نشرت بجردية "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 23/10/2017
سوريا بعد "داعش" :
تركيز وجود اميركا إستوجب تعزيز حضور ايران
بقلم د. عصام نعمان
الحرب الكونية على سوريا لم تنتهِ بعد. تراجعت مفاعليها مع اندحار "داعش" في مناطق سيطرته بشرق سوريا ووسطها ، لكنها ما زالت مستعرة ومرشحة للمزيد . تراجعُ وتيرتها العسكرية ، بفضل انتصارات الجيش السوري وحلفائه ، حَمَل الاميركيين على بلورة استراتيجية اكثر تشدداً اطلقها رونالد ترامب اخيراً .
ما اعلنه الرئيس الاميركي بعناوين عريضة فصّله قائد القيادة الوسطى في جيشه الجنرال جوزف فوتيل في خطابٍ امام "المجلس الوطني العربي-الاميركي" بعد اسبوع على إعلان رئيسه استراتيجيته المتشددة حيال ايران. قال من دون مواربة : "إن الشرق الاوسط كان وما زال وسيبقى مهماً بالنسبة الينا. لكن إيران تسعى الى بناء محور من طهران الى بيروت وتعزيز نفوذها العسكري في سوريا والعراق واليمن" . تعهد العمل مع"شركاء محليين" للتصدي لما اسماه "الدور الخبيث لإيران"، وأكد رفض واشنطن شراكةً مع الرئيس السوري بشار الأسد.
من هم شركاء اميركا المحليون ؟
فوتيل تحدث عن نهج اقليمي يستند الى العمل مع الشركاء على الارض لتحقيق المصالح المشتركة. لفت تحديداً الى تجربة تحرير الموصل، منوّهاً بالقوات العراقية التي حررت تلعفر والحويجة في اقل من اسبوعين ، ومشيراً الى "الصورة الراسخة في ذهنه لرئيس الوزراء حيدر العبادي بين جنوده وبين الناس معلناً الإنتصار(...) هذا ما نسعى اليه ، ان نكون قيّمين لحلفائنا".
العبادي وقواته العسكرية النظامية هم ، اذاً ، "شركاء اميركا على الارض" !
في سوريا ، تحدث فوتيل عن شراكة موازية ، لكنها اكثر صعوبة لمحاربة "داعش". قال : "لن نكون شركاء مع الاسد الذي يحارب "داعش" بدرجات متفاوتة مع حليفتيه روسيا وايران ". حذّر من ان طهران تحاول تعزيز نفوذها العسكري في سوريا والعراق واليمن لإعادة "بناء محور طهران-بيروت". ولم يتأخر عن تحديد شركاء اميركا في سوريا بتشديده على ان واشنطن تعمل هناك من خلال "تدريب قوات كردية وعربية وتجهيزها لمحاربة "داعش".
شركاء اميركا العرب في سوريا هم "جيش العشائر"، و"اسود الشرقية" ، و"قوات احمد العبدو" ، وفصيل "مغاوير الثورة" الناشطون في "منطقة الحظر" بمحيط قاعدة التنف حيث تتواجد قوات اميركية على مقربة من الحدود السورية – العراقية.
شركاء اميركا الكرد في سوريا هم "قوات سوريا الديمقراطية- قسد" المتعاونة مع القوات الاميركية المتواجدة في انحاء مختلفة من محافظتي الحسكة والرقة، ولها فيهما قواعد ومطارات واسلحة ثقيلة . الاميركيون ساعدوا "قسد" على اقامة كيان اداري لامركزي في تينك المحافظتين يمكن بسهولة تحويله اقليماً للحكم الذاتي شبيهاً بإقليم كردستان العراق، كما دفعوا "قسد" الى مسابقة الجيش السوري وحلفائه للسيطرة على بعض حقول النفط والغاز في شمال شرق محافظة دير الزور.
بات واضحاً ان الولايات المتحدة مصممة على التمسك بقواعد تمركز قواتها في العراق وسوريا . الخبير في مركز الامن القومي الاميركي نيكولاس هيراس ابلغ صحيفة "الحياة" "ان اولوية واشنطن تتمثل في إبقاء وجود عسكري لها في العراق وسوريا وبناء تحالفات لضمان هذا الامر ". فسّر دعم ادارة ترامب للعبادي في معركة كركوك ضمن هذا الإطار، وكذلك "لتعزيز موقعه وتمكين واشنطن من البقاء عسكرياً ، في مقابل التحالف مع القوى الكردية في سوريا لإبقاء (...) القوات الاميركية هناك".
