعاج .
... والمقاومة مستمرة.