نشرت بجريدة"البناء"
تاريخ 6/12/2017
وظيفة اقليمية لإستقالة الحريري
هل تقاتل سوريا والمقاومة على جبهتين ؟
د. عصام نعمان
تزايدت ، منذ نحو شهر، عمليات "اسرائيل" العدوانية في سوريا وفلسطين ولبنان .
في سوريا ، ضرب سلاح الجو الإسرائيلي ، من اجواء لبنان ، مؤسسةً صناعية عسكرية في مصياف تبعد نحو 40 كيلومتراً عن قاعدة جوية روسية في حميميم بجوار اللاذقية. قصف بعدها قاعدةً جوية في القلمون تبعد نحو 50 كيلومتراً عن دمشق. اخيراً ، ضرب مؤسسة صناعية في محيط حمص بعدما كان قصف بالصواريخ مواقع مدفعية سورية في جوار الجولان المحتل.
معظم اعتداءات "اسرائيل" على سوريا يقوم بها سلاحها الجوّي من سماء لبنان. معظم صواريخ الدفاع الجوي السوري تتعقب الطائرات الحربية الإسرائيلية (وتُصيبها احياناً ) في اجواء لبنان . سماء لبنان أضحت في الاونة الاخيرة مسرحاً مفتوحاً للصراع.
غير ان ثمة تطوراً بالغ الدلالة حدث مؤخراُ. سلاح "اسرائيل" الجوي كان يستبيح اجواء لبنان في مهمات استطلاعية ، غالباً، لرصد تحركات المقاومة (حزب الله) . اليوم لا تقتصر مهماته على الإستطلاع بل تتعداها الى القيام بعمليات تستهدف مواقع سورية بالقصف والتدمير من مسافات بعيدة. نتنياهو سارع الى توظيف استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة وذرائعه في دعوة العالم الى توسيع مواجهة ايران والمقاومة "الإرهابيتين".
في فلسطين ، كانت "اسرائيل" وما زالت تستخدم سلاح الجو في اعتداءاتها شبه اليومية على قطاع غزة. ازدادت هذه الإعتداءات ضراوةً مع اعلان المصالحة الوطنية بين "فتح" و"حماس" . بلغت ، قبل ايام ، ذروة وحشية بتدمير نفق في جنوب القطاع لحركة الجهاد الإسلامي اودى بحياة اكثر من عشرة مقاتلين ناهيك بالجرحى والمتضررين.
هذه الاعتداءات المتصاعدة على سوريا وفلسطين جاءت نتيجةَ ضائقة سياسية واستراتيجية متنامية تعانيها "اسرائيل" منذ إقرار الإتفاق النووي بين ايران وست دول كبرى من جهة ، ومن جهة اخرى إنكسار رهانها (واميركا) على دورٍ فاعل لـِ "داعش" في وجه سوريا ، وتواتر اخبار عن وجودٍ متنامٍ لوحدات مقاومة ناشطة في محيط الجولان المحتل تدعمها ايران. بإختصار ، "اسرائيل" قلقة جداً من مفاعيل وجود ايران في سوريا ، فماذا يمكنها ان تفعل ؟
يُستفاد من دراساتٍ لمؤسسات الامن القومي ومقالات لمعلّقين عسكريين اسرائيليين ان المنظومة السياسية والعسكرية الحاكمة تتجاذبها تصوّرات ومقاربات مختلفة في مسألة الخروج من الضائقة السياسية والإستراتيجية الراهنة. ثمة فريقان ، على ما يبدو ، يتصدران مجهودات البحث والتخطيط الآيلة الى التنفيذ : فريق تقليدي يلتزم نهج التحالف الكلاسيكي المزمن مع الولايات المتحدة والتقيّد بمتطلباته في شتى ساحات الصراع ، وفريق راديكالي يعي محاذير الإنفراد بشن حربٍ على ايران او حزب الله. غير ان كِلا الفريقين يلتقيان في الوقت الحاضر على اعتماد خيار"القوة الناعمة" Soft Power حيال ايران وسائر اطراف محور المقاومة . في سياق هذا النهج ، يجري تشغيل تنظيمات ارهابية، وتنفيذ عمليات تخريب استخبارية ، وتدبير فتن طائفية ومذهبية ، وفرض عقوبات اقتصادية ، كما اللجؤ الى حروب محدودة لتقويض قدرات العدو في مختلف الميادين .
"اسرائيل" تعتمد دائماً نهج "القوة الناعمة" في مواجهة اعدائها. لكن لوحظ في الأشهر الثلاثة الماضية انها ضاعفت ووسعت من اعتمادها العمليات العسكرية المباشرة والمدمِّرة ضد اعدائها ولاسيما سوريا والمقاومة. والظاهرة اللافتة هي ازدياد إستخدام "اسرئيل" اجواء لبنان لضرب القوات والمواقع السورية وما تستطيع تحديده من مواقع للمقاومة . هذا التطور يمكن ان يؤدي الى إفراز مخاطر ثلاثة :
اولها دفعُ سوريا الى القتال على جبهتين: واحدة في الشرق(البوكمال) ضد "داعش" المدعوم ضمناً من الولايات المتحدة عبر "قوات سوريا الديمقراطية – قسد" ، والاخرى ضد "قسد" تحديداً في الرقة والحسكة وشمال حلب الشرقي حيث للقوات الاميركية قواعد ومطارات ، والجبهة الاخرى في الغرب على مدى اجواء لبنان التي يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي للإستطلاع وللقصف من مسافات بعيدة ضد قواعد سورية عسكرية وصناعية .
ثانيها دفعُ حزب الله الى القتال بصورة متزامنة على جبهتين: واحدة عسكرية في مواجهة "اسرائيل" على طول حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة ، وفي سوريا حيث تساند وحداته المقاتلة الجيش السوري في ميادين عدة ، والاخرى سياسية نتيجةَ الحرب الجوية التي تدور في اجواء لبنان بين سوريا و"اسرائيل" وتداعياتها السياسية على حلفاء سوريا اللبنانيين في علاقاتهم مع خصومهم من حلفاء اميركا والدول العربية المحافظة.
ثالثها إحراجُ روسيا الملتزمة دعم سوريا عسكرياً ضد "داعش" و"النصرة" واخواتهما من جهة والمنهمكة سياسياً ، من جهة اخرى، في توليف مبادرات ومؤتمرات للحوار والتوفيق بين مختلف اطراف المعارضة السورية الموزعين في ولائهم بين اميركا وتركيا والسعودية.
كيف يمكن ان تواجه سوريا والمقاومة هذه التحديات المستجدة ، خصوصاً بعدما اعطى الحريري اعداء محور المقاومة ذرائع طازجة لتوسيع دائرة العدوان ؟
ثمة مساران للمواجهة : واحد للمدى الطويل وآخر للمدى القصير والمتوسط.
في المدى الطويل ، لا بد من ان تتكامل جهود سوريا وايران وروسيا، سياسياً وعسكرياً ، في مسار يؤدي الى طرد التنظيمات الإرهابية والاخرى الموالية لاميركا وتركيا والسعودية ، والى إعادة توحيد سوريا تالياً وبسط سيادتها على كامل ترابها الوطني.
في المدى القصير والمتوسط ، لا بدّ من تطوير قدرات سوريا الذاتية على نحوٍ يمكّنها من الدفاع عن نفسها من جهة ، وردع "اسرائيل" بتحقيق توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني من جهة اخرى.
ليس من المتوقع ولا من المنطقي ان تتولى روسيا ردع سلاح الجو الإسرائيلي بإستعمال طيرانها او قواعد صواريخ دفاعها الجوي في مطار حميميم. كما ليس من المنطقي ان تقف روسيا مكتوفة اليدين حيال الطائرات الحربية الإسرائيلية وهي تقصف من اجواء لبنان قواعد عسكرية وصناعية سورية تقع على مقربة من مطار حميميم او قاعدتها البحرية في طرطوس.
المخرج من هذه المعضلة هو في تزويد سوريا منظومةَ دفاعٍ جوي قوي ، S-400 مثلاً ، كفيلة بردع "اسرائيل" ومنعها من الاعتداء عليها عبر اجواء لبنان.
في وسع روسيا ، سياسياً وعسكرياً، تبرير تزويد سوريا منظومة الدفاع الجوي المطلوبة . لكن في حال تلكأت ، لسبب او لآخر ، فلا يبقى إلّا ان تقوم ايران بتزويدها أقوى وأفعل ما تمتلكه من منظومات دفاع جوي تفي بحاجتها. ذلك ان لديها منظومة S-300 روسية الصنع ، كما تمتلك منظومة مماثلة مصنّعة محلياً وتضاهيها في القوة والفعالية.
هل من مسارٍ آخر وأفعل لتجنيب سوريا القتال على جبهتين ؟