هذا التركيز للوجود العسكري الاميركي في بلاد الرافدين وبلاد الشام حَمَل القيادة الإيرانية على التحسّب لأغراضه السياسية والإستراتيجية . في هذا السياق ، اوفدت طهران رئيس اركان جيشها اللواء محمد باقري حاملاً رسالة من المرشد الاعلى السيد علي خامنئي الى الرئيس الاسد ، وافكاراً وخططاً للبحث مع أركان القيادة العسكرية السورية.
كيف ستردّ سوريا وايران وسائر قوى محور المقاومة على مخططات اميركا (واسرائيل) في المنطقة ؟
من الواضح ان قوى المقاومة منخرطة في صراع سياسي وعسكري مرير مع "داعش" و"النصرة" بما هما ابرز ادوات اميركا في المواجهة الدائرة منذ نحو ست سنوات . وليس من شك انها لاحظت اتجاه واشنطن الى مزيد من التشدد حيالها بعد الإنتصارات التي حققها الجيشان السوري والعراقي وحلفاؤهما ضد "داعش" ومن يقف معه ووراءه . لذا من المتوقع ان تزيد ايران من دعمها لسوريا في مجهودها السياسي والعسكري لاستعادة اراضيها التي تخضع لسيطرة "داعش" او لسيطرة اميركا وحلفائها من عرب وكرد محليين . هذا التوجه ربما يؤدي الى نشر مزيد من قوات الحرس الثوري وحلفائه في سوريا بغية تحقيق هدف استراتيجي بالغ الاهمية هو تحرير بلدة البوكمال السورية وبلدة القائم العراقية الحدوديتين من "داعش" المدعوم من طرف القوات الاميركية المتواجدة في قاعدة التنف كما من قواعدها في محافظتي الرقة والحسكة . كل ذلك من اجل تأمين اقامة جسر بري لوجيستي يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا.
الى ذلك ، ثمة تحسّبٌ سوري وايراني لتصريحات ملتبسة ادلى بها فلاديمير بوتن خلال الدورة الـ 14 لمنتدى فالداي الدولي للحوار في مدينة سوتشي الروسية . فقد اشار الرئيس الروسي الى ان "إقامة المناطق الاربع لخفض التصعيد لن تسفر عن تقسيم سوريا على رغم ان هذا التهديد موجود بصورة عامة" . هل كان بوتن يلمّح في تصريحه الى منطقة سيطرة "قسد" في الحسكة والرقة والى منطقة سيطرة "النصرة" والجيش التركي في محافظة ادلب ؟
لعل ما يزيد دمشق وطهران ارتياباً اقتراح بوتن بأن "الخطوة التالية بعد انشاء هذه المناطق تتمثل في تشكيل مؤتمر شعوب سوريا لمصالحة الحكومة والمعارضة ، والتخطيط لضمّ ممثلين لهما وكذلك لجميع الطوائف العرقية والدينية ".
هل في سوريا "شعوب" ؟ وهل حكومة سوريا وفصائل المعارضة تتكوّن من شعوب تقوم بتمثيلها ؟ وما الفارق بين هذه المقاربة للتسوية السياسية التي تنادي بها موسكو والمقاربة الطائفية التي اعتمدتها اميركا العام 2004-2003 عند كتابة دستور العراق وإقراره ؟
لا شك في ان تصريحات بوتن تبعث على القلق ، وانها تتطلب ، في الاقل ، توضيحات مُقنعة . ولعل قادة سوريا ، ومعهم قادة ايران، سيتجهون جرّاءها الى التشدد في التمسك بسياسة إستعادة جميع مناطق سوريا التي تسيطر عليها تنظيمات ارهابية او فصائل اخرى متمردة تحرضها وتدعمها الولايات المتحدة ، والى وجوب التعجيل في تحريرها وبسط سيادة سوريا عليها قبل البحث في اقامة مؤتمر للسلام في جنيف او غير جنيف في المستقبل المنظور.
الأهم قبل المهم